تشكيك يمني في مزاعم حوثية بإحراق أطنان من المخدرات في صنعاء

TT

تشكيك يمني في مزاعم حوثية بإحراق أطنان من المخدرات في صنعاء

قوبلت مزاعم الميليشيات الحوثية بإحراقها حديثاً نحو 40 طناً من الحشيش المخدر في العاصمة المحتلة صنعاء، بموجة واسعة من التشكيك والسخرية على منصات التواصل الاجتماعي، لجهة تورط قادة الميليشيات نفسها في الاتجار بالممنوعات وتسخير عائداتها لتمويل الحرب وإثراء عناصرها.
وشكك سكان كُثر في صنعاء بينهم موظفون وأكاديميون وباحثون وطلبة في صحة المزاعم الحوثية، وأكد بعضهم لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة تورطت طيلة السنوات الماضية من عمر الانقلاب في الاتجار بالمخدرات واستخدامها كسلاح فتاك للإيقاع بمئات الضحايا من الشبان والأطفال، وكذا تحويلها إلى سلعة رائجة تدرّ عليها الكثير من المال لتمويل حروبها ضد اليمنيين.
ووصف السكان في صنعاء الخطوة الحوثية المزعومة بأنها تندرج في سياق تحركات الميليشيات لتبرير جرائمها والتغطية على تاريخ قادتها الحافل في الاتجار بالممنوعات، بخاصة مع وجود اتهامات دولية ومحلية بسعي الجماعة لتحويل اليمن إلى إحدى كبرى محطات عبور الممنوعات في المنطقة.
وكانت الميليشيات قد أعلنت قبل أيام عن إحراق ما يقارب 40 طناً من الحشيش ومليوني حبة كبتاغون في العاصمة المختطفة صنعاء، وزعمت أجهزتها الأمنية الانقلابية أنها ضبطتها خلال السنوات الماضية.
ونشر مركز الإعلام الأمني الخاضع لسيطرة الجماعة بصنعاء صوراً ومشاهد لعملية الإتلاف بحضور القيادي في الميليشيات وعم زعيمها عبد الكريم الحوثي المعيّن وزيراً لداخلية الانقلاب.
ووفقاً لما أكده نشطاء كُثر في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، ظهر تناقض الجماعة من خلال خبر ثانٍ أورده ذات الموقع الحوثي بعد أقل من ساعة على بث الخبر الأول، يفيد بإتلاف 28 طناً فقط من الحشيش المخدر، الأمر الذي أثار موجة اتهامات للجماعة بإخفائها ثلثي الممنوعات المعلن عنها بهدف المتاجرة بها.
ورصدت «الشرق الأوسط» سلسلة تغريدات لناشطين وحقوقيين وإعلاميين ومحامين وغيرهم شكك جميعهم في تلك الادعاءات الحوثية.
وفي تعليق له، قال الصحافي عبد السلام القيسي: «إن الجماعة ‏ تتاجر بالمخدرات وكل أذرع إيران من لبنان إلى العراق إلى اليمن تستمد من تجارة وتهريب الحشيش والمخدرات قدرتها المالية».
بدوره، شكّك المحامي اليمني وضاح قطيش في تلك المزاعم الحوثية. وقال عبر منشور على حسابه في «فيسبوك»: «إن الصورة التي أُرفقت بعملية النشر تُظهر أن الكمية قليلة جداً».
وعلق الناشط همدان العليي هو الآخر بتغريدة ساخرة له على «تويتر» بالقول: «مؤكد أن قادة الميليشيات يستخفّون بعقول الناس كالعادة».
وفي حين علق الإعلامي سليمان النواب قائلاً: «إنه لا يوجد تاجر يحرق بضاعته، لن تخدعونا»، شكك الإعلامي وليد المعلمي بالكمية المحروقة، مؤكداً أن الواضح في صورة الإتلاف لا تتجاوز من 50 إلى 100 كيس، في حين أن الأربعين طناً تتجاوز الألف كيس.
أما الصحافي زياد الجابري فقد علق هو الآخر قائلاً: «يحرقون 40 طناً من إطارات السيارات في مسعى للتغطية على متاجرتهم الكبيرة بالمخدرات واستجلابهم خبرات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في هذا المجال الحيوي والمهم للميليشيا».
وعلق الناشط محمود منصور، بالقول: «أحرق الحوثي الإطارات مع المخدرات لأنه معلوم لون الدخان وكميته وكثافته والتي ستنطلق من المخدرات المحروقة وسيتمكن الجميع من تمييزها فعلاً إذا كانت مخدرات، ولكن الحوثي ليس أحمق ليحرق مئات الملايين، لجأ لاستخدام حيلة الإطارات وقام بتغليف أكياس تشبه التعبئة المستخدمة في المخدرات».
وكانت الحكومة اليمنية على لسان وزير داخليتها إبراهيم حيدان، قد اتهمت الميليشيات باستخدام المخدرات والمتاجرة بها من أجل تمويل مجهودها الحربي على اليمن واليمنيين.
ونقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن اللواء حيدان قوله: «إن الجماعة الانقلابية هي الوجه الآخر لآفة المخدرات، الأمر الذي يمثل خطراً محدقاً على اليمن واليمنيين والأمن والاستقرار في المنطقة والإقليم».
وكشف حيدان عن أن الأجهزة الأمنية اليمنية ضبطت أكثر من أربعة أطنان من المخدرات المختلفة، لافتاً إلى وقوف الحوثيين وراء خطر انتشارها في اليمن.
وقال: «إن الجماعة عملت على إغراق وطننا ودول الجوار بالمخدرات؛ بل أصبحت المخدرات سلاحاً بيدها تستخدمه في غسل أدمغة الأجيال الشابة وزجهم في أتون المعارك، ليكونوا فريسة سهلة لأفكارها الضالة، استمراراً لنهجها في تمزيق النسيج الاجتماعي بعد أن انقلبت على الجمهورية وأجهزت على مؤسسات الدولة».


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.