شاشة الناقد

معالجة جديدة لحكاية قديمة

«مجمّد»
«مجمّد»
TT

شاشة الناقد

«مجمّد»
«مجمّد»

الفيلم: Frozen‪ ‬
‫إخراج: كريس باك وجنيفر لي‬
تقييم الناقد:(*3)(من خمسة)

حكاية هانز كريستيان أندرسن (ذلك الروائي والشاعر الدنماركي الذي وضع بعض أشهر روايات الأولاد والذي عاش ما بين 1805 و1875) «ملكة الثلج» تتحول إلى هذا الفيلم الأنيميشن في عملية استيحاء متحررة من الالتزام بالحكاية الأصلية وما تحتويه من شخصيات وخيوط وعقد.
متحررة لدرجة أن الفيلم والرواية لا يلتقيان إلا من زاوية أن هناك تشابها في الأحداث يدركه من قرأ الرواية (التي كانت من أكبر أعمال المؤلف) وشاهد الفيلم معا. كتاب السيناريو هنا شيّدوا على عالم أندرسن حكاية خاصة تنفصل أكثر مما تلتقي مع حكايات الرواية الأصلية التي نشرها الكاتب قبل ثلاثين سنة من وفاته. بقليل من التجديد في كيفية تنفيذ هذه الشخصيات كان يمكن للفيلم أن يأتي متكاملا للغاية. لكنه بوضعه الحالي، هو فيلم جيد وله جاذبيته الساحرة ضمن نوعه كفيلم كارتوني موجه لجميع الأعمار.
هنا نتعرف على شخصيتي الفتاة الصغيرة آنا (كريستين بل) وشقيقتها الأكبر قليلا إلسا (إدينا مانزل) وذلك في مشهد طويل يجمع بينهما وهما يلعبان. إلسا لديها قدرة سحرية إذ تستطيع تحويل الأشياء إلى ثلج. وهي، من دون قصد، تصيب شقيقتها آنا بقدرتها تلك خلال المشهد ذاته. لكن آنا تتعافى وتبدأ في الطلب من شقيقتها معاودة اللعب معها من دون أن تعلم أن سبب عزوف إلسا عن اللعب معها يعود إلى خشيتها من قدرتها تلك. للغاية ذاتها، ترتدي إلسا القفازات لكي تحد من قدرتها وتتحاشى لمس الأشخاص.
كل شيء رغم ذلك كان على ما يرام إلى أن تتعرّف آنا، بعد سنوات أصبحت وشقيقتها شابتين جميلتين، على أمير رشيق وجذّاب فتتقدم آنا من إلسا (التي أمست الملكة بعد وفاة والديهما) بطلب الموافقة على الزواج من الأمير. تصاب إلسا بخيبة أمل تبقى خفية عن الفهم بالصورة التي ترد فيها هنا. لكن المرجح أن السبب الأساس يكمن في أن إلسا تدرك أنها لن تستطيع معاشرة الرجال أو الزواج نظرا لحالتها الغريبة لذلك تشعر بالغيرة من آنا. وما تلبث الملكة أن تلجأ إلى قصر في أعالي الجبال، الأمر الذي يدفع آنا لمحاولة الوصول إليها رغم كل المعوقات والمخاطر.
في هذه المرحلة يتم تقديم شخصيات أخرى تتكلم وتغني، من بينها شخصية غزال رُسمت لجذب الأطفال دون سواهم، لكن الفيلم ليس ساذجا والأولاد ربما كان من الأفضل لهم دخول الصالات بصحبة أوليائهم نظرا لبعض المشاهد ذات الطبيعة الغامضة بالنسبة إليهم.
إنه الفيلم الكارتوني الطويل الثالث والخمسون من إنتاج الاستوديو منذ أن بدأ الراحل وولت ديزني بتقديم تلك الأعمال في الثلاثينات. في عام 1937 أنجز «سنو وايت والأقزام السبعة» وبعد عامين أنتج «بينوكيو» و«فانتازيا»، هذه الأفلام الثلاثة هي التي وضعت استوديو ديزني على عربة الانطلاق في مجال سينما الأنيميشن إلى اليوم. وهو فيلم موسيقي - غنائي بقدر ما هو رسوم متحركة، وهذا عنصر عمل يصاحب الحكاية ويثريها جيدا. الفيلم خال من الملل، ولو أنه خال أيضا من الرسالة التي تزيد إلمام الأولاد بما هو أبعد من حالات البشر. المطلوب ليس بالضرورة مادّة ثقيلة وعصيّة على الفهم، بل بعض تلك اللمسات الذهنية التي من شأنها إثراء العمل



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).