ما زال «جيل زد» يشغل اهتمامات القائمين على صناعة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث دائماً ما تجرى الدراسات وتوضع الخطط لجذب هذا الجيل، بوصفه المستهلك الأكبر لـ«الإنترنت». ولقد أثار تقرير حديث نشره «يوتيوب» عن تفضيلات «جيل زد» بالنسبة لمقاطع الفيديو، تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التفضيلات ستدفع إلى تغييرات في شكل وطريقة عرض محتوى الفيديو أم لا. وأفاد خبراء ومتخصصون في الإعلام الرقمي عن أن وراء الاهتمام بـالـ«جيل زد» دوافع تسويقية. وأشار بعض هؤلاء إلى أن اتجاهات هذا الجيل ستكون المتحكمة بسوق الإعلام الرقمي في المستقبل.
تحت عنوان «الثقافة والاتجاهات» نشر موقع «يوتيوب» نهاية يونيو (حزيران) الماضي، تقريراً مطولاً من 55 صفحة، تضمن استطلاعاً لرأي الجمهور في 13 دول مختلفة، حول اتجاهات الـ«جيل زد» وتفصيلاته في متابعة الفيديو، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الاتجاهات على الاستراتيجية الرقمية. ويتضمن التقرير ثلاثة اتجاهات رئيسية، فيما يتعلق بتفضيلات الجمهور لمقاطع الفيديو، هي:
- إبداع المجتمع، التي من خلالها يشارك المجتمع خبراته مع الآخرين.
- الإبداع المتعدد الأشكال، ويتعلق بمقاطع الفيديو القصيرة التي انتشرت بشكل كبير.
- إبداع الاستجابة للأحداث، حيث وجد «يوتيوب» أن الاحتياجات العاطفية للبشر تلعب دوراً كبيراً في تفضيلات المحتوى، فخلال فترة جائحة «كوفيد - 19» استخدم 83 في المائة من الـ«جيل زد» موقع «يوتيوب» لمتابعة محتوى مهدئ يساعد على الاسترخاء.
تامر خالد، خبير التحول الرقمي، الأردني المقيم في الإمارات، ذكر لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه أن «التركيز على (الجيل زد) يأتي بشكل أساسي بدوافع تسويقية بحتة... وهناك دراسات متعدّدة توضح نسبة التبني المرتفعة لدى هذه الفئة بصفتهم مشاركين بشكل كبير في التجارة الإلكترونية على المستوى الفردي، أو بصفتهم متخذي قرار، أو مؤثرين في قرارات الشراء لدى مؤسساتهم، سواء كان ذلك في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب».
ويضيف خالد أن «أفراد (الجيل زد) يمثلون غالبية فئة المستخدمين التي تسمى فئة (المواطنين الرقميين Digital Natives)، وهي تتسم بسلسلة من الصفات والخصائص الاستهلاكية التي تتوافق بشكل كبير مع مخرَجات تقرير (يوتيوب) من حيث التحول في ثقافة استخدام قنوات التواصل الاجتماعي». ويتابع موضحاً أن «من بين أهم سمات المواطنين الرقميين التي تتوافق مع نتائج تقرير (يوتيوب) خاصيتين، الأولى كون المواطنين الرقميين متعددي المهام ويتنقلون بسرعة بين المهام، والثانية كونهم اجتماعيين بشكل كبير».
خالد أشار أيضاً إلى أن «هذه السمات تتوافق مع ما يوضحه التقرير من ناحية التحول إلى المحتوى الشخصي والأكثر ملامسة لاهتماماتهم الفردية، والتركيز أيضاً على التنويع بين صيغ متعددة للمحتوى. فمثلاً هناك التنويع والانتقال من الفيديوهات الطويلة إلى الفيديوهات القصيرة، وكذلك التركيز على المحتوى الذي يعطيهم انتماء إلى مجموعة أكبر، كمجموعات تتشارك اهتمامات مشتركة مثل (جماعات المناصرين fan groups)، بحيث تجرى عملية إبداع المحتوى بشكل تشاركي ومحفّز لمشاركة الأعضاء».
وفق بحث «إدلمان تراست باروميتر» عام 2022 فإن «المواطنين الرقميين هم الأجيال المولودة بعد عام 1980 الذين عاشوا حياتهم محاصرين بالتكنولوجيا والسوشيال ميديا. وخلال عشر سنوات سيشكل المواطنون الرقميون 58 في المائة من قوى العمل، ما يجعلهم القوى المسيطرة على السوق». وهنا يعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصّص في الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: إن «الفيديو هو وسيلة التعبير بالنسبة للجيل زد، فهو وسيلته الوحيدة في التعبير عن الذات وعما يريد، على عكس الأجيال السابقة التي كانت تعبّر بوسائل مختلفة من بينها الكتابة والصوت»، ويتابع: «من الطبيعي أن يكون هناك اهتمام بدراسة تفضيلات هذا الجيل في مقاطع الفيديو لأنه المستهلك الأكبر».
عودة إلى تامر خالد الذي يشير إلى أن «جزءاً كبيراً من الشباب ينظر إلى منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لتوليد دخل أساسي أو حتى ثانوي... وفي تقرير (يوتيوب) يظهر أن 85 في المائة فعلاً من المستخدمين سبق له أن أنتج محتوى، حتى لو كان ذلك لمرة واحدة، فالفكرة الأساسية تكمن في أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه هي منصات تسويق بشكل أساسي، والتسويق هو الوسيلة الأساسية لتحقيق الإيرادات». ويرى أن «هذا هو السبب الذي يدفع الجميع لدراسة اتجاهات المستهلكين، وما يفضلونه... ومن الناحية الاستراتيجية يعد (الجيل زد) هو الشريحة الأكبر من المستخدمين، وبالتالي لا بد من الاهتمام بها».
من جهة ثانية، أشار تقرير «يوتيوب» إلى تغير تفضيلات الشباب خصوصاً الـ«جيل زد» للفيديو مقارنةً بالأجيال الأكبر، إذ «تدور الثقافة الرقمية الآن حول المحتوى الذي يتضمن ارتباطات شخصية، حيث يوافق 65 في المائة من (الجيل زد) (من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة)، على أن المحتوى المرتبط بهم شخصياً أكثر أهمية من المحتوى الذي يتحدث عنه كثرة من الأشخاص الآخرين، حيث تراجعت أهمية مقاطع الفيديو الفردية التي كانت منتشرة في فترات سابقة في عالم يعطي فيه الجمهور والمبدعون الأولوية للحظات التي تهمهم وتخص حياتهم بشكل شخصي، بعيداً عن المحتوى الجماهيري العام». وأيضاً يؤكد تقرير «يوتيوب» أن «الفيديو يشكل وسيلة اتصال قوية، ما يجعله شيئاً لا غنى عنه في حياتنا... وثقافة الإنترنت أصبحت جماهيرية، وهذه الثقافة الشعبية الجماهيرية أصبحت أكثر فردية»، لافتاً إلى أن «85 في المائة من (الجيل زد) ينتجون محتوى فيديو».
هنا يرى تامر خالد أن «شركة (يوتيوب) تعمل بشكل دوري على تحديث خوارزمياتها، اعتماداً على هذه الدراسات، وبعد عمليات تحليل بيانات معقدة... ولذلك لا أستبعد حدوث تغييرات متوافقة مع مخرجات التقرير في المستقبل، بترشيح الفيديوهات التي تمس المستخدم بشكل شخصي، قبل أي محتوى آخر». ومن جانبه، يقول البرماوي إن «التقرير يلفت إلى ضخامة استهلاك (الجيل زد) مقاطع الفيديو والمحتوى الترفيهي ومقاطع الفيديو القصيرة وذات الإيقاع السريع... ورغم إيجابية هذه النتائج فإن فيها عامل خطورة، إذ تُظهر أن هذا الجيل يتعامل مع الأشياء تعاملاً هامشياً من دون تعمق، فهو جيل له نهم استهلاكي بصورة مضاعفة». ومن ثم يطالب بـ«دراسات اجتماعية لتحليل الأنماط الاستهلاكية لهذا الجيل وتأثيراتها على المستقبل».
غير أن خالد يرى أن «حجم العينة المبحوثة في تقرير (يوتيوب) صغير، ما يجعل نتائجها غير قابلة للتعميم على منطقة الشرق الأوسط، وإن ظلت مصدراً مهماً هدفه زعزعة الفكر الحالي وتحديه، وإسقاط الضوء على أنواع المحتوى التي أصبحت أكثر جاذبية لهذه الفئة». وبالفعل، فإن تقرير «يوتيوب» اعتمد على عيّنة ضمت 5722 مبحوثاً من سن 18 إلى 24 سنة من كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا، والدنمارك، وألمانيا، والمكسيك، والبرازيل، والهند، وكوريا، وكندا، واليابان، والمملكة العربية السعودية، ومصر».
أخيراً، الاهتمام بالـ«جيل زد» واتجاهاته ربما يكون الدافع وراء إطلاق حساب جديد لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية على منصات التواصل الاجتماعي يديره فريق عُيِّن خصيصاً لهذا الغرض تحت اسم «404». وحسبما ذكر موقع معهد «نيمان لاب» المتخصص في الأبحاث والدراسات الإعلامية، فإن هذا الفريق يعده الخبراء أول فريق من نوعه في غرف الأخبار الكبرى الأميركية، خصوصاً أن وظيفة فريق «404» مختلفة عن وظيفة فرق مواقع التواصل الاجتماعي في الصحف والمواقع الإلكترونية. ذلك أن «وظيفة الفريق الجديد لن تكون زيادة التفاعل والزيارات لموقع الصحيفة، ولن ينشر ما ينتجه من محتوى على موقع الصحيفة الإلكتروني، بل سيتركز عمله على ابتكار أنواع جديدة من المحتوى التجريبي، بهدف الوصول إلى الجيل الأصغر سناً من القراء الذين لا يتفاعلون مع (لوس أنجليس تايمز)، وسيكون لمقاطع الفيديو الأولوية».
تفضيلات الـ«جيل زد» لمقاطع الفيديو تدفع إلى تطوير المحتوى
تفضيلات الـ«جيل زد» لمقاطع الفيديو تدفع إلى تطوير المحتوى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة