«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

أفراد من التنظيم يتواصلون مع مانحين عبر «تويتر» للحصول على بطاقات دولية مسبقة الدفع

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا
TT

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

على الرغم من أن تنظيم داعش اعتمدت على الأعمال الإجرامية مثل تهريب النفط والآثار، وكذلك على الابتزاز والخطف وطلب الفدية لتمويل أنشطته، فإنه ابتكر أيضا طرقًا وأساليب جديدة لجمع المال، متجاوزًا إجراءات الرقابة والرصد المتزايدة التي تفرضها وكالات الاستخبارات الدولية.
وعليه، نجحت العقول المدبرة في التنظيم الإرهابي المتطرف في رسم خطط جديدة لنقل الأموال عبر الحدود الدولية من دون استخدام قنوات القطاع المصرفي التقليدي. وفي هذا السياق، يشير الدكتور ماثيو ليفيت، الباحث والخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «السلطات السعودية أبلغت فريق العمل المعني بالإجراءات المالية (إف إيه تي إف – FATF)، وهو منظمة دولية متخصصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن أفرادا من (داعش) تواصلوا مع جهات مانحة عبر (تويتر)، وطلبوا منها شراء بطاقات دولية مسبقة الدفع (منها بطاقات مسبقة الدفع للهاتف الجوال أو لبعض المتاجر في الولايات المتحدة)، ومن ثم قاموا بإرسال تفاصيل هذه البطاقات عبر (سكايب) إلى أنصار التنظيم في سوريا ليحاولوا بدورهم بيعها وإرسال الأموال إلى التنظيم». ثم هناك قضية مُقلقة أخرى تمثلت في نظام «التمويل الجماعي» crowd funding وفي عملة البيتكوينز bitcoins. ويُستعمل مصطلح «التمويل الجماعي» للإشارة إلى تمويل مشروع أو قضية معينة من خلال جمع كميات من المبالغ الصغيرة من عدد كبير من الناس عبر اللجوء عادة إلى شبكة الإنترنت، كما قد تجري هذه الممارسة أيضا خارج الإنترنت، إذ يمكن أن يجمع المقاتلون المال من أشخاص يعرفونهم.
ولقد استخدم فعليا نظام التمويل الجماعي من قبل معارضي «داعش» لتمويل «وحدة حماية نينوى» التي ضمت عراقيين. وكان وراء هذه الفكرة المخرج الأميركي والمقاتل السابق في ليبيا ماثيو فاندايك، الذي نظم دورات تدريبية لإنشاء «الوحدة»، ومن خلال مشروعه الذي سماه «أبناء الحرية الدولي» Sons of Liberty International، نجح بتمويل عمليات تدريب القوى المسيحية المحلية ضد «داعش»، بدءا من «وحدة حماية نينوى»، وفق ما أورد تقرير «الجزيرة» في شهر فبراير (شباط) الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أوردت شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية الصيف الماضي أن مدونة موالية لـ«داعش» تحدثت عن عملة «البيتكوينز» لتمويل التنظيم. و«البيتكوينز» هي نوع من العملات الرقمية تستخدم فيها تقنيات التشفير لتنظيم إصدار العملة والتحقق من تحويل الأموال من دون اللجوء إلى أي مصرف مركزي. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه العملة ستصبح جزءًا من الأدوات التي سيعتمدها التنظيم لتمويل عملياته.
ثم بجانب ما تقدم، يعتمد «داعش» أيضا على نظام «الحوالة» القديم، الذي بدأ تنظيم «القاعدة» باستعماله منذ أوائل عام 2000. ويعد هذا النظام وسيلة غير رسمية لتحويل قيمة الأموال من مكان إلى آخر من دون الحاجة إلى تحويل أو نقل هذه الأموال فعليًا، وذلك بالاستناد إلى شبكة من الوسطاء يرسلون الأموال بشكل فوري من دون دليل ورقي. ويعتبر هذا النظام المستخدم، خصوصًا في البلدان الإسلامية، سهلاً، ولكن من الصعب ملاحقته أو تتبعه من قبل أجهزة الرقابة المختصة.
وباستخدام هذا النظام يمكن للشخص أن يحوِّل الأموال من مكان إلى آخر عن طريق إيداع الأموال لدى وكيل محلي، يكون على اتصال بوكيل آخر في الخارج، ومن ثم يتولى هذا الأخير تسديد القيمة المعنية إلى الشخص المتلقّي على الفور، أما الوكيلان فيصفيان حساباتهما في وقت لاحق. وفي هذا السياق، ووفق ليفيت، أبلغت السلطات الفنلندية «فريق العمل المعني بالإجراءات المالية» أن أحد الأساليب الشائعة لإرسال الأموال إلى المقاتلين الأجانب يقوم على اللجوء إلى مكاتب تملك وكلاء في المناطق الحدودية القريبة من الأراضي التي يسيطر عليها «داعش».
وفي أبريل (نيسان) الماضي أوردت الـ«بي بي سي» خلال مقابلة مع «أبو حجار»، أحد عناصر «داعش»، كيف يجري نقل كميات كبيرة من المال بين مختلف المناطق الخاضعة للتنظيم، عبر وضعها في أبواب السيارات بحيث وصلت الأموال المهربة في بعض الأحيان إلى 700000 دولار أميركي.
كذلك قد تلجأ المنظمة الإرهابية إلى القطاع المصرفي التقليدي. ففي بعض الحالات، حسب ليفيت، أودعت مبالغ نقدية ضخمة في حسابات أميركية، جرى تحويلها لاحقا إلى مستفيدين يقطنون بالقرب من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. «كما نفذت سحوبات نقدية بالعملات الأجنبية من أجهزة الصراف الآلي في هذه المناطق وسحبت الأموال من حسابات مصرفية في الولايات المتحدة باستخدام البطاقات المصرفية، وفي بعض الحالات الأخرى، تم تنسيق هذه المعاملات بشكل وثيق جدًا، حيث أودعت مبالغ كبيرة في الحسابات تلتها فورا عمليات سحب من أجهزة الصراف الآلي حصلت بالقرب من أراضي (داعش)».
هذا ويؤكد ليفيت أن «(داعش) قادر أيضا على الوصول إلى الخدمات المصرفية في سوريا والعراق، بما أن عشرات من فروع المصارف تقع في المناطق المتنازع عليها أو التي يسيطر عليها، بما في ذلك فروع مصارف أجنبية ودولية. ففي العراق وحده لا يزال نحو تسعين فرعًا عاملا في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك، الخاضعة لسيطرة مسلحي التنظيم».
إلى ذلك، يشير ليفيت إلى أن الخزانة الأميركية أطلقت برنامجا مشتركا مع السلطات العراقية، والمصارف، ومنظمات أخرى من المجتمع المالي الدولي لمنع «داعش» من استخدام تلك الفروع. كما عمدت البنوك إلى تطبيق إجراءات رقابة صارمة بحثا عن أي دليل حول تمويل «داعش» مثل تكرار السحب، وأصل التحويل والمبلغ المحوّل من بين أمور أخرى.
وفي الوقت نفسه، أصدر المصرف المركزي العراقي تعليمات إلى المؤسسات المالية لمنع الحوالات من وإلى البنوك التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، في حين عمدت المصارف الدولية التي تملك فروعا إقليمية في هذه المناطق إلى نقل موظفيها.
أخيرا، يمكن لـ«داعش» أن يحصل أيضا على الأموال باستخدام وسطاء في دول مجاورة مثل تركيا. وفي هذا السياق نشر موقع «ال مونيتور» الأميركي المهتم بالشؤون العربية، الأسبوع الماضي، تقريرا حول رفع تركيا للقيود المفروضة على المبالغ القصوى التي يجري إدخالها إلى البلد، من خلال إصدار قانون جمارك جديد في 15 أبريل أجاز دخول ومغادرة تركيا مع أي مبلغ من المال. ووفقا للموقع، تساءل البرلماني التركي اليساري المعارض أوموت أوران، النائب السابق لرئيس حزب المعارضة الرئيسي (حزب الشعب الجمهوري) أمام البرلمان عن سبب تغيير قانون الجمارك السابق واعتماد القانون الجديد، الذي من شأنه تسهيل المعاملات المالية المشبوهة، ما يزيد من خطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب من دفع الضرائب. وهنا يشير ليفيت إلى «أن تركيا تقع على الحدود مع سوريا وتشهد حركة كثيفة للمقاتلين الأجانب، كما أن السياسات لديها تتيح بعض الثغرات المالية».
أخيرا، قد يكون استهداف مصادر تمويل المنظمة الإرهابية قد أضحى أحد أهم أهداف التحالف الدولي الذي أنشأ بهذا الخصوص المجموعة المالية لمكافحة تمويل تنظيم داعش في روما. هذا المجهود قد يأتي بثمار أكثر بكثير من إخضاع التنظيم المتطرف عسكريًا بما أن قطع خطوط إمداده المالي سيساعد على إضعافه، ومن ثم منعه من الوصول إلى قلب النظام المالي الدولي وإلى الوسطاء الماليين والمناصرين المستعدين لخدمتها.

* موجودات «داعش» المالية منذ احتلاله الموصل في يونيو (حزيران) 2014: 875 مليون دولار أميركي.
* مجموع الأموال المأخوذة من الضرائب والابتزاز وفرض الخوة في العراق: 600 مليون دولار.
* مجموع الأموال المنهوبة من المصارف الحكومية العراقية: 500 مليون دولار.
* إيرادات النفط: 100 مليون دولار.
* فديات جرائم الخطف: 20 مليون دولار.
* المصدر: راند كوربوريشن - «نيويورك تايمز»



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».