«الإطار التنسيقي» يبحث عن رئيس للوزراء يرضى عنه الصدر

المالكي يوجه رسالة طمأنة للصدريين بإمكانية مشاركتهم في تشكيل الحكومة المقبلة

جانب من حفل تخريج جنود في وحدة تابعة للقوات الخاصة العراقية بقاعدة عسكرية غرب بغداد أمس (إ.ب.أ)
جانب من حفل تخريج جنود في وحدة تابعة للقوات الخاصة العراقية بقاعدة عسكرية غرب بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

«الإطار التنسيقي» يبحث عن رئيس للوزراء يرضى عنه الصدر

جانب من حفل تخريج جنود في وحدة تابعة للقوات الخاصة العراقية بقاعدة عسكرية غرب بغداد أمس (إ.ب.أ)
جانب من حفل تخريج جنود في وحدة تابعة للقوات الخاصة العراقية بقاعدة عسكرية غرب بغداد أمس (إ.ب.أ)

عشية تحشيد غير مسبوق يقوم به زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، في مواجهة خصومه من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، وجه زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي رسالة طمأنة للصدريين بإمكانية مشاركتهم في تشكيل الحكومة المقبلة رغم انسحابهم من العملية السياسية واستقالتهم من البرلمان. وفي حين لم يتفق خصوم الصدر بعد على مرشح معين لرئاسة الحكومة المقبلة، فإنهم كما يبدو باتوا على قناعة بأنه ينبغي البحث عن شخصية ترضيه.
وفي حين شكل الصدر لجنة عليا لترتيب صلاة الجمعة الموحدة التي أمر بإقامتها في مدينة الصدر ببغداد في 15 يوليو (تموز) الحالي، أعلن المالكي، وهو أحد كبار خصوم الصدر، في بيان أمس (الاثنين)، أنه «على الحكومة القادمة أن تكون حكومة تبعث رسالة أنها خدمية لكل العراقيينن وأنها لم تكن إقصائية أو تهميشية أو إلغائية لأي طرف ساهم بالعملية السياسية واشترك بالانتخابات أم لم يشترك ومن بقي فيها أو انسحب منها».
ويُعدّ هذا الموقف جديداً؛ لا سيما أنه يشير صراحة إلى إمكانية مشاركة الصدريين في الحكومة المقبلة طبقاً لاستحقاقهم الانتخابي حتى بعد انسحابهم من البرلمان. لكن التوقعات تشير إلى أن الصدر لن يقبل بهذا العرض؛ لا سيما أنه صادر تحديداً عن المالكي. فالصدر، وطوال الشهور الماضية التي أراد خلالها تشكيل «حكومة أغلبية وطنية»، حاول أكثر من مرة استمالة قوى «الإطار التنسيقي» للدخول معه في تشكيلة الوزارة، لكنه استثنى المالكي، وهو ما رفضه «الإطار التنسيقي» الذي عطل طموح الصدر في تشكيل حكومته.
وفي الوقت الذي يبحث فيه قادة «الإطار التنسيقي»؛ الذي يضم «دولة القانون» و«الفتح» و«العصائب» و«قوى الدولة» و«السند الوطني» و«عطاء»، مواصفات رئيس الوزراء المقبل، فإنه لا يعرف بعد ما إذا كانت مبادرة المالكي هذه الموجهة إلى «التيار الصدري» تمت بالتوافق مع بقية شركائه في «الإطار التنسيقي» أم هي مبادرة تتعلق فقط بـ«دولة القانون».
وفي هذا السياق، يرى متابعون للشأن السياسي العراقي أنه في حال كان ما صدر عن المالكي جاء باتفاق مع باقي الشركاء داخل «الإطار»، فإن من شأن ذلك أن يكون بمثابة رسالة طمأنة للصدريين بإمكانية مشاركتهم في تشكيل الحكومة، لا سيما أن هناك انطباعاً سائداً وسط الشارع بأن الصدريين منزعجون من انسحابهم السياسي لأنهم كانوا يشكلون الكتلة البرلمانية الكبرى قبل استقالتهم.
وهناك من يذهب إلى أن زعيم «التيار الصدري» نفسه ربما يكون قد ندم على قراره سحب نوابه من البرلمان لأسباب عدة؛ بينها أن قوى «الإطار التنسيقي» تعاملت مع قضية انسحابه ببرود تام؛ بل وبنوع من التشفي والانتصار، بحسب ما أوحت به مسارعتهم إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان لكي يؤدي النواب البدلاء القسم مكان النواب الصدريين. ومن بين الأسباب الأخرى المحتملة لـ«الندم» الصدري هو أن شريكي «التيار الصدري» السابقين؛ وهما «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«السيادة» السني بزعامة محمد الحلبوسي، قد خذلاه بعدم تضامنهما معه. وفي هذا الإطار، قال المتحدث السابق باسم «التيار الصدري» حسن الزركاني، في تصريح أمس، إن «الصدر كان يأمل بانسحاب (الديمقراطي) و(السيادة) من البرلمان والاتجاه نحو التصعيد، إلا إن ما جرى (كان) عكس ذلك». وأضاف الزركاني أن «هناك مؤثرات نفسية وراء قرارات الصدر الأخيرة، وكان الغرض الوحيد من دخول (التيار) الانتخابات النيابية تشكيل حكومة أغلبية بعيداً عن المحاصصة»، مبيناً أنه «من المتعسر توقع قرارات الصدر وخطواته المستقبلية».
وبينما تبدو رسالة المالكي إلى الصدريين تهدئة وتمهيداً للحوار بعد عطلة عيد الأضحى، فإن ما أعلنه النائب في البرلمان العراقي عن «دولة القانون» محمد الصيهود من أن هذا «الائتلاف» رشح المالكي لرئاسة الوزراء، يمكن أن يتسبب في «توتير» الجو مع الصدريين.
فرغم أن المالكي بادر إلى احتواء الصدر بعد انسحابه السياسي، فإن كل التوقعات تشير إلى أن الصدر لن يقبل بالمالكي رئيساً للوزراء.
وتفيد المعلومات عن الخلافات السائدة داخل «الإطار التنسيقي» بأن قادته لم يتفقوا بعد على مرشح معين لرئاسة الحكومة المقبلة، لكنهم باتوا على قناعة بأنه ينبغي عليهم البحث عن شخصية بمواصفات خاصة بحيث يرضى عنها الصدر، كما ترضى عنها الولايات المتحدة وإيران والمحيط الإقليمي.
وسرت توقعات بأن أبرز زعيمين ضمن قوى «الإطار التنسيقي»؛ وهما نوري المالكي زعيم «دولة القانون» وهادي العامري زعيم تحالف «الفتح»، رشحا نفسيهما لرئاسة الحكومة، غير أنه، واستناداً للبيانات الرسمية لقوى «الإطار»، فإنه لم يتم الاتفاق على أي اسم، وهو ما يعني بقاء الجميع في دائرة الحيرة، في وقت بدأ فيه الصدر يحشد جمهوره المطيع.
ومع أن الصلاة الموحدة التي دعا إليها الصدر ستتزامن مع نهاية العطلة التشريعية للبرلمان واستئناف المفاوضات الرسمية بين الكتل، فليس بوسع أحد توقع ما إذا كانت قوى «الإطار» ستتمكن من حسم مرشحها لرئاسة الحكومة ووضعه في مواجهة الصدر على أنه أمر واقع أم تبقى الخلافات، وهو ما يسهل على الصدر خطوته التالية التي قد تكون مظاهرات حاشدة على بوابات «المنطقة الخضراء» والتلويح باقتحامها.
وأفادت «وكالة الأنباء العراقية (واع)» بأن رئيس «ائتلاف النصر»، حيدر العبادي، حدد في تغريدة على حسابه في «تويتر» أمس شروط مشاركته في الحكومة المقبلة، قائلاً إن «الانقسام السياسي، والتحديات السياسية والاقتصادية والسيادية، توجب معادلة حكم وسطية، تنزع فتيل الأزمات ومحل قبول رحب، وحكومة وطنية قادرة وكفوءة لمرحلة محددة لإصلاح الاقتصاد وتقديم الخدمات وتوفير فرص عمل». وأضاف أنه «‏بخلاف ذلك؛ لسنا معها ولن نكون جزءاً منها، لأنها ستعقد الأزمة وتقودنا إلى المجهول».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

أبناء جنوب لبنان يعودون إلى قراهم: لا مقومات للحياة لكننا متمسكون بالبقاء

مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
TT

أبناء جنوب لبنان يعودون إلى قراهم: لا مقومات للحياة لكننا متمسكون بالبقاء

مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)

في اليوم الرابع لوقف إطلاق النار، تبدو شوارع جنوب لبنان أقل زحمة من الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، باستثناء مداخل المدن الرئيسيّة كصيدا وصور، وداخل البلدات الجنوبيّة.

وعلى طول الخط الجنوبي، من صيدا وحتّى القرى الحدوديّة، يطغى مشهد الدمار. يخفت قليلاً في الساحل ليعود ويرتفع كلما اقتربنا من القرى الحدودية. هناك، تبدلت معالم المكان من هول الدمار؛ مبان ومتاجر أصبحت على هيئة ركام، ورغم ذلك اختار الناس العودة إلى قراهم لتفقد منازلهم وأرزاقهم والاطمئنان على أقاربهم.

سنبقى في قرانا حتّى لو نصبنا خيمة

تقول زينب بكري، من بلدة صديقين الجنوبيّة (قضاء صور): «ما زلنا غير قادرين على تصديق أننا عدنا إلى هنا، رغم الدمار والخسارات الكبرى؛ إذ خسرنا أحباباً كثيرين».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وصلنا إلى قريتنا يوم أمس، قدِمنا من بيروت، حيث كنا نازحين، أنا وكل أفراد عائلتي، المكونة من 6 أشخاص. ووجدت أن منزلي قد دمرته إسرائيل، بكيت حينها، لكنني عشت الحزن ونقيضه، فأنا هنا موجودة في قريتي وقد انتهت الحرب؛ أتمنى ألّا تتكرر مرة أخرى، حتّى لو نصبنا خيمة وسكنا فيها أفضل من العيش في غير مكان».

شهدت طريق الجنوب زحمة سير خانقة يوم الأربعاء مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

ليست مجرد أماكن نملكها

ومثل بكري، عائلات كثيرة، خسرت منازل نشأت وترعرعت فيها، وشكّلت ذكرياتها الأولى وتفاصيل حياتها، تقول إحدى سكان البلدة، التي صودف مرورها في المكان: «هي ليست مجرد أماكن نملكها؛ بل تسكن فينا وليس العكس، لنا فيها ذكريات طفولتنا، وملامح وجه أبي الذي فقدناه قبل أعوام قليلة، وصبر أمي، وأشياء كثيرة لا ندركها إلّا بعد خسارات كهذه».

في هذه البلدة (صديقين)، لا يمكن وصف حجم الدمار، غالبية المباني تحولت إلى ركام. ينتشر أهالي البلدة على جوانب الطرقات، لا حول لهم ولا قوة، يواسون بعضهم بعضاً في خساراتهم، ويتبادلون التهنئة بالعودة، أو بالنجاة من الحرب، كما يحلو للبعض تسميتها. أصحاب المتاجر والمصالح أيضاً، يقفون أمام أرزاقهم المدمرة، قلة قليلة من تلك التي لم تبعثرها الغارات الإسرائيلية، اختار أصحابها ترتيبها، تحضيراً لإعادة افتتاحها في وقت قريب.

خساراتنا كبيرة

في بلدة كفرا الجنوبيّة، المحاذية لها، يبدو مشهد الدمار أقل وطأة، تقول عبير: «عدنا أخيراً بعد نزوح دام 66 يوماً، إلى حيث نشأنا وترعرعنا، لا مقومات الآن للحياة، لكننا متمسكون بالبقاء».

تروي عبير لـ«الشرق الأوسط» كيف قضت أكثر من 9 ساعات وهي في طريقها من زغرتا (حيث نزحت في شمال لبنان)، إلى بلدتها كفرا، وتقول: «وصلنا عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في نفس اليوم الذي أعلن فيه قرار وقف إطلاق النار، كنا قد انتظرناه طويلاً، لا سيّما منذ زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان».

وتضيف: «فرحت بالخبر حينها، لكنني بكيت بشدة حين وصلت إلى الجنوب، وتحديداً إلى مدينة صور، إذ شاهدت حجم الدمار الهائل، بعض القرى التي مررنا بها، أضعت فيها الطريق؛ فلا معالم واضحة ولا أسماء أماكن اعتدنا زيارتها قبل نشوب العدوان، ولا كلمات تصف مشاعرنا، ما نعرفه أننا كنا في كابوس والآن باتت لحظة الحقيقة، خساراتنا كبيرة».

وعن تفاصيل الليلة الأولى، تقول: «يومها لم أتمكن من النوم، قضيناها في منزل شقيقتي، أنا ووالديّ وشقيقي، فمنزلنا غير صالح للسكن، عُدنا في اليوم التالي، لا كهرباء ولا مياه ولا إنترنت ولا متاجر مفتوحة في المكان، ولا حتّى تغطية للشبكة في هواتفنا تمكننا من الاتصال والتواصل مع من نحتاج، لكننا رتبنا أمورنا ومكثنا في الطابق السفلي، كونه الأقل تضرراً بين الطوابق».

المسيرات الإسرائيلية لا تفارقنا

تُكمل حديثها، فتُخبرنا عن صوت المسيرات الذي أعاد إلى ذاكرتها حال الحرب التي عاشها الناس منذ ما قبل العدوان، أيّ منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، «عادت الزنانة فوق رؤوسنا، لم تفارقنا طوال اليوم الأول لعودتنا، لكننا اعتدنا سماعها» إضافة إلى صوت الطائرات الحربيّة التي تخرق الأجواء بين الحين والآخر.

أما عن المخاوف، فتقول: «في اليوم الأول للعودة، سمعنا صوت الغارات الإسرائيلية، لم ترعبنا، لكننا نخاف من نشوب الحرب مع إسرائيل مرة أخرى، لنخوض تجربة النزوح البشعة التي لا نريدها أبداً». وتختم: «اليوم نشعر بالامتنان من عودتنا، أكثر من أيّ وقت مضى، لا نريد الحرب، ولا نريد أن يموت لنا عزيز، هي خسارات لا تعوض».

على مقربة منها، بلدة ياطر الحدوديّة، التي حذّر الجيش الإسرائيليّ أهلها من العودة إليها، لكن رغم ذلك، يأتي الناس إليها لتفقد منازلهم المتضررة بمعظمها، وكذلك فعل غالبية أبناء القرى العشر التي شملها التحذير.

ولم تتمكن عائلات كثيرة، من أبناء القرى الأمامية، من العودة إلى منازلهم، تقول منى ابنة بلدة حولا التي تبرز فيها مشاهد الحرب الطاحنة، لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر بالأسى والحزن. بالأمس كنت في حال يرثى لها، لقد حُرق منزلي في حولا، فقدت ذكريات عائلتي وأطفالي، ولا شيء يمكن أن يعيدها لنا».

وتضيف: «منزلي في كفررمان (النبطية) متضرر أيضاً، سنبقى الآن حيث نزحنا منذ بدء العدوان في عرمون إلى أن نتمكن من العودة إلى منزلنا».