إطلاق صفارات الإنذار من حقبة الحرب الباردة في جميع أنحاء فرنسا... لماذا؟

كان يوم الأربعاء يوماً عادياً بالنسبة إلى الفرنسيين. عجت الشوارع بالسياح واكتظت المطاعم بروادها قبل أن تدوي صفارات الإنذار محذرة من غارة جوية.
ووفق تقرير نشرته شبكة «سي إن إن»؛ فإن ما وقع حدث غريب، وما جعله أكثر غرابة أنه باستثناء عدد قليل من السياح المرتبكين، لا يبدو أن أحداً لاحظ الأمر.
في فرنسا، في أول يوم أربعاء من كل شهر، تدوي صفارات الإنذار - بدأت قبل عقود بصفتها تحذيرات من القصف خلال الحرب الباردة – بوصفها اختباراً للإنذارات في نحو ألفي بلدة وقرية في جميع أنحاء فرنسا.
واليوم، تطلق الصفارات تحذيراً من كوارث طبيعية أو صناعية، لكن مع اندلاع الحرب في شرق أوروبا، أصدرت السلطات الفرنسية بيانات لتذكير الفرنسيين بأن إطلاق الصفارات لدقيقة و41 ثانية هو مجرد تمرين.
https://twitter.com/JosephAtaman/status/1540037541449039873?s=20&t=F3XuYwY9PSZxYjdCWf0b4g
يقول علي كارالي، سائح من لندن، عندما سمع صفارات الإنذار هذا الشهر خارج نوتردام في باريس: «بالتأكيد لو اندلعت حرب، لكنا سمعنا أو شاهدنا الأمر في الأخبار».
رغم ذلك؛ فإن المفاجأة لا تقتصر على الزوار.
وقال ماتيو بيانيز، رئيس الخدمة المشتركة بين الإدارات للدفاع والحماية المدنية في إيفلين، وهي منطقة تقع غرب باريس: «ليس من غير المألوف أن تتلقى المحافظة مكالمات من أفراد أو مواطنين فرنسيين أو سياح قلقين بشأن صفارات الإنذار»، مضيفاً: «يطمئنهم فريقنا في أول أربعاء من الشهر».
يعود إطلاق صفارات الإنذار التي تُسمع اليوم إلى العصور الوسطى. منذ ذلك الوقت، كانت مسؤولية الإدارة هي الإشارة إلى أي حادث يمكن أن يهدد السكان جسدياً.
كان أحد الأجراس الأكثر شيوعاً في ذلك الوقت يُعرف باسم «توكسين»، وجد في الكنائس ودقه الكهنة لتنبيه السكان إلى الخطر.
في عام 1914، دقت الأجراس لأكثر من ساعة في عدد من المدن لتنبيه أكبر عدد ممكن من السكان إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ إطلاق صفارات الإنذار بدلاً من الأجراس، وتم إعدادها للتحذير من التهديدات الجوية المحتملة. تم نشرها خلال الحرب الباردة ويمكن اليوم سماعها في جميع أنحاء فرنسا.
في «Maison - Laffitte»، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها نحو 23 ألف نسمة في الضواحي الغربية لباريس، تقع صفارة الإنذار الرئيسية على سطح مبنى البلدية؛ ورجال الشرطة فقط يمكنهم الوصول إليها.
يقول نائب رئيس البلدية، جينو نيكي: «إنها تعمل بشكل جيد، ألا تعتقد ذلك؟»، بينما تنطلق صفارة الإنذار.
طريقة عملهما بسيطة نسبياً. يقول بيانيز: «يمكن لعناصر شرطة المحافظة إطلاق الصفارات عبر تطبيق يسهل الوصول إليه»، مضيفاً: «يسمح لنا هذا الاختبار الشهري بمعرفة أي من صفارات الإنذار الـ47 لدينا معطلة ويجب نقلها لإصلاحها لتكون جاهزة في حالة الطوارئ الحقيقية».
شكك كثيرون في فاعلية نظام الإنذار منذ عقود. يقول أستاذ الجغرافيا في جامعة أفينيون، جوني دوفينيت: «اختارت فرنسا الاحتفاظ بصفارات الإنذار؛ لأن هناك تراثاً معيناً وتقاليداً وراءها».
بصفته خبيراً في أنظمة تنبيه السكان، أوضح أن الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول هو من أمر بنشر النظام الحالي، وأنه «رغم التغييرات المختلفة داخل وزارة الداخلية، فإن الأولوية المعطاة للصفارات بصفتها وسيلة للإنذار قد تم الحفاظ عليها دائماً... ليومنا هذا».
لا يتفق الجميع على فائدتها. صوت صفارات الإنذار مألوف لدى جاكلين بون (92 عاماً) التي كانت مراهقة خلال الحرب العالمية الثانية. لكن سماعها الصوت بانتظام «ليس له أي تأثير على الإطلاق» عليها، على حد قولها، رغم أن الصوت هو نفسه الذي كان عليه قبل نحو قرن.
ولكن بالنظر إلى الأحداث الجيوسياسية اليوم، يشير دوفينيت إلى أن عودة الحرب على الأراضي الأوروبية ربما تكون قد جددت تفكير الجمهور بشأن صفارات الإنذار.
يقول: «لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أنه ربما لا تكون صفارات الإنذار عديمة الفائدة كما يعتقد الناس. هناك أمر واحد واضح، عندما يحدث شيء ما، يريد الناس إعلامهم وتنبيههم».
ومع ذلك، ازدادت الدعوات إلى تغيير النظام، الذي يقول البعض إنه عفا عليه الزمن.
في عام 2019، اشتعلت النيران في مصنع كيماويات ذات ليلة في مدينة روان شمال غربي فرنسا، وغطت المدينة سحابة من الدخان الأسود. تم اختيار استخدام الصفارات تدبيراً ثانوياً للإنذار، وإطلاق اثنتين منها فقط بعد ساعات قليلة من بدء الحريق، لتحذير الناس بمجرد استيقاظهم في الصباح.
في غضون ذلك، اختارت السلطات التواصل عبر «تويتر» ووسائل الإعلام.
في خطاب إلى الحكومة بعد الحريق، قال حاكم منطقة نورماندي، بيير آندريه دوراند، إنه يعتقد أن النظام لديه مجال كبير للتحسين، وإنه «لا يمكننا إدارة أزمات القرن الحادي والعشرين بأداة القرن العشرين».
يمكن أن تتحقق رغبات دوراند في شهر يونيو (حزيران)؛ لأن صفارات الإنذار اقترنت بنظام جديد وحديث: تختبر فرنسا رسائل الهاتف الجوال للتنبيه.
إذا كانت فعالة، فيجب أن يتم نشرها على الصعيد الوطني بحلول الصيف. رغم وجود أنظمة مماثلة بالفعل في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، إلا إن هذه التكنولوجيا مبتكرة، وفقاً لبيانيز، حيث تجمع بين البث الخلوي وتقنيات الرسائل القصيرة المستندة إلى الموقع.
هذا يعني أن كل شخص في منطقة معينة، بغض النظر عن شبكته الخلوية أو هاتفه، سيتلقى تنبيهاً من السلطات.
وقال بيانيز: «يمكن أن يكون السائحون الذين يزورون منطقة إيفلين فقط على سبيل المثال». وأضاف: «تخيل في قصر (فرساي)، حيث يوجد كثير من السياح، سوف يتلقون جميعاً تنبيهاً. وربما بلغات مختلفة أيضاً».
هذا لا يعني نهاية صفارة «المدرسة» القديمة... إنها موجودة لتبقى، وستؤدي ببساطة دوراً أكثر تكاملاً في حالات الطوارئ.
التقاليد لها مكانة خاصة في فرنسا، وصفارات الإنذار ليست استثناء.
لذا في المرة المقبلة التي تزور فيها فرنسا وتجد نفسك عالقاً فيما تبدو كأنها غارة جوية، فحافظ على هدوئك وتذكر أنها ربما تكون بداية الشهر فقط.