إغلاق طريق في الضالع... عقاب جماعي يمارسه الحوثي منذ سنوات

يمنيون اضطروا إلى السير على أقدامهم بين الأودية والشعاب في ظل إغلاق الطريق الرابطة بين دمت وقعطبة (إ.ب.أ)
يمنيون اضطروا إلى السير على أقدامهم بين الأودية والشعاب في ظل إغلاق الطريق الرابطة بين دمت وقعطبة (إ.ب.أ)
TT

إغلاق طريق في الضالع... عقاب جماعي يمارسه الحوثي منذ سنوات

يمنيون اضطروا إلى السير على أقدامهم بين الأودية والشعاب في ظل إغلاق الطريق الرابطة بين دمت وقعطبة (إ.ب.أ)
يمنيون اضطروا إلى السير على أقدامهم بين الأودية والشعاب في ظل إغلاق الطريق الرابطة بين دمت وقعطبة (إ.ب.أ)

في الظروف الطبيعية لا يحتاج المرء للانتقال بين مديريتي دمت وقعطبة في محافظة الضالع اليمنية، سوى إلى السير في الطريق الرابطة بينهما، إلا أن ميليشيات الحوثي جعلت التنقل بين المديريتين يمر عبر أربع محافظات، في عقاب جماعي خلّف مأساة إنسانية تمتدّ لسنوات.
يتساءل أهالي المديريتين عن تجاهل معاناتهم، وعدم إدراجها ضمن بنود الهدنة الأممية؛ نظراً للأهمية التي تمثلها الطريق الرابطة بين العاصمة صنعاء ومدينة عدن الساحلية الجنوبية؛ إلا أن بعض الأهالي لا يرون جدوى لوضع الطريق ضمن بنود الهدنة؛ بسبب تعنت الحوثيين الدائم.
تبعد مديريتا دمت وقعطبة ما يقارب 214كلم عن العاصمة صنعاء، والمسافة بينهما لا تتجاوز 3 كيلومترات، وبسبب إغلاق هذا الطريق أصبح السفر من صنعاء إلى عدن، أو العكس، يستغرق أكثر من يوم كامل عبر طرق بديلة في محافظتي البيضاء وتعز، بعد أن كان يحتاج إلى 8 ساعات فقط.
يقول الناشط السياسي عبد الجليل الحقب، من أهالي المنطقة؛ لـ«الشرق الأوسط»، إن قطع طريق دمت قعطبة؛ دفع الأهالي إلى التنقل عبر طرق جبلية وعرة للغاية، وأغلبها لا يمر فيها سوى البشر على أقدامهم، وقلة منها يمكن أن تتحرك فيها سيارات الدفع الرباعي؛ إلا أن حركتها تكون بالغة الصعوبة والخطورة.
وبحسب الحقب؛ تمثل الطريق المغلقة خطاً حيوياً بالغ الأهمية لأهالي مديريات جبن ودمت ورداع، الذين يعتمدون عليها في التنقل وبيع منتجاتهم الزراعية، واستقبال المواد الأساسية والبضائع القادمة من عدن، إلا أن قرى ومناطق مثل الحقب، بيت اليزيدي، محقن، يعيس، الزيلة، أكثر تضرراً لأن المواجهات تحدث في نطاقها.
ويتابع الحقب: إضافة إلى هذه القرى؛ ثمة قرى أخرى صغيرة متناثرة على جانبي الطريق التي لا تسمح ميليشيات الحوثي بعبورها حتى مشياً على الأقدام، وزرعت فيها الألغام، ونشرت القناصة على جانبيه؛ ما يضطر الأهالي إلى سلوك الطرق الوعرة البديلة، مع ما فيها من معاناة.
وشهدت محافظة الضالع مواجهات عنيفة بين الجيش الوطني والميليشيات الحوثية منذ العام 2015، إلا أن الطريق لم تغلق بشكل نهائي سوى في العام 2018، عندما تلقت الميليشيات خسائر كبيرة، لجأت بعدها إلى تركيز هجماتها لاستعادة المناطق التي تم تحريرها، ومعاقبة السكان بشكل جماعي بسبب تأييدهم للجيش والمقاومة.
وعمدت الميليشيات الحوثية إلى قطع الطرقات الرئيسية بين المديريات، وتدمير الجسور، وزراعة الألغام على الطرقات وفي محيطها لمنع الحركة، سواء كانت راجلة أو بالمركبات، ووزعت القناصة على التلال المحيطة لاستهداف حركة الأهالي على الطرقات أو بالقرب منها، ونتج من ذلك تقسيم المديريتين ومديريات أخرى مجاورة إلى مناطق معزولة عن بعضها بعضاً.
- أحياء على النعوش
يصف الناشط جبران اليزيدي، من أهالي مديرية دمت، لـ«الشرق الأوسط»، معاناة الأهالي بأنها لا تُحتمل، حيث يضطرون إلى المشي في الشعاب والوديان وتسلق الصخور والمنحدرات محملين بأغراضهم، وهي معاناة تتكرر يومياً للكثير منهم ذهاباً إلى مدينة دمت وأسواقها وإياباً، وتستغرق غالباً يوماً بأكمله، بعد أن كان الانتقال عبر الطريق الرئيسية يستغرق ربع ساعة فقط.
هذا الأمر، والحديث لليزيدي، أجبر الأهالي على محاولة اختصار معاناتهم بطريقة مختلفة، حيث يضطر الواحد منهم إلى شراء حاجيات تكفيه لأسبوع كامل، إلا أن هذا غير مجدٍ أيضاً، لصعوبة نقل كمية كبيرة من الأغراض إلا على ظهور الحمير، وهو أمر غير متاح للغالبية منهم. وهذه الطريق تخضع أيضاً لسيطرة الميليشيات وغطرستها.
ويذكر اليزيدي، أن أهالي هذه القرى والمناطق المحيطة بالطريق المغلقة، ينقلون مرضاهم إلى المستشفيات عبر هذه الطريق، محمولين على النعوش، وهي مخاطرة جسيمة؛ إذ إن انزلاق قدم أحد حاملي النعش قد يتسبب بسقوط النعش وحامليه في منحدرات صخرية قاسية.
ويتوفر خيار آخر للتنقل بين المديريتين، عبر أربع محافظات، فمن قعطبة؛ يكون التوجه جنوباً عبر محافظتي الضالع ولحج، والالتفاف غرباً عبر محافظة تعز، ومحافظة إب شرقاً وشمالاً، والعودة جنوباً للوصول إلى دمت، والعكس أيضاً، في مسافة تزيد على 400 كيلومتر، وزمن يزيد على 24 ساعة، وتكلفة تصل إلى ما يعادل 150 دولاراً.
تسبب إغلاق الطريق الرئيسية في رفع أسعار البضائع والمواد الأساسية؛ وضاعفت نقاط الجباية والجمرك التابعة للميليشيات الحوثية الأسعار مرات عدة، أما المساعدات الغذائية المخصصة لهذه القرى والمناطق، والمقدمة من المنظمات الإغاثية والتحالف العربي؛ فهي لا تصل بسبب إغلاق الطرق الرئيسية، وأعمال النهب والمصادرة التي تنفذها الميليشيات.
- خسائر المواطنين وعوائد للميليشيات
واتهم الناشط عبد الجليل الحقب الميليشيات الحوثية بإطباق الحصار على المدنيين تماماً، ونتيجة لزراعة الألغام ونشر القناصة؛ حُرِمَ أصحاب المزارع القريبة من الطريق من الانتفاع من مزارعهم وممتلكاتهم.
وأكد الحقب، أن الحوثيين هم المستفيدون من إغلاق هذه الطريق؛ إذ يحققون بهذا الإغلاق غرضاً عسكرياً بمنع الجيش الوطني من الاستفادة من دعم أهالي المنطقة له، ويعاقبون أهالي المنطقة على مواقفهم بهذا الحصار المطبق.
بينما ينوّه جبران اليزيدي إلى فوائد اقتصادية تعود على الحوثيين من هذا الإغلاق للطرق، بجني أموال طائلة من الجبايات والجمارك على المواد الأساسية، ومنع تبادل السلع بين المناطق المحررة ومناطق سيطرتهم بحرية، وما يحققه فارق سعر العملة المحلية لصالحهم من أرباح.
وتضرر أهالي المنطقة اقتصادياً بإغلاق الطريق الرئيسية الرابطة بين أهم مدينتين في البلاد، حيث كانت مدينة دمت سوقاً للمسافرين، وتشهد أنشطة تجارية متعددة، إلا أن هذا الإغلاق تسبب بتراجع هذه الأنشطة، وارتفاع نسبة البطالة.
ويسقط بين الحين والآخر ضحايا مدنيون بإطلاق نيران قناصة حوثيين، كان آخرها في العاشر من الشهر الماضي، حيث قُتِل في قرية يعيس مواطن من أبناء محافظة تعز قَدِم إلى المنطقة للعمل كبائع جوال، وسبقه بأسبوع أحد أهالي المنطقة، ويبلغ من العمر 55 عاماً، بنيران قناص في تل مريفدان المتاخمة للطريق.
وفي فبراير (شباط) الماضي حاول ثلاثة من أبناء المنطقة الاقتراب من الطريق على متن دراجة نارية، لينفجر بهم لغم أرضي تسبب بمقتل أحدهم، وإصابة الآخرَين إصابات خطرة. أما من ينجو من الألغام ونيران القناصة؛ فقد يقع في قبضة أي ثكنة عسكرية.
وجرت محاولات مجتمعية من أعيان وأبناء المنطقة للوساطة بين الجيش الوطني والميليشيات الحوثية من أجل فتح الطريق وتسهيل حركة المدنيين؛ إلا أنها فشلت بتعنت الحوثيين، ووضعهم شروطاً تعجيزية. وفي أبريل (نيسان) الماضي سيَّر عدد من الناشطين في مدينة دمت قافلة من المدينة إلى نقطة الإغلاق، إلا أنها لم تحقق الغرض منها.
وفي المرة الوحيدة التي استجابت الميليشيات الحوثية للوساطات؛ عرضت فتح طريق جانبية ضيقة لا تصلح لمرور السيارات فيه؛ وهو ما عدّه الوسطاء استخفافاً بهم.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.