«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

اتجاه نحو مرحلة جديدة مفتوحة على المجهول

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف
TT

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

ترى حركة طالبان في «داعش» عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحها ويتمدد على حسابها.. وبالتالي، قد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك. ولقد تعزز هذا التوجه عندما طالب علماء أفغانستان، خلال اجتماع موسع، طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد «داعش»، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلاد والمنطقة، ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
«أسسوا لنا أكثر من ثمانية أحزاب أطلقوا عليها (أحزاب المجاهدين) في ثمانينات القرن الماضي عندما هاجم (الجيش الأحمر) السوفياتي أفغانستان في نهاية السبعينات، وقدموا لها كل أنواع السلاح الفتاكة. ثم أنشأوا حركة مجهولة أطلقوا عليها اسم حركة طالبان للقضاء على أحزاب (المجاهدين) الذين تناحروا في ما بينهم وقتلوا عشرات الآلاف من المدنيين. ولكن، بعدما حكمت طالبان البلاد بالحديد والنار لمدة ست سنوات، وقعت فاجعة 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وكان هذا المفصل ذريعة وتبريرا للتدخل الأجنبي في البلاد بغطاء أممي وبوعود فضفاضة».. هذا ما يقوله ملك جان، سائق التاكسي في العاصمة الأفغانية كابل، عن حال السياسة الأفغانية خلال العقود الأخيرة، قبل أن يستطرد: «يومذاك قالوا إنهم سيغيرون واقع الأفغان، وستدخل البلاد مرحلة جديدة من البناء والديمقراطية، وتنفتح على العالم وينفتح العالم عليها. واليوم، بعد 14 سنة من الحضور العسكري الأجنبي والمؤسسات الأممية، يقال للأفغان بأن ظاهرة جديدة في الطريق... ويخوفوننا من المصير المجهول في حال انتشرت هذه الظاهرة التي يطلقون عليها اسم (داعش)..».
ملك جان، الذي عاصر عدة حروب بين «المجاهدين الأفغان»، حسب وصفه، يحمّل المسؤولية عن كل ما حدث في بلاده من حروب ودمار وخراب منذ أربعين سنة، ولا تزال تداعياتها الكارثية تتوالى في جميع المجالات، للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية ودول الجوار التي يقول إنها «لا تريد الخير والمصلحة لأفغانستان». ثم يتابع بحسرة أن البلاد تفتقر إلى زعامة سياسية واعية تستطيع توحيد كلمة الأفغان، الذين شتتتهم المصالح الإثنية والطائفية الضيقة. ويضيف أنه يتوقع أن تتجه البلاد نحو مزيد من الانهيار السياسي والأمني والمعيشي في حال استمر تمزق كلمة مواطنيها، وباتوا منقسمين على أنفسهم.
سائق التاكسي، أو الشاهد العيان على المآسي الأفغانية، يقول: «الدول لها أطماع ومصالح في أفغانستان، ولن تترك أوضاعنا تستقر»، وهو الآن يتحدث عما يصفه بمؤامرة خطيرة، وعن طبخة جديدة تطبخ لأفغانستان، بعدما سمع الأنباء التي تتحدث عن انتشار ظاهرة مقاتلي «داعش» في بعض المناطق الأفغانية، خصوصا في مناطق الشمال الأفغاني القريبة من حدود دول آسيا الوسطى (السوفياتية سابقا). وهو ينظر إلى الأوضاع من زاوية أن كل ما يجري في هذا البلد معد مسبقا، وأن أجهزة الاستخبارات الأجنبية هي التي تقف وراء كل هذه التوترات.
في هذه الأثناء، قال الجنرال الأميركي جون كامبل، قائد القوات الدولية في أفغانستان، في تصريح له مع بعض القيادات النسائية الأفغانية، إن تنظيم داعش يقوم حاليا بتجنيد مقاتلين أفغان ضمن صفوفه في بعض مناطق البلاد، واعتبر كامبل هذا الأمر تطورا مقلقا بالنسبة للملف الأمني. وعلى أثر هذا التصريح وتصريحات مماثلة من المسؤولين الأمنيين حول احتمال ظهور «داعش» في أفغانستان انقسم الشارع المحلي على نفسه، وكالعادة إلى أكثر من رأي بالنسبة لما يحدث لبلادهم.
فالبعض يرى أن أفغانستان متجهة إلى مرحلة جديدة من الصراعات الدموية على غرار ما جرى في تسعينات القرن الماضي عندما خاضت ما أطلقوا عليها «أحزاب المجاهدين» حربا أهلية استمرت أربع سنوات أتت على الأخضر واليابس، إلى أن ظهرت على الساحة حركة طالبان المتشددة فقضت على الجميع ولكن من دون أن يستتب الأمن والسلام في البلاد.
لكن هناك فئة ثانية ترى أن هناك مخططا دوليا يجري الإعداد له من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة، هدفه جرّ روسيا الاتحادية إلى «حرب استنزاف» مع مقاتلين متشددين ينتمون إلى دول آسيا الوسطى انطلاقا من أفغانستان. وكان الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي قد قال في آخر ولايته إن «هليكوبترات أجنبية (في إشارة منه إلى هليكوبترات قوات التحالف الدولي المساندة لحكومته) تقوم بنقل مقاتلين مجهولين إلى ولايات الشمال الأفغاني المتاخمة لحدود دول آسيا الوسطى». غير أن هذا الاتهام ووجه بنفي قاطع من القوات الدولية في حينه، ولكن بما أن اليقين بـ«نظرية المؤامرة» راسخ في أذهان عامة الأفغان فإن الغالبية مقتنعة بأن أفغانستان ستكون ميدانا لحرب جديدة بالوكالة تخطط لها وتنفذها أجهزة الاستخبارات الأجنبية ولكن بأدوات أفغانية.
وأخيرا، ثمة فئة ثالثة من الأفغان تعتقد أن ظاهرة «داعش» لا مكان لها في المجتمع الأفغاني المحافظ، وأن هذا الشعب لن يسمح لهذه الحركة بالتمدد إلى أراضيه، بل سيقف في وجه انتشار هذه الظاهرة مهما كلفه ذلك من أثمان. ويرجح أصحاب هذا الرأي اقتناعهم المتفائل هذا إلى كون أفغانستان دولة قبلية محافظة تحكمها العادات والتقاليد القبلية، بصبغة محلية خاصة بأفغانستان وحدها. وفي المقابل، فإن «داعش» ظاهرة دولية عالمية لا مكان لها في المجتمع الأفغاني. أضف إلى ذلك أن حركة طالبان المتشددة التي تتبع «المدرسة الديوبندية» في معتقداتها لن تقبل بتمدد التنظيم إلى أفغانستان، بل ستكون أول من يقف حجر عثرة في وجه تمدده في حال ظهر وحاول التمدد.
عبد الحسيب زازي، وهو كاتب صحافي أفغاني متابع للحركات المتطرفة، يؤمن بأن «داعش» سيواجه مشاكل كثيرة في حال فكر في التمدد داخل الأراضي الأفغانية وبأن «أول عقبة سيواجهها هي حركة طالبان التي سترى فيه عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحه، وإن تمدد فسيكون تمدده على حسابها». وبالتالي، وفق زازي «فإن طالبان ستحث مقاتليها على مقاتلة (داعش)، وقد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك بينهما في المستقبل». وفي إشارة إلى التجارب السابقة ومنها حضور تنظيم القاعدة في أفغانستان أيام طالبان، تابع «يتجلى بوضوح أن الأفغان يرفضون الحضور الأجنبي حتى لو كان ذلك تحت غطاء إسلامي».
من جهة ثانية، يرى عبد المجيد مجيد، وهو خبير أفغاني في الشؤون الاستراتيجية، أنه ليس بمقدور أفغانستان أن تكون بمنأى عن اللعبة الدولية الكبرى التي تجري وتمثّل فصولها تباعا في منطقة الشرق الأوسط بعد ظهور «داعش». ويتابع أن «أفغانستان أرض خصبة بالمقاتلين الشرسين، والتنظيم المتطرف سيفكر مليا في التمدد إلى هذا البلد للاستفادة من تجارب المقاتلين الأفغان في حروب الشوارع وحروب العصابات. (داعش) بحاجة إلى هذا النوع من المقاتلين في حروبه ضد الأنظمة في كثير من الدول».
وكانت التقارير الأمنية المستقلة التي أكد صحتها المسؤولون الأفغان، ولو بكثير من التحفظ، أفادت بأن بعض المقاتلين من حركة طالبان غير الراضين عن قيادة الملا عمر، زعيم طالبان، بسبب اختفائه لأكثر من عشر سنوات، أخذوا يغيرون ولاءاتهم وبدأوا ينضمون إلى صفوف «داعش» داخل أفغانستان، لأن التنظيم يدفع أموالا أكثر مما تدفعه قيادة طالبان. ثم إن الحديث عن عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية، وبحضور عسكري أجنبي، أزعج كثرة من قادة طالبان من الصف الثاني والثالث، فعبروا عن انزعاجهم بإعلانهم الولاء لـ«داعش».
ولقد شكلت معركتا ولاية قندوز وولاية بدخشان، وإن كانتا قصيرتين، باكورة النشاط الفعلي والرسمي التابع لفرع «داعش» في أفغانستان، إذ أشارت التقارير إلى أن نحو خمسة آلاف مقاتل من «داعش» غالبيتهم من جنسيات طاجيكية وأوزبكية، وكذلك من مسلمي تركستان الشرقية (الأويغور) التابعة للصين ومسلمي جمهورية الشيشان، بالإضافة إلى مقاتلين من طالبان، شنوا أكبر وأعنف هجوم لهم على نقاط حكومية ومقرات تابعة للجيش الأفغاني في هاتين المنطقتين القريبتين من الحدود الروسية. وبعد أسابيع من المواجهات الشرسة التي خاضها الجيش الأفغاني بدعم مباشر من قادة من يسمونهم «المجاهدين السابقين»، استطاع الجيش والقوات المتحالفة إلحاق الهزيمة بمقاتلي «داعش» وطالبان في تلك المناطق، لكن هذا لا يعني مطلقا أن «داعش» والفريق المؤيد له في طالبان لن يعيدا الكرّة من جديد.
إلى جانب ما تقدّم، فإن الأخبار ترد عن حرب شرسة تستعر بين مقاتلين أفغان انضموا إلى صفوف «داعش» ومقاتلين ينتمون إلى حركة طالبان في كل من ولاية ننغرهار، بشرق أفغانستان، وثمة أنباء عن مقتل العشرات من الطرفين خلال أسابيع من الصراع على النفوذ في بعض المديريات التابعة للولاية. وفي ولاية فراه الواقعة في شمال البلاد تفيد الأنباء بوجود معارك متقطعة بين مقاتلين ينتمون لـ«داعش» وآخرين من مسلحي طالبان. وفي العاصمة كابل طالب عدد من علماء أفغانستان، في اجتماع موسّع حضره علماء من مختلف المناطق الأفغانية، حركة طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد ظاهرة «داعش» في البلاد، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلد والمنطقة ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
حركة طالبان لم تعلن موقفها بعد من الأخبار التي تتحدث عن معاركها مع مقاتلي «داعش»، لكنها صرحت بوضوح قبل أشهر، وعلى لسان المتحدث باسمها قاري يوسف أحمدي، بأن لا مكان لـ«داعش» في أفغانستان، وأن طالبان ستقف في وجه كل من يعبث بأمن المناطق التي تخضع لسيطرتها، مما يعني أنها لن تسمح بتمدد «داعش» إلى داخل الأراضي الأفغانية.
هذه الأجواء تسيطر على أفغانستان، بينما يتصاعد القلق إقليميا في دول عدة.
وفي هذا السياق، أظهرت إيران، القلقة من تعرّض حدودها المشتركة مع أفغانستان لاختراق مقاتلي «داعش»، مرونة في مواقفها السياسية من طالبان. إذ استقبلت طهران في الفترة الأخيرة وفدا طالبانيا زائرا التقى خلال زيارته بمسؤولين إيرانيين، وتركزت المباحثات حول قضية «داعش» واحتمال ظهوره في أفغانستان، والتأكيد على المصالح المشتركة في وجه الخطر الجديد. كذلك فإن وزير الداخلية الروسي أجرى زيارة سريعة إلى كابل بعد الأنباء عن تمدد «داعش» إلى شمال أفغانستان، والتقى خلالها بالرئيس الأفغاني ومسؤولين أمنيين، وأعربت روسيا عن رغبتها في تسليح ودعم قادة الميليشيا التابعة لأمراء الحرب في شمال أفغانستان في قتالهم ضد مقاتلي «داعش». الخلاصة أن تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وفشل القوات الدولية والحكومية على حد سواء في فرض استقرار الأوضاع وإلحاق الهزيمة بطالبان، رغم وجودها في البلاد لأكثر من 13 سنة، يفتحان المجال أمام «داعش» وجماعات متشددة أخرى للتمدد والانتشار، لا سيما في المناطق الجبلية الوعرة والنائية. ومن ثم قد تنتقل منها إلى مناطق أخرى.
الحكومة الأفغانية تقول إن ظاهرة «داعش» مشكلة عالمية وعلى جميع الدول أن تنظم مساعيها لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى العالم الإسلامي وتشوه سمعة المسلمين في كل مكان. كذلك تقول الحكومة إنها بمفردها، وبإمكاناتها المتواضعة، عاجزة عن القضاء على المقاتلين الذين يعلنون الولاء لـ«داعش» داخل البلاد، وبالتالي فهي بحاجة إلى مساعدات دولية للقضاء على التنظيم المتطرف في حال أطلق عملياته القتالية في أفغانستان.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.