سينما الصراع الروسي ـ الأميركي تتنبأ ولا تُجيب

ما لم يرد في الأنباء ومصادر الأخبار ورد في الأفلام: الروس غزوا أميركا. دمّروا مدنها. حشدوا لها الجيوش من البحر وفي الجو وحتى على الأرض، عبر كندا. حلفاؤهم الكوريون دمّروا «البيت الأبيض». ولولا بطولة أفراد عاديين وقدرات البنتاغون التي ترفض الاستسلام لوجد الأميركيون أنفسهم يتحدّثون الروسية بعد نصف جيل.‬

- فجر أحمر آتٍ
في آخر فيلم من هذه «التيمة» (اقرأ عنه في «شاشة الناقد») تم إطلاق 16 صاروخاً نووياً على 16 مدينة أميركية. صحيح أنها دمّرت جميعاً، لكن تصوّر لو أن واحداً منها فقط أنجز المهمّة.
الحال أن السينما الأميركية حاكت الكثير من الأفلام حول فكرة الغزو العسكري الروسي على نحو أو آخر، وإن لم يكن غزواً فهو هجوم عابر للقارات أو صراع مخابرات مستميت بين الروس والأميركيين يتمكن فيه الطرف الثاني من تبديد خططهم ودحرها.
في سنة 1984 وضع جون ميليوس سيناريو غزو فعلي أقدمت عليه القوات الروسية بلا مقدّمات إيذاناً بانطلاق الحرب العالمية الثالثة. فجأة وجد مواطنو الولايات الشمالية أنفسهم أمام أفراد الجيش الروسي. لكن ما لم يكن بحسبان الروس المقاومة الصلبة التي وُوجهوا بها من قِبل مجموعة من الشبان والشابات الذين هبّوا ذوداً عن الوطن، بينما انشغل الجيش الأميركي في الدفاع عن المدن الكبيرة. شبان وشابات مثل باتريك سوايس وتشارلي شين ودارِن دالتون وليا تومسون وجنيفر غراي. والنصر بالطبع كان حليف المقاومة التي أنقذت أميركا من الهزيمة.
الفيلم ذاته أعيد صنعه سنة 2012 بوجوه الموسم: جوش هتشنسن وكريس همسوورث وإدريانا باليكي وتحت إدارة مساعد مخرج سابق اسمه دان برادلي. الحكاية ذاتها تنقصها براءة وعفوية الفيلم السابق لكنها تؤدي الهدف نفسه.
لكن ما قام به مجموعة من الشبّان في الفيلمين المذكورين أنجزه تشاك نوريس منفرداً في «غزو الولايات المتحدة» (Invasion U‪.‬S‪.‬A) سنة 1985. لقد تناهى له، تبعاً لسيناريو قام هو بكتابته وقام يورام غلوبوس ومناحيم غولان بتمويله، أن خطة الغزو بدأت بإيفاد مجموعة من القتلة المحترفين. بموهبته في الضرب والرفس (نوعيّته من الكاراتيه) تغلّب على تلك المجموعة وحده وجعل القيادة الروسية تعيد النظر في خططها. ‬‬
في الواقع، من السهولة بمكان كبير لعب ورقة الدفاع عن الوطن بصرف النظر عما هو ذلك الوطن. ولو أن الروس أنتجوا أفلاماً حول غزو أميركي فإنهم سيصنعونها بالمضمون الوطني والبطولي ذاته. معظم الأفلام التي دارت حول الحرب العالمية الثانية استمتعت بهذا التجييش العاطفي. الكليشيهات ملأت شاشات تلك الأفلام التي دارت حول الحروب في اليابان والفلبين وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وروسيا إبان تلك الفترة.

وحدها في المواجهة... لقطة من «معترض»

- تهديد نووي
المختلف الآن أن الصراع في أفلام نظريات الهجوم الروسي على أميركا هي أن الأفلام التي تتمحور حول هذا الموضوع هي - في معظمها- أفلام عسكرية وليست حربية. هذا يخفف وقع الخيال كثيراً إلى أن يتم تحقيق أفلام حول حروب فعلية كالتي تقع رحاها الآن في أوكرانيا.
خذ مثلاً أول فيلم جيمس بوند تم تصويره سنة 1995 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهو GoldenEye (كلمة واحدة حسب العنوان).
ذلك الانهيار كان حديثاً والخوف من أن بعض المنشقّين سيسطون على موقع صواريخ عابرة للقارات (اسم الموقع غولدناي) لاستخدامها ضد الغرب. بوند، بيرس بروسنن تحت إدارة مارتن كامبل القديرة، يستلم مهام إحباط الخطط ويقوم بذلك على أفضل وجه.
في العام ذاته، قام توني سكوت بتحقيق «مد قرمزي» (Crimson Tide) ذكي في فكرته: الضابط البحري دنزل واشنطن سيواجه الكابتن جين هاكمان الذي يريد شن هجوم على روسيا، ما يهدد بحرب نووية. هنا ينبري الفيلم في التحذير من أمثال الكابتن لكنه يوعز بأن موقفه من الروس لا يخلو من المعطيات والمخاوف المحقّة.
بعد عامين اثنين قامت المخرجة ميمي لَدر بتحقيق فيلم جيد بعنوان «صانع السلام» (The Peacemaker) بموضوع شيّق: منشق روسي (آخر) سرق قذائف نووية وسلّمها لإرهابيين بهدف استخدامها ضد الأميركيين. جورج كلوني ونيكول كيدمان بالمرصاد.
والعالم وقف على شفير حرب فعلية بين الأميركيين والروس في «مجموع كل المخاوف» (The Sum of All Fears) في سنة 2002 عندما انطلق عميل السي آي أيه المحترف جاك رايان (بن أفليك) لمواجهة عصبة من النازيين الجدد الذين خططوا لإشعال الحرب بين البلدين.
الفيلم، الذي أخرجه فل أدلن روبنسن، مأخوذ عن رواية توم كلانسي الناجحة بالعنوان ذاته، وكلانسي كان وضع كذلك رواية «صيد أكتوبر الأحمر» (The Hunt of Red October) التي انتقلت إلى السينما سنة 1990 وفيها ينبري جاك رايان (أليك بولدوِين هنا) لمهمّة بالغة الصعوبة: هل الكابتن الروسي ماركو (شون كونري) المتجه بغوّاصته النووية صوب الساحل الأميركي صادق في أنه يريد تسليم نفسه وغواصته إلى السلطات العسكرية الأميركية، أم أنها خدعة روسية للهجوم على أميركا من داخل مياهها الإقليمية؟
وفي «جاك رايان: مجند ظل» (Jack Ryan‪:‬ Shadow Recruit) لكينيث برانا (2014) معضلة أميركية - روسية جديدة: خطّة روسية لقلب الاقتصاد الأميركي رأساً على عقب يقودها المسؤول فكتور شرڤِن (برانا نفسه). هذه المرّة لعب كريس باين دور العميل الأميركي والنصر بالطبع مسألة محتومة.‬
ولا ننسى أن توم كروز نسف الكرملِين بأكمله في «مهمّة مستحيلة: بروتوكول وهمي» (Mission Impossible‪:‬ Ghost Protocol) (إخراج براد بيرد، 2011). والشائعات الحالية تشير إلى أن الشرير الأول في الجزء الجديد من «مهمّة مستحيلة»، الذي يتم تصويره الآن، سيكون روسياً كذلك.‬