يهود العراق.. بين الهجرة والتهجير

دراسة حالتهم ربما تكون النموذج الأفضل لفهم العلاقة بين الحركة الصهيونية واليهود العرب

يهود العراق.. بين الهجرة والتهجير
TT

يهود العراق.. بين الهجرة والتهجير

يهود العراق.. بين الهجرة والتهجير

كيف هُجّر يهود العراق في مطلع الخمسينيات؟ عن هذا السؤال، يحاول عبّاس شبلاق، الزميل الباحث في جامعة أكسفورد، الإجابة في كتابه الصادر في شهر مايو (أيار) 2015 عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت تحت عنوان: «هجرة أو تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق».
يكتب عباس شبلاق أن اليهود في العراق شكّلوا طائفة دينية متجذرة ومتجانسة نسبيًا، واستطاعوا عبر القرون المحافظة على هويتهم وثقافتهم المجتمعية وتقاليدهم، دون أن يمنعهم هذا من أن يكونوا مواطنين أصليين، أو من أن يندمجوا في المجتمع العراقي اندماجًا كاملًا. وقد تحسن الوضع الاقتصادي لليهود العراقيين بشكل ثابت بعد الحرب العالمية الأولى، كما ارتقى نظام التعليم اليهودي وأصبح أكثر انتشارًا، وكانت نسبة خريجي الجامعات بينهم أعلى كثيرًا من نسبة سائر العراقيين. وبرز عدد كبير من الكتّاب والشعراء اليهود المتميزين ممن كانت أعمالهم المكتوبة باللغة العربية تحظى بتقدير كبير، وشارك عدد من اليهود في إنشاء الصحف والمجلات وتحريرها، كما تميّز كثيرون من يهود العراق بالموسيقى. وتميز دور اليهود العراقيين في مجال الخدمة المدنية، فكانت أغلبية الموظفين العاملين في خط سكة الحديد وميناء البصرة وشركة النفط العراقية من اليهود، كما كان ساسون حكيم حسقيل وزيرا للمالية في أول حكومة ألّفها السير بيرسي كوكس المفوض السامي البريطاني في العراق. واحتفظ اليهود بمكانتهم البارزة في الخدمة المدنية بعد الاستقلال.
يتطرق عباس شبلاق في الفصل الثاني من كتابه إلى موقف الحركة الوطنية التحررية من اليهود، فيشير إلى أن الوطنيين العراقيين نظروا إلى اليهود بينهم باعتبارهم «إخوانًا لهم ورفاق طريق». بيد أن اليهود البغداديين واجهوا أول عملية عنف كبيرة ضدهم بعد قضاء البريطانيين على حركة رشيد عالي الكيلاني في ربيع 1941. ففي 1 يونيو (حزيران) من ذلك العام، اندلعت في العاصمة طوال يومين أعمال شغب، تخللتها عمليات نهب بيوت ومخازن، وجُرح وقُتل خلالها نحو 250 - 300 شخص، أكثرهم من اليهود. وقد تركت تلك الأحداث صدمة نفسية لدى اليهود في العراق، وأضعفت إحساسهم بالأمان، إلا أنها لم تفضِ إلى حدوث تحوّل تجاه الصهيونية، وهو التحوّل الذي حدث فقط بعد ثمانية أعوام أو تسعة أعوام لاحقة.
وتركّز الصراع الرئيسي بين الصهيونية والشيوعية في أواخر الأربعينيات - كما يتابع شبلاق - على النفوذ في أوساط أجيال الطائفة اليهودية الشابة، والتأثير فيها. وقد تمكن الشيوعيون العراقيون، بعد رفض السلطات العراقية إعطاء حزبهم حق العمل العلني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من الحصول، في 16 مارس (آذار) 1946 على ترخيص رسمي لإنشاء «عصبة مكافحة الصهيونية»، التي نجحت في جذب كثيرين من المثقفين اليهود. وسرعان ما اتخذت «عصبة مكافحة الصهيونية» لنفسها دور المتحدث الجريء والناطق باسم الطائفة اليهودية في العراق بشأن القضية الفلسطينية. وفي حين أشارت التقارير إلى أن الحركة الصهيونية هددت زعماء العصبة بالقتل إذا لم تكف عن نشاطها، قررت السلطات العراقية حل العصبة بعد ثلاثة أشهر من حصولها على الترخيص، واعتُقل زعماؤها وأحيلوا على المحاكم العسكرية، وحُكم عليهم بالسجن فترات متعددة.
وقد جددت الحركة الصهيونية نشاطاتها في العراق، بعد قيام إسرائيل، بإصرار ومصادر دعم أكبر، وبهدف واضح هو حث يهود العراق على الهجرة إليها. وأخذ وضع اليهود يتدهور بعد قيام دولة إسرائيل، إذ فرضت الحكومة العراقية قيودًا صارمة على سفرهم إلى الخارج وعلى بيع أملاكهم، وسعت إلى إقصائهم عن الجيش والشرطة والخدمات العامة. وفي 4 مارس 1950. أقرت حكومة توفيق السويدي القانون رقم 1 لسنة 1950 بعد الموافقة عليه في مجلسي النواب والأعيان. وجاء القانون الجديد ملحقًا لمرسوم إسقاط الجنسية العراقية (رقم 62 لسنة 1933)، الذي خوّل مجلس الوزراء «إسقاط الجنسية العراقية عن أي مواطن عراقي يرغب في اختياره الحر في مغادرة العراق نهائيًا». ومع أن الحكومة العراقية لم تضع حين أصدرت قانون إسقاط الجنسية أي قيود على أملاك الراغبين في الهجرة، فإنها عادت وأصدرت في 8 مارس 1951 قانونًا بتجميد أملاك اليهود العراقيين الذين أُسقطت عنهم الجنسية.
لقد مالت أكثرية اليهود في العراق إلى الاعتقاد أن الصعوبات التي صارت الطائفة تواجهها، بعد قيام دولة إسرائيل، هي قضية مؤقتة ولا بد من أن تزول. لذا، كانت أغلبيتهم ترى أن مستقبلها في العراق، وتنشد التعايش مع الوضع الجديد الناجم عن تأسيس إسرائيل. ثم حدث تطوران كان لهما تأثير عميق في التشجيع على حدوث هجرة جماعية لليهود العراقيين: أولهما، في 7 مايو 1950، حين عُقدت اتفاقية لنقل اليهود بين توفيق السويدي، رئيس الحكومة العراقية آنذاك، وبين شلومو هليل، المبعوث الإسرائيلي وأحد عملاء جهاز الموساد، وُضعت بموجبها عملية إجلاء اليهود في أيدي السلطات الإسرائيلية؛ ثانيهما، بدأت سلسلة من التفجيرات استهدفت أماكن يهودية عامة في الوقت نفسه الذي كان هليل يفاوض في بغداد بشأن صفقة إجلائهم. وأعلنت الحكومة العراقية في 26 يونيو 1951 عن اكتشاف خلية تجسس في بغداد يديرها أجنبيان ألقي القبض عليهما، وهما يهودا تاجر، ومواطن بريطاني يدعى روبرت رودني كان عميلًا للموساد.
وقد حققت تلك التفجيرات الغرض الذي توخاه من كان وراءها. فبعد أول اعتداء بالقنابل، أخذ الآلاف من اليهود يصطفون أمام مكاتب التسجيل للهجرة. وفي 5 يونيو 1951 وصل كل أولئك الذين سُجلوا، وعددهم 105000 نسمة إلى إسرائيل. وبحسب الإحصاءات الإسرائيلية، فإن 124646 يهوديًا من مواليد العراق قدموا خلال الفترة منذ تاريخ إقامة إسرائيل في 15 مايو 1948 وأواخر سنة 1953.
ويعتبر عباس شبلاق، في خاتمة كتابه، أن دراسة حالة يهود العراق، وهجرتهم الجماعية إلى إسرائيل في الفترة 1950 - 1951، ربما تكون النموذج الأفضل لتحليل وفهم العلاقة بين الحركة الصهيونية ويهود الشرق، والعرب منهم خاصة. فالحركة الصهيونية تبنت - كما يكتب - المنظور الاستعماري الأوروبي وأساليبه بالكامل، وذلك عبر اقتلاع يهود الشرق بصورة قسرية، ونفي وتشويه موروثهم الثقافي وروايتهم وتاريخهم الحافل الممتد قرونًا طويلة في المجتمعات العربية والإسلامية.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.