المئذنة الملوية في سامراء.. تعاند الزمن وتقف لتذكّر بمجد العباسيين

أمر ببنائها المتوكل لتكون الأغرب والأجمل في العالم

المئذنة الملوية مع بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)  -  المئذنة الملوية كما تبدو من بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)
المئذنة الملوية مع بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب) - المئذنة الملوية كما تبدو من بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)
TT

المئذنة الملوية في سامراء.. تعاند الزمن وتقف لتذكّر بمجد العباسيين

المئذنة الملوية مع بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)  -  المئذنة الملوية كما تبدو من بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)
المئذنة الملوية مع بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب) - المئذنة الملوية كما تبدو من بقايا المسجد الكبير في سامراء (أ.ف.ب)

المئذنة الملوية في مدينة سامراء العراقية تُعد واحدة من أهم المعالم المعمارية الأثرية التي تمثل إبداع العمارة الإسلامية العربية في العراق، واكتسبت أهميتها التاريخية بفضل أسلوبها المعماري الفريد الذي لم يسبق أن بُني مثله في أي مكان في العالم.
وتم بناء المئذنة على شكل أسطواني حلزوني من الطابوق الفخاري الذي يمتاز به العراق، لتكون مئذنة لأكبر المساجد في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وقد أمر الخليفة العباسي المتوكل على الله، في عام 237 هجريا، ببناء مسجد يكون الأكبر والأجمل في العالم الإسلامي.
يبلغ ارتفاع المئذنة الحلزونية 52 مترًا، وهي مقامة على قاعدة مربعة مكونة من مربعين اثنين؛ الأول بارتفاع 3 أمتار، والمربع الثاني بارتفاع 120 سم، وطول الضلع الواحد من أضلاع المربع الأول 33 مترا، أما أضلاع المربع الثاني فهي أصغر قليلاً، ويعلو فوق المربعين بناء أسطواني مكون من 5 طبقات تتناقص سعتها تدريجيًا بارتفاع البناء، يحيط بطبقاتها الخمس درج حلزوني بعرض مترين يلتف حول بدن المئذنة بعكس اتجاه عقارب الساعة وكأنها على عناد وتحدٍّ مع الزمن.
ويبلغ عدد درجات السلم 399 درجة، وعند أعلى قمة المئذنة بنيت طبقة على شكل دائري لها 7 نوافذ يطلق عليها أهل مدينة سامراء «الجاون»، وهو المكان الذي يرتقيه المؤذن ويرفع منه الأذان للصلاة. ويتحدث أجدادنا أنهم رأوا بقايا أعمدة من الخشب على قمة الملوية المسماة بالجاون، ويقال إنها سقيفة يستظل بها المؤذن، وإن هناك أيضا درابزين من الخشب يمسك به الصاعد، ومن الجدير بالذكر أن الناس كانوا يعتمدون حين ذاك على رؤية المؤذن على قمة الملوية نهارًا، وعلى فانوسه الذي يحمله معه عند الصعود لقمة المئذنة ليلاً، لتحديد أوقات الصلاة. حيث يتعذر وصول الصوت إلى مسافات بعيدة في المدينة.
وراعى البناؤون في ذلك الوقت اتجاه المسجد نحو القبلة بشكل دقيق ومذهل، مما يعكس صورة مشرقة عن التقدم العلمي الذي كان عليه المسلمون آنذاك.
وبسبب جمالية هذه المئذنة التي لا يوجد شبيه لها في أي مكان في العالم، وجمالية بناء المسجد الأكبر في العالم الإسلامي أطلق على المدينة اسم «سُرَّ من رأى» اختُصر فيما بعد إلى سامراء بعد أن كان اسمها «المعسكر»!
لم تدم سامراء التي بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله عام 836 ميلاديا كحاضرة عباسية أكثر من 150 عاما حكم بها 8 خلفاء من العباسيين، وهم «المعتصم بالله، والمنتصر بالله، والواثق بالله، والمتوكل على الله، والمستعين بالله، والمعتز بالله، والمهتدي بالله، والمعتمد». والأخير هجرها، فهي مدينة كانت عاصمة للدولة العباسية، بنيت ونَمَت بسرعة.. وانتهت سريعا أيضا. من أهم ما وصل إلينا من سامراء اليوم المنارة الملوية.. فكانت أبرز شواهد سامراء المعمارية، بل أحد أهم إبداعات العمارة العراقية التاريخية.
صممت ملوية سامراء وكأنها تدور من الأسفل إلى الأعلى، عكس اتجاه عقارب الساعة. وتفصح عن سر حفظها من الفناء. فمَنْ يرتقي طريقها الشاهق، ويدقق في أحجارها وهيئتها يجدها خارج الزمن بالفعل، وكأنها شيدت بالأمس القريب.
وعرفت «سامراء»، التي تقع شرق نهر دجلة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة صلاح الدين، بجوها المعتدل، فلا عجب أن تكون واحدة من الأهداف السياحية للبغداديين وغيرهم من أبناء المدن العراقية، حيث كان يصل إليها الآلاف من الزوار والرحلات المدرسية والجامعية.
وكانت النساء غير المتزوجات أو اللواتي لا يلدن، أو يلدن إناثا فقط أو أي امرأة لها أمنية وتريد تحقيقها ترتقي الدرب إلى قمة المئذنة الملوية وتلقي من القمة (الجون) عباءتها (العباءة النسائية العراقية التقليدية السوداء)، إلى الأرض، فإذا وصلت الأرض مفروشة ومفتوحة فهذا دليل خير، وإذا نزلت مكورة، فهذا يعني أن أمنيتها لن تتحقق.
وحظيت منارة الملوية ومدينة سامراء باهتمام جميع الحكومات المتعاقبة في الدولة العراقية، حتى أصبحت مسجلة ضمن المدن والشواخص الأثرية في منظمة اليونيسكو العالمية، وكانت مقصدا للزائرين من كل بقاع العالم إلى حين ما أصابها من إهمال وتخريب بعد الغزو الأميركي للعراق، حيث أصبحت منطقة نزاع بين القوات الأميركية المحتلة التي اتخذت من المنارة والمسجد الأثري قاعدة عسكرية، ونتيجة المعارك المستمرة تعرضت القبّة العليا للمئذنة للتفجير، مما ألحق أضرار بجزئها العلوي.
وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، لم تأخذ المنارة التاريخية فرصتها من الاهتمام والإعمار، بعد ذلك تعرضت المنطقة إلى تهديد آخر من قبل مسلحي «داعش»، الذين سيطروا على أجزاء واسعة من مدن صلاح الدين وبعض المناطق القريبة من الملوية، لتشهد المنطقة مرة أخرى نزاعات مسلحة. وبلغ السجال أشدّه بين مؤيدين لرفع رايات الحشد الشعبي في أعلى قمة ملوية سامراء وتأزير المئذنة بقماش أسود يمتد من أسفلها إلى أعلاها، ومعارضين لهذا المشروع باعتباره سلوكا «طائفيا»، وإهانة لأهل «السنة» على حد قولهم، وكان أفراد من فصائل الحشد الشعبي، رفعوا الراية فوق المئذنة الملوية، بعد معارك خاضوها مع مسلحي تنظيم داعش.
لم تعد «سُرَّ من رأى» على ما كانت عليه أيام زهوها وهي تحتضن القادمين على سلالمها الحلزونية، بل أصبحت بنظر الكثيرين اليوم «ساء من رأى»!
وكيل وزير السياحة والآثار لشؤون الآثار والتراث قيس حسين رشيد قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الأعمال العسكرية المتمثلة بالاحتلال الأميركي ووجود قواتهم سابقا في محيط وداخل منطقة الملوية كانت سببًا رئيسيًا في عدم التمكن من صيانة هذا الصرح بشكل مستمر، وبعد خروج الأميركيين لم تهدأ المنطقة على الإطلاق، خصوصًا بعد الهجمات الشرسة لمسلحي (داعش) على المحافظات العراقية، ومنها محافظة صلاح الدين وقضاء سامراء».
وأضاف رشيد: «أما بخصوص أعمال الصيانة، فهناك مشروع ضخم جدا نعمل به بالتعاون مع محافظة صلاح الدين ومنظمة اليونيسكو، حيث ستقوم شركات عالمية مختصة بإعمار الملوية والمسجد، وقد شكلت لجنة برئاسة وإشراف محافظ صلاح الدين وعضوية هيئة من الوقف السني ولجنة مختصة من هيئة الآثار والتراث من أجل إتمام وإنجاز هذا المشروع، وقد خصصت مبالغ هائلة له، ستُضاف إلى المبالغ التي جمعتها الحكومة العراقية من المواطنين منذ سنين، حيث شرعت الحكومة العراقية باستيفاء مبالغ جباية يدفعها المواطن بوصل في كل الدوائر الحكومية التي يقصدها لإنجاز معاملة ما، في حملة جمع أموال أطلق عليها (إعمار الملوية) وقد بدأت هذه الحملة في ثمانينات القرن الماضي بعهد حكومة صدام حسين وإلى وقتنا الحاضر، ووصلت المبالغ إلى أرقام كبيرة، وسنباشر بالمشروع الكبير لإعمار الملوية والمسجد بوقت قريب جدًا لتكون معلما سياحيا مهما، إضافة لكونه معلمًا تاريخيًا وإرثًا نفتخر به».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».