حصاد غزير كما كل عام بين المعاصر والكلاسيكيات الإغريقية

في الموسم المسرحي البريطاني

مشهد من مسرحية برناردشو «الإنسان والإنسان الأسمى»
مشهد من مسرحية برناردشو «الإنسان والإنسان الأسمى»
TT

حصاد غزير كما كل عام بين المعاصر والكلاسيكيات الإغريقية

مشهد من مسرحية برناردشو «الإنسان والإنسان الأسمى»
مشهد من مسرحية برناردشو «الإنسان والإنسان الأسمى»

حصاد المسرح البريطاني في هذا العام، كغيره من الأعوام، منوع غزير، فإلى جانب الكلاسيات الإغريقية، وريبرتوار المسرح الأوروبي، نجد كثيرًا من أعمال الكتاب المسرحيين البريطانيين المعاصرين، ومنهم كتاب شبان تقدم أعمالهم على خشبة المسرح لأول مرة. من الأعمال المعروضة حاليًا – على سبيل المثال لا الحصر - مسرحية «تضحية الحب» (1633) من تأليف الكاتب المسرحي الإليزابيثي جون فورد (1586 - 1640) وهي تقدم على «مسرح سوان» ببلدة ستراتفورد آبون إيفون، مسقط رأس شكسبير. إنها مسرحية من القرن السابع عشر، تدور أحداثها في البلاط، ومدارها الحب والموت والخيانة والغيرة والانتقام. ويستمر عرضها حتى 24 يونيه وعلى نفس المسرح، مسرح سوان، تقدم مسرحية «يهودي مالطة» (1592) للكاتب والشاعر كريستوفر مارلو (1564 - 1593). إنها ميلو دراما حافلة بالفظائع عن يهودي غني – يدعى باراباس - يعيش في جزيرة مالطة ويرتكب كل أنواع الجرائم في سبيل المال، ثم لا يلبس أن يلقى جزاءه في النهاية. ويستمر عرض المسرحية حتى 8 سبتمبر (أيلول).
وعلى مسرح «يانج فيك» بلندن تقدم مسرحية الكاتب المسرحي الأميركي يوجين أونيل (1888 - 1953) المسماة «إيه أيتها البرية!» (1933) وهي ملهاة أونيل الوحيدة. تدور أحداثها في ولاية كونتيكت الأميركية في الرابع من يوليو (تموز) عام 1906، وتصور مراحل المراهقة ومتاعبها قبل الوصول إلى مرحلة النضج. وعنوان المسرحية مستوحى من ترجمة الشاعر الإنجليزي إدوارد فتزجرالد لرباعيات عمر الخيام. ويستمر عرضها حتى 23 مايو (أيار).
ومن بين مسرحيات الموسم الحالي، اخترت أن أتوقف هنا عند مسرحية الكاتب الآيرلندى برنارد شو Bernard Shaw (1856 - 1950) «الإنسان والإنسان الأسمى» (السوبرمان) Man and Superman وتقدم على خشبة «المسرح القومي» National Theatre بلندن حتى 17 مايو. وقد بدأ عرضها على مسرح «ليتلتون» في لندن منذ 17 فبراير (شباط) الماضي.
تعد هذه المسرحية الطويلة من أكثر مسرحيات شو تعبيرًا عن فلسفته، وتتضمن عناصر من أفكار نيتشه الألماني وبرجسون الفرنسي، إنها تصور المطاردة الأبدية بين الجنسين - الرجل والمرأة - من منظور ما يدعوه شعور «قوة الحياة» Life Force أو الغرائز الدافعة للبقاء والمحافظة على الفرد والنوع. وعنده أن المرأة - بخلاف الظن الشائع - هي الجانب الإيجابي في هذه اللعبة، فهي التي تطارد الرجل، دون كلل، حتى توقعه في حبائلها، وذلك لأنها أداة الطبيعة من أجل التناسل وتجدد الحياة.
كتب عباس محمود العقاد في 1961:
يرى النقاد المسرحيون أن روايته الإنسان والسوبرمان - أو الإنسان والإنسان الأسمى - هي لباب فلسفة برنارد شو، وإن لم تكن أعظم رواياته ولا أجودها من الناحية الفنية. وزبدتها أن النوع الإنساني يعتمد في الاحتفاظ ببقائه وتدبير وسائل ارتقائه على قوتين: إحداهما قوة الغرائز النوعية والأخرى قوة المثل العليا، وأن الجنسين يتسابقان في القيام بهذه الرسالة الأبدية. فالمرأة هي الأمينة على قوة الغريزة، والرجل هو الأمين على قوة المثل العليا، ولكن الغريزة تغلب المثل العليا كلما اتفق الاشتباك بينهما في المعيشة اليومية».
كان برنارد شو - الذي حصل على جائزة نوبل للأدب في 1925 وتوفى عن أربعة وتسعين عامًا - يؤمن بأن الحرب والمرض وقصر الحياة الإنسانية تقف في طريق «قوة الحياة» وأن التكيف الوظيفي، ووجود تيار من التطور الخلاق، بفعل قوة إرادة الإنسان، أمور ضرورية للتقدم وبقاء النوع البشرى وفى هذه المسرحية التي تمتاز بخصب الأفكار وبراعة الحوار قدم فكرة قوة الحياة التي توجه مصائرنا، ثم عاد فيما بعد إلى هذه الفكرة في مسرحيته المسماة «العودة إلى متوشالح» (1921). ويرجع تاريخ «الإنسان والإنسان الأسمى» إلى عام 1903 (عام نشرها) ثم عام 1905 (عام تقديمها على خشبة المسرح لأول مرة).
كتب بول تيلور في جريدة «ذا إندبندانت» البريطانية (5 مارس/ آذار 2015) يقول إن شو دعا مسرحيته هذه «ملهاة وفلسفة»، لقد قدم فيها قصة دون جوان بصورة عصرية، بعد أن عكس أفكارها. فزير النساء الإسباني قد تحول هنا إلى اشتراكي مثقف وثوري آيديولوجي - يدعى جون تانر - يفر من العلاقات الجنسية مع النساء اللواتي يمثلن - بيولوجيًا - قوة الحياة ويسعين إلى اجتذاب الرجال بهدف التزاوج والإنجاب. إن تانر ثائر متمرد غني تطارده آن وايتفيلد المصرة على الزواج منه ما بين لندن وبراري سيرانيفادا والجحيم وغرناطة، ويستسلم لها في النهاية. والمسرحية - ربما بسبب طولها - من مسرحيات شو التي لم يُعد إحياؤها كثيرًا (آخر مرة قدمها فيها «المسرح القومي» كانت في لندن عام 1981). وفى هذا العرض الذي أخرجه سيمون جودوين اختصر المخرج المسرحية إلى ثلاث ساعات، وإن احتفظ بحلم تانر الذي يرد في الفصل الثالث وهو بمثابة اللب الجدلي للمسرحية.
لعب رالف فينيس (الذي سبق له أن لعب دور هملت) دور جون تانر. ولعبت إنديرا فارما دور آن وايتفيلد. أما تيم ماكملان فلعب دور الشيطان، كما لعب دور قاطع طريق إسباني يتلو أشعارًا غرامية عن عذابه في الحب، على نحو ملهوي فائق.
وفى مقالة لمايكل هولرويد عن المسرحية في جريدة «ذا جارديان» (7 فبراير 2015) يذكر الكاتب أن شو انتهى من كتابة المسرحية في صيف 1952 ونشرت في هيئة كتاب في أغسطس (آب) 1903. كانت المشكلة التي تواجه شو هي: عندما يكتب فلسفيًا لا يجد قراء كثيرين وعندما يكتب ملهويًا لا يحمله أحد على محمل الجد. كان يريد أن يكون مقروءًا وأن تصل رسالته الجدية إلى الناس. ولكنه لم يتمكن من أن يجمع بين الملهاة والفلسفة إلى أن كتب هذه المسرحية وهي الثانية عشرة التي كتبها.
تولى الممثل والكاتب المسرحي هارلي جرانفيل – باركر، بالاشتراك مع المدير المالي ج. ا. فيدرين، إدارة «مسرح البلاط» Court Theatre في ميدان سلون بلندن في الفترة 1904 - 1907 وحرصًا على تقديم مسرحيات جادة – قدر لها أن تغير وجه الثقافة المسرحية الإنجليزية - رغم أن مسرحهما كان مسرحًا صغيرًا لا يتسع لأكثر من ستمائة متفرج. وعلى خشبة هذا المسرح قدمت مسرحية شو حيث عرضت 176 مرة، مع حذف فصلها الثالث الذي يغلب عليه طابع المناقشة الفلسفية.
إن تمثيل المسرحية كاملة يستغرق خمس ساعات. وفى المشهد الحلمي يقسم شو منطقة الحياة الإنسانية إلى ثلاثة أقسام: النعيم موطن دون جوان، والجحيم موطن الشيطان، والمطهر موطن الإنسان على الأرض. وتقوم مناظرة بين دون جوان الواقعي المتفائل والشيطان «المثالي»، وكلاهما يرمي إلى أن يستميل إلى جانبه آنا والتمثال، حسب أسطورة دون جوان.
لقد أصدر برنارد شو في مطلع حياته خمس روايات، نشرت مسلسلة في مجلات، ولكنها لم تصب نجاحًا. وحين كتب هذه المسرحية قالت عنها بياتريس ويب: «إنها أكبر شيء أنجزه شو، ولكنها ليست مسرحية!» أما الناقد دزموند مكارثي، في حديث له من محطة الإذاعة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد وصف المسرحية بأنها «مثل مدهش لقدرة شو على أن يجعل فصاحة الأفكار تُسمر المُشاهد كالحدث على خشبة المسرح». ونجاح المسرحية اليوم – حيث تصطف طوابير طويلة أمام شباك حجز التذاكر - أكبر دليل على صدق هذا القول الأخير.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».