قيود ليتوانية على إقليم روسي في البلطيق تعمّق التوتر بالمنطقة

موسكو لوّحت برد صارم على «حصار كالينينغراد»... ودعوات لتحرّك عسكري

ضابط جمارك روسي في ميناء تجاري بإقليم كالينينغراد (رويترز)
ضابط جمارك روسي في ميناء تجاري بإقليم كالينينغراد (رويترز)
TT

قيود ليتوانية على إقليم روسي في البلطيق تعمّق التوتر بالمنطقة

ضابط جمارك روسي في ميناء تجاري بإقليم كالينينغراد (رويترز)
ضابط جمارك روسي في ميناء تجاري بإقليم كالينينغراد (رويترز)

ظهرت أمس بوادر توتر جديد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، بعد قرار ليتوانيا فرض قيود على حركة البضائع من روسيا إلى جيب كالينينغراد، الواقع على بحر البلطيق.
وأثارت الخطوة الليتوانية بمنع مرور البضائع إلى الإقليم الروسي المعزول موجة غضب قوية في موسكو، إذ وصف الكرملين القرار بأنه «حصار على ضفاف بحر البلطيق» وخطوة «غير مسبوقة تنتهك كل القواعد». وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن «الوضع أكثر من خطير». وزاد أن قرار ليتوانيا «يتطلب تحليلاً عميقاً» قبل أن تتخذ روسيا إجراءات، وأضاف أن ذلك سيتم «في غضون أيام قليلة».
واستدعت الخارجية الروسية القائم بأعمال سفارة ليتوانيا في موسكو، وأبلغته أن روسيا «تحتفظ بالحق في اتخاذ الإجراءات لحماية مصالحها الوطنية إذا لم يتوقف حصار الشحنات العابرة إلى منطقة كالينينغراد بالكامل». وأفاد بيان للخارجية الروسية بأن موسكو «تنظر إلى التدابير الاستفزازية التي اتخذها الجانب الليتواني، والتي تنتهك الالتزامات القانونية الدولية لليتوانيا، ولا سيما البيان المشترك لروسيا والاتحاد الأوروبي بشأن العبور بين منطقة كالينينغراد وبقية الأراضي الروسية لعام 2002، أنها أعمال عدائية واضحة». وهددت الخارجية بردّ قوي في حال لم يتم رفع القيود المفروضة.
وأعلنت موسكو أن فيلنيوس فرضت خلال نهاية الأسبوع قيوداً على نقل البضائع الخاضعة لحظر أوروبي، وقالت الخارجية الروسية في بيان: «طلبنا (من ليتوانيا) رفع هذه القيود فوراً»، مؤكدة أنه «في حال لم تجرِ إعادة العبور بالكامل، فإن روسيا تحتفظ بحقها في التحرك للدفاع عن مصالحها الوطنية».
يذكر أن كالينينغراد جيب معزول براً عن الأراضي الروسية، ويقع على شواطئ بحر البلطيق، بين دولتين عضوين في حلف الأطلسي، هما ليتوانيا وبولندا. وكانت كالينينغراد مدينة بروسية تحت اسم كونيغسبرغ إلى أن غزاها الاتحاد السوفياتي في 1945، حين هزم ألمانيا النازية. ومع استقلال دول البلطيق عن الاتحاد السوفياتي في 1991 وجدت المنطقة نفسها جيباً معزولاً عن أراضي روسيا. لكن أهمية هذه المنطقة ازدادت خلال السنوات الماضية مع احتدام التوتر بين روسيا وحلف الأطلسي على خلفية مساعي الحلف للتوسع شرقاً. ونشرت روسيا صواريخ متطورة من طراز «إسكندر» القادرة على حمل رؤوس نووية في الإقليم، في وقت سابق. لكن بعد الإعلان عن نية فنلندا والسويد الانضمام إلى الحلف الغربي أخيراً، تزايدت أهمية الإقليم بشكل واسع، بعدما بات المنفذ المتقدم لروسيا على بحر البلطيق، الذي تحول وفقاً لوصف محللين روس إلى «بحيرة أطلسية».
وفي إشارة لافتة، كان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف لوّح بنشر «قوات بحرية كبيرة في خليج فنلندا»، لمواجهة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف. وقال إنه «لا يمكن أن يكون حديث بعد الآن عن وضعية لا نووية لبحر البلطيق»، في تهديد بتعزيز ترسانة روسيا النووية في المنطقة.
من جانبه، صرّح وزير الخارجية الليتواني، غابرييليوس لاندسبيرغيس، بأن ليتوانيا فرضت القيود على عبور عدد من السلع الخاضعة للعقوبات عبر أراضيها «بعد مشاورات مع المفوضية الأوروبية، وتحت قيادتها».
ورداً على القرار، أعلن رئيس لجنة حماية السيادة التابعة لمجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، أندريه كليموف، أن ليتوانيا بقرارها الجديد «تطيح بالمقعد» الذي تجلس عليه في الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى أن الحصار على كالينينغراد يلغي عضوية ليتوانيا في الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى روسيا، ويعد انتهاكاً للبيان الموقع بين روسيا والاتحاد الأوروبي عام 2002، الذي ينص على حق روسيا في العبور إلى منطقة كالينينغراد.
من جانبه، حذّر رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي للتشريع الدستوري، أندريه كليشاس، من أن إجراءات ليتوانيا «تمثل عملياً محاولة لفرض حصار على المنطقة»، قد تؤسس لـ«خطوات انتقامية قاسية» من جانب روسيا.
وكانت شركة سكك الحديد الليتوانية أخطرت سلطات كالينينغراد، بأنها ستقيد عبور بعض البضائع من أراضي روسيا إلى المنطقة بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو. وكشف حاكم مقاطعة كالينينغراد، أنطون أليخانوف، أنّ ليتوانيا منعت عملياً مرور نحو نصف المواد التي تحصل عليها المقاطعة من روسيا عبر سكك الحديد، موضحاً أن المنع، الذي بدأ الأحد، يشمل مواد البناء والإسمنت وبعض المواد المصنعة. وشدّد أليخانوف على أن الإجراء يعدّ «انتهاكاً صارخاً لبروتوكولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لدول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وقواعد العبور الحر».
في غضون ذلك، لم تستبعد أوساط روسية احتمال انزلاق الموقف نحو فتح جبهة قتال ثانية في أوروبا، في حال لم تجد روسيا حلاً دبلوماسياً للمشكلة الجديدة. وقال الدبلوماسي السابق، روستيسلاف إيشينكو، إن حصار النقل الذي فرضته ليتوانيا على مدينة كالينينغراد الروسية قد يكون سبباً لبدء أعمال عدائية، لأنه يحد من وصول روسيا إلى أراضيها. ووفقاً لإيشينكو: «إنه قرار انتحاري، وذريعة جاهزة للحرب. حيث يضمن القانون الدولي بشكل لا لبس فيه وصول أي دولة إلى أراضيها المعزولة، ويتعامل مع أي إعاقة لممارسة هذا الحق كعدوان».
وذكرت أوساط روسية، أمس، أن موسكو قد تلجأ إلى الطريق البحري لتعويض النقص في البضائع في الإقليم على المدى القصير، لكن هذه يعني قطع مسافات واسعة بحراً للالتفاف على جمهوريات حوض البلطيق والوصول إلى الجيب الروسي من جهة البحر. فضلاً أن هذا السيناريو لا يعد كافياً بالنسبة إلى الكرملين الذي اعتبر الخطوة تصعيداً في العدوان الغربي على روسيا.
وبرزت دعوات، أمس، إلى استخدام الخيار العسكري لإجبار ليتوانيا على إبقاء خطوط العبور البرية مفتوحة إلى الإقليم، من خلال السيطرة على ممر «سوالكي» الذي يعد ممراً طبيعياً يبلغ طوله نحو 104 كيلومترات، ويربط أراضي بيلاروسيا مع كالينينغراد، ويمر قرب الحدود البرية بين بولندا وليتوانيا.
ولفت معلقون سياسيون روس إلى أن التطور الجديد يضع أمام موسكو مهمة «إيجاد حل نهائي لمشكلة إمدادات البضائع والتواصل البري مع الإقليم الروسي». واستند بعضهم إلى توفر «سند قانوني» لروسيا في هذا الشأن، كون اتفاقات الترانزيت عبر ليتوانيا تشكل جزءاً من الضمانات الموقعة بين روسيا وليتوانيا والاتحاد الأوروبي، التي اعترفت بموجبها روسيا بحدود الدولة الليتوانية في إطار الاتحاد الأوروبي.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.