«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

أفراد من التنظيم يتواصلون مع مانحين عبر «تويتر» للحصول على بطاقات دولية مسبقة الدفع

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا
TT

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

«داعش» يبتكر طرقًا جديدة كمصادر تمويل بعد محاصرته اقتصاديًا

على الرغم من أن تنظيم داعش اعتمدت على الأعمال الإجرامية مثل تهريب النفط والآثار، وكذلك على الابتزاز والخطف وطلب الفدية لتمويل أنشطته، فإنه ابتكر أيضا طرقًا وأساليب جديدة لجمع المال، متجاوزًا إجراءات الرقابة والرصد المتزايدة التي تفرضها وكالات الاستخبارات الدولية.
وعليه، نجحت العقول المدبرة في التنظيم الإرهابي المتطرف في رسم خطط جديدة لنقل الأموال عبر الحدود الدولية من دون استخدام قنوات القطاع المصرفي التقليدي. وفي هذا السياق، يشير الدكتور ماثيو ليفيت، الباحث والخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «السلطات السعودية أبلغت فريق العمل المعني بالإجراءات المالية (إف إيه تي إف – FATF)، وهو منظمة دولية متخصصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن أفرادا من (داعش) تواصلوا مع جهات مانحة عبر (تويتر)، وطلبوا منها شراء بطاقات دولية مسبقة الدفع (منها بطاقات مسبقة الدفع للهاتف الجوال أو لبعض المتاجر في الولايات المتحدة)، ومن ثم قاموا بإرسال تفاصيل هذه البطاقات عبر (سكايب) إلى أنصار التنظيم في سوريا ليحاولوا بدورهم بيعها وإرسال الأموال إلى التنظيم». ثم هناك قضية مُقلقة أخرى تمثلت في نظام «التمويل الجماعي» crowd funding وفي عملة البيتكوينز bitcoins. ويُستعمل مصطلح «التمويل الجماعي» للإشارة إلى تمويل مشروع أو قضية معينة من خلال جمع كميات من المبالغ الصغيرة من عدد كبير من الناس عبر اللجوء عادة إلى شبكة الإنترنت، كما قد تجري هذه الممارسة أيضا خارج الإنترنت، إذ يمكن أن يجمع المقاتلون المال من أشخاص يعرفونهم.
ولقد استخدم فعليا نظام التمويل الجماعي من قبل معارضي «داعش» لتمويل «وحدة حماية نينوى» التي ضمت عراقيين. وكان وراء هذه الفكرة المخرج الأميركي والمقاتل السابق في ليبيا ماثيو فاندايك، الذي نظم دورات تدريبية لإنشاء «الوحدة»، ومن خلال مشروعه الذي سماه «أبناء الحرية الدولي» Sons of Liberty International، نجح بتمويل عمليات تدريب القوى المسيحية المحلية ضد «داعش»، بدءا من «وحدة حماية نينوى»، وفق ما أورد تقرير «الجزيرة» في شهر فبراير (شباط) الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، أوردت شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية الصيف الماضي أن مدونة موالية لـ«داعش» تحدثت عن عملة «البيتكوينز» لتمويل التنظيم. و«البيتكوينز» هي نوع من العملات الرقمية تستخدم فيها تقنيات التشفير لتنظيم إصدار العملة والتحقق من تحويل الأموال من دون اللجوء إلى أي مصرف مركزي. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه العملة ستصبح جزءًا من الأدوات التي سيعتمدها التنظيم لتمويل عملياته.
ثم بجانب ما تقدم، يعتمد «داعش» أيضا على نظام «الحوالة» القديم، الذي بدأ تنظيم «القاعدة» باستعماله منذ أوائل عام 2000. ويعد هذا النظام وسيلة غير رسمية لتحويل قيمة الأموال من مكان إلى آخر من دون الحاجة إلى تحويل أو نقل هذه الأموال فعليًا، وذلك بالاستناد إلى شبكة من الوسطاء يرسلون الأموال بشكل فوري من دون دليل ورقي. ويعتبر هذا النظام المستخدم، خصوصًا في البلدان الإسلامية، سهلاً، ولكن من الصعب ملاحقته أو تتبعه من قبل أجهزة الرقابة المختصة.
وباستخدام هذا النظام يمكن للشخص أن يحوِّل الأموال من مكان إلى آخر عن طريق إيداع الأموال لدى وكيل محلي، يكون على اتصال بوكيل آخر في الخارج، ومن ثم يتولى هذا الأخير تسديد القيمة المعنية إلى الشخص المتلقّي على الفور، أما الوكيلان فيصفيان حساباتهما في وقت لاحق. وفي هذا السياق، ووفق ليفيت، أبلغت السلطات الفنلندية «فريق العمل المعني بالإجراءات المالية» أن أحد الأساليب الشائعة لإرسال الأموال إلى المقاتلين الأجانب يقوم على اللجوء إلى مكاتب تملك وكلاء في المناطق الحدودية القريبة من الأراضي التي يسيطر عليها «داعش».
وفي أبريل (نيسان) الماضي أوردت الـ«بي بي سي» خلال مقابلة مع «أبو حجار»، أحد عناصر «داعش»، كيف يجري نقل كميات كبيرة من المال بين مختلف المناطق الخاضعة للتنظيم، عبر وضعها في أبواب السيارات بحيث وصلت الأموال المهربة في بعض الأحيان إلى 700000 دولار أميركي.
كذلك قد تلجأ المنظمة الإرهابية إلى القطاع المصرفي التقليدي. ففي بعض الحالات، حسب ليفيت، أودعت مبالغ نقدية ضخمة في حسابات أميركية، جرى تحويلها لاحقا إلى مستفيدين يقطنون بالقرب من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. «كما نفذت سحوبات نقدية بالعملات الأجنبية من أجهزة الصراف الآلي في هذه المناطق وسحبت الأموال من حسابات مصرفية في الولايات المتحدة باستخدام البطاقات المصرفية، وفي بعض الحالات الأخرى، تم تنسيق هذه المعاملات بشكل وثيق جدًا، حيث أودعت مبالغ كبيرة في الحسابات تلتها فورا عمليات سحب من أجهزة الصراف الآلي حصلت بالقرب من أراضي (داعش)».
هذا ويؤكد ليفيت أن «(داعش) قادر أيضا على الوصول إلى الخدمات المصرفية في سوريا والعراق، بما أن عشرات من فروع المصارف تقع في المناطق المتنازع عليها أو التي يسيطر عليها، بما في ذلك فروع مصارف أجنبية ودولية. ففي العراق وحده لا يزال نحو تسعين فرعًا عاملا في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك، الخاضعة لسيطرة مسلحي التنظيم».
إلى ذلك، يشير ليفيت إلى أن الخزانة الأميركية أطلقت برنامجا مشتركا مع السلطات العراقية، والمصارف، ومنظمات أخرى من المجتمع المالي الدولي لمنع «داعش» من استخدام تلك الفروع. كما عمدت البنوك إلى تطبيق إجراءات رقابة صارمة بحثا عن أي دليل حول تمويل «داعش» مثل تكرار السحب، وأصل التحويل والمبلغ المحوّل من بين أمور أخرى.
وفي الوقت نفسه، أصدر المصرف المركزي العراقي تعليمات إلى المؤسسات المالية لمنع الحوالات من وإلى البنوك التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، في حين عمدت المصارف الدولية التي تملك فروعا إقليمية في هذه المناطق إلى نقل موظفيها.
أخيرا، يمكن لـ«داعش» أن يحصل أيضا على الأموال باستخدام وسطاء في دول مجاورة مثل تركيا. وفي هذا السياق نشر موقع «ال مونيتور» الأميركي المهتم بالشؤون العربية، الأسبوع الماضي، تقريرا حول رفع تركيا للقيود المفروضة على المبالغ القصوى التي يجري إدخالها إلى البلد، من خلال إصدار قانون جمارك جديد في 15 أبريل أجاز دخول ومغادرة تركيا مع أي مبلغ من المال. ووفقا للموقع، تساءل البرلماني التركي اليساري المعارض أوموت أوران، النائب السابق لرئيس حزب المعارضة الرئيسي (حزب الشعب الجمهوري) أمام البرلمان عن سبب تغيير قانون الجمارك السابق واعتماد القانون الجديد، الذي من شأنه تسهيل المعاملات المالية المشبوهة، ما يزيد من خطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب من دفع الضرائب. وهنا يشير ليفيت إلى «أن تركيا تقع على الحدود مع سوريا وتشهد حركة كثيفة للمقاتلين الأجانب، كما أن السياسات لديها تتيح بعض الثغرات المالية».
أخيرا، قد يكون استهداف مصادر تمويل المنظمة الإرهابية قد أضحى أحد أهم أهداف التحالف الدولي الذي أنشأ بهذا الخصوص المجموعة المالية لمكافحة تمويل تنظيم داعش في روما. هذا المجهود قد يأتي بثمار أكثر بكثير من إخضاع التنظيم المتطرف عسكريًا بما أن قطع خطوط إمداده المالي سيساعد على إضعافه، ومن ثم منعه من الوصول إلى قلب النظام المالي الدولي وإلى الوسطاء الماليين والمناصرين المستعدين لخدمتها.

* موجودات «داعش» المالية منذ احتلاله الموصل في يونيو (حزيران) 2014: 875 مليون دولار أميركي.
* مجموع الأموال المأخوذة من الضرائب والابتزاز وفرض الخوة في العراق: 600 مليون دولار.
* مجموع الأموال المنهوبة من المصارف الحكومية العراقية: 500 مليون دولار.
* إيرادات النفط: 100 مليون دولار.
* فديات جرائم الخطف: 20 مليون دولار.
* المصدر: راند كوربوريشن - «نيويورك تايمز»



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟