استوكهولم واليمن... تقاليد وتقاطعات

(تحليل إخباري)

وزيرة الخارجية السويدية آن ليندا لدى افتتاح منتدى اليمن الدولي في السويد 17 يونيو 2022 (مركز صنعاء للدراسات)
وزيرة الخارجية السويدية آن ليندا لدى افتتاح منتدى اليمن الدولي في السويد 17 يونيو 2022 (مركز صنعاء للدراسات)
TT

استوكهولم واليمن... تقاليد وتقاطعات

وزيرة الخارجية السويدية آن ليندا لدى افتتاح منتدى اليمن الدولي في السويد 17 يونيو 2022 (مركز صنعاء للدراسات)
وزيرة الخارجية السويدية آن ليندا لدى افتتاح منتدى اليمن الدولي في السويد 17 يونيو 2022 (مركز صنعاء للدراسات)

لا يكلّ المبعوث السويدي لليمن بيتر سيمنبي من التذكير بأحد التقاليد السويدية القديمة: المشاركة في حل النزاعات، والعناية بالشؤون الإنسانية. وفعلت السويد ذلك في كثير من الصراعات الأخرى في آسيا وأفريقيا وغيرهما. وتُشكل أفغانستان مثالاً، حين كان المبعوث سفيراً لثلاث سنوات، ويقول إن بلاده قدمت دعماً مستمراً لأكثر من 40 عاماً هناك.
وللسويد في الأزمة اليمنية مساهمة فعالة، على الصعيد الإنساني والسياسي، ولم تكتفِ بالمستوى الحكومي ومنظمات المجتمع المدني؛ بل امتد تفاعلها حتى مع الباحثين والناشطين والخبراء.
تحدثت «الشرق الأوسط» مع المبعوث في استوكهولم؛ حيث استضاف معهد حكومي بالشراكة مع «مركز صنعاء للدراسات»، «منتدى اليمن الدولي»، في الفترة ما بين 17 و19 يونيو (حزيران) 2022. وأجاب على سؤال حول اهتمام بلاده باليمن، قائلاً: «إن محور الاهتمام هو محنة الناس الذين يعيشون في تلك البلاد. بدأ التفاعل السويدي في اليمن بالمشاركة الإنسانية، فعلى سبيل المثال، استضفنا مع سويسرا 5 من مؤتمرات الأمم المتحدة للجهات المانحة التي عُقدت من أجل اليمن؛ لكننا قررنا، عندما كانت السويد عضواً في مجلس الأمن، استكمال ذلك بجهود نشطة لدعم حل الصراع، نظراً لأنها الطريقة الوحيدة لإزالة أسباب معاناة الناس. وأسفر ذلك عن المشاركة في دعم جهود الأمم المتحدة للسلام التي تُوجت بمحادثات استوكهولم و(اتفاق استوكهولم) بنهاية عام 2018».
لكن المنتدى يشبه الأزمة اليمنية في التفاعل والتقاطعات، ومع أي مناسبات مشابهة، فهناك من يرحب، وهناك من يحجم عن الحضور.
وكانت أطياف سياسية قد أعلنت أنها لن تحضر الاجتماع، منها المجلس الانتقالي الجنوبي.
وسألت «الشرق الأوسط» في أولى أيام المنتدى، علي الكثيري، عضو هيئة رئاسة المجلس، والمتحدث الرسمي باسمه، فقال: «نعم، اعتذرنا كمجلس انتقالي جنوبي عن عدم المشاركة في منتدى اليمن؛ حيث وجهنا رسالة عبر الإدارة العامة للشؤون الخارجية بالمجلس إلى بير أولسون فريده، المدير العام للأكاديمية السويدية (فولك برنادوت)، ثمّنا فيها دور مملكة السويد ووزارة خارجيتها لإحلال السلام في اليمن والجنوب والمنطقة، وأبدينا فيها اعتذارنا عن عدم المشاركة في المنتدى، وذلك بسبب اضطلاع (مركز صنعاء للدراسات) في التحضير له وإدارة فعالياته؛ حيث إن المركز المذكور قد أسهم في إذكاء الصراع وتمزيق النسيج المجتمعي، فضلاً عن عدم حياديته وتبنيه مواقف مناوئة لقضية شعب الجنوب... وقد سبق للإدارة العامة للشؤون الخارجية بالمجلس أن عبرت عن الموقف ذاته، خلال لقاء تم مع مبعوث مملكة السويد بيتر سيمنبي، أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، وموقفنا هذا يشمل أي فعاليات يكون المركز المذكور مشاركاً في التحضير لها وإدارتها».
بدورها، تقول رشا جرهوم، عضو هيئة التشاور والمصالحة، لـ«الشرق الأوسط»: «مهم جداً خلق المساحات التي تجمع بين اليمنيين واليمنيات، والتي تركز على الدفع بعملية السلام. (منتدى اليمن الدولي) في استوكهولم، والذي نظمه (مركز صنعاء) بدعم من الحكومة السويدية، جمع أكثر من 270 شخصاً، 36 في المائة منهم نساء، وناقش قضايا عديدة تدخل في أجندة السلام، منها قضية الجنوب، ودور الأحزاب والأقليات والنساء والقبائل والضحايا في عملية السلام، بالإضافة إلى تحديات دمج المقاتلين، ودور شركاء المسار الثاني. وتعتقد جرهوم بأن المنتدى «وفر مساحة بين صانعي السلام اليمنيين والإقليميين والدوليين، ليتناقشوا ويجدوا فرصاً مستقبلية للتعاون». وتعلق بالقول: «تأتي هذه المساحة بعد انعقاد المحادثات اليمنية برعاية دول مجلس التعاون الخليجي (مشاورات الرياض) والتي جمعت بين أكثر من 500 شخص، منهم 12 في المائة نساء، أفضت إلى مخرجات في 6 مسارات لتعزيز الاستقرار واللحمة الوطنية، ونتج عنها تحول سياسي حرك المياه الراكدة. ومن أهم الرسائل التي شاركتها بالمؤتمر هي أهمية دعم المراحل الانتقالية بتمويل الخدمات والرواتب، وجبر الضرر، ومكافحة الفساد، حتى نستطيع صنع سلام مستدام». ويقول تيم ليندركينغ، المبعوث الأميركي لليمن، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» داخل أروقة المنتدى: «أعتقد أنها كانت مناسبة ممتازة للقاء مع عديد من اليمنيين من مختلف أنحاء البلاد ومختلف أنحاء العالم، وبينما قد يختلف عديد من اليمنيين حول بعض التحركات التكتيكية، فإن كل يمني هنا يرغب في السلام، ويجب اغتنام هذه اللحظات، فاليمن يسير على طريق أفضل بكثير؛ لكنه طريق هش، وإذا كان اليمنيون يعملون معاً وبدعم من المجتمع الدولي، فأعتقد حقاً أن السلام في اليمن يمكن أن يكون موضع تركيز، ويصبح حقيقة واقعة».
بالعودة إلى السويد، تعكف استوكهولم على مواصلة الجهود، وتوسيعها. ويستدل الدبلوماسي سيمنبي على ذلك، بـ«منتدى اليمن الدولي» الذي يقول إنه ضم ما يقرب من 150 شخصية يمنية سياسية، ومن المجتمع المدني، ومختلف مناحي النشاط الاقتصادي والاجتماعي. يضيف قائلاً: «نشارك أيضاً في الحوار مع الجهات الإقليمية الفاعلة، ليس أقلها المشاركة الشخصية لوزيرة الخارجية السويدية، آنا ليندا، التي أجرت 4 رحلات على الأقل إلى المنطقة، وكان اليمن على رأس جدول الأعمال خلال السنوات الأربع الماضية، كما زارت الوزيرة الحالية اليمن مرتين.
ويجيب المبعوث عن سؤال حول تقديم السويد أي عرض لاستضافة مفاوضات سياسية لحل الأزمة اليمنية، بالقول: «إن العملية السياسية بين يدي الأمم المتحدة. وإذا كانت هناك رغبة من الأمم المتحدة ومن الأطراف، فمن الواضح أن السويد على استعداد لاستضافة مزيد من المحادثات؛ لكننا نشارك أيضاً في محادثات لا تشكل جزءاً من أي عملية؛ بل يمكن أن تكون مفيدة للأمم المتحدة».
ويقول سيمنبي: «(منتدى اليمن الدولي) الذي نستضيفه بالتعاون مع (مركز صنعاء للدراسات) هو مثال على ذلك. إنها ليست مفاوضات، وليست جزءاً من أي عملية؛ لكنها ملتقى؛ حيث يستطيع اليمنيون من طيف واسع من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من مختلف أنحاء البلاد، الاجتماع في جو غير رسمي لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه اليمن، وطرح الرؤى طويلة الأجل للبلاد، سواء بطريقة منظمة أو غير رسمية».
ويضيف قائلاً: «كم أثلج صدري حين رأيت بعض الناس في اليوم الأول يحتضن بعضهم بعضاً. أشخاص لم يلتقوا لمدة 10 سنوات أو أكثر. وحقيقة أننا كنا قادرين على جمع الناس الذين تفرقوا بشكل مأساوي لفترة طويلة، تمثل بالفعل نجاحاً للاجتماع. وأتوقع أن تنبثق عن هذه الاجتماعات أفكار جديدة كثيرة ومهمة».
وزاد قائلاً: «يحدوني الأمل في أن يقوم الذين دُعوا إلى استوكهولم ولم يحضروا المنتدى بالنظر في موضوع هذا الاجتماع، وما تمخض عنه من أفكار جديدة. وآمل، بالنسبة للمستقبل، أن يخلصوا إلى أنه لا يوجد ما يخسرونه بالمشاركة، وأن هناك الكثير للاستفادة منه».
يُذكر أن فارع المسلمي، رئيس «مركز صنعاء للدراسات» قال في كلمة خلال افتتاح المنتدى: «نحن لسنا كل اليمنيين، ولكننا يمنيون. وملتزمون تجاه اليمنيين، وملتزمون تجاه حتى أولئك الذين لم يحضروا».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».