«نقد ما بعد الترجمة» الحلقة المفقودة في «أدب الآخر»

رغم النشاط الدؤوب لدور النشر في العالم العربي للتسابق على تقديم كتب وروايات أجنبية إلى اللغة العربية، فإن العالم العربي ما زال متراجعاً في حركة الترجمة عن بقية العالم، ورغم تضاربها؛ فإن الإحصاءات توضح أن نصيب الفرد في العالم العربي من الكتب المترجمة سنوياً، يقع في ذيل قائمة الدول، بكتاب واحد لكل مليون عربي في السنة، بينما تتقدمه بقية دول العالم، بينها دولة صغيرة كاليونان بـ5 أضعاف، ويبلغ نصيب الفرد في هنغاريا 519 كتاباً لكل مليون نسمة، وفي إسبانيا 920 كتاباً لكل مليون...
في المقابل، هناك إقبال واسع من دور النشر العربية على الأعمال المترجمة، خصوصاً الروايات الأدبية، بعض هذه الأسباب يوضحها صاحب دار نشر مرموقة في السعودية بالقول، «إن التعامل مع المصدر الأجنبي أسهل بكثير من التعامل مع المؤلف المحلي (العربي)»، والسبب برأيه «مهنية وسهولة التعاقد مع المؤلف الأجنبي». وهو هنا لا يتحدث فقط عن خفض التكاليف أو السعي نحو الربحية التي يشار إليها عادة في أسباب التوجه نحو الترجمة عن الكتب الأجنبية.
يطالب الناشر المؤلفين المحليين في السعودية باعتماد «الوكيل الأدبي»، وهو وكيل يمثّل الكتّاب واقترحته وزارة الثقافة مؤخراً، ويعرض الوكيل الأدبي كتب المؤلفين إلى الناشرين، ويكون وسيطاً وحلقة وصل بين المؤلف ودار النشر، ويمكن أن يعرف الأعمال الروائية والدرامية للمنتجين الفنيين في الدراما والسينما، وتمنح هذه العلاقة الكتّاب علاقة تعاقدية تحفظ حقوقهم وترعى مصالحهم أثناء عملية النشر، وتزيد من احترافية صناعة النشر في المملكة. ويدخل في نطاق النشر، جميع الأعمال الإبداعية وصناعة المحتوى، من كتاب ورسامين ومدققين ومحررين وناشرين وموزعين وبائعين، لتختصر الكثير من الوقت والجهد.
أما الترجمة على مستوى المؤسسات الثقافية، فإن دول الخليج لديها مبادرات للترجمة تقدم للقارئ العربي مئات الكتب من اللغات الحية سنوياً، ومن هذه المؤسسات: مكتبة «جرير» ومكتبة «العبيكان» في السعودية، ومشروع «كلمة» للترجمة الذي أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، كذلك أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم عام 2007 برنامج «ترجم» من أجل دعم وتنشيط حركة الترجمة في العالم العربي، بطموح لترجمة ألف كتاب إلى اللغة العربية.
وفي الكويت، أنشأت مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين «مركز البابطين للترجمة»، وأطلقت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض أيضاً جائزة عالمية للترجمة، وتمتلك جامعة الملك سعود في الرياض مركزاً وطنياً للترجمة، يضاف لذلك، مشروع «الموسوعة العربية العالمية» الذي شارك فيه نحو 1000 باحث ومترجم وكاتب وفني ومستشار ومؤسسة عربية، كما شارك فيه نحو 3000 باحث وكاتب كتبوا بالإنجليزية وتُرجمت أعمالهم بتصرف إلى اللغة العربية، وصدرت الموسوعة عام 1996 مكونة من 30 مجلداً في 17 ألف صفحة.
وبحسب المرصد السعودي في الترجمة، فقد تمت ترجمة 4700 كتاب من الإنجليزية إلى العربية في السعودية خلال الفترة بين عامي 1995 و2015، وصنف المرصد أكبر ثلاث جهات في عدد الكتب المترجمة، وهي: مكتبة جرير بنسبة 41 في المائة، ومكتبة العبيكان بنسبة 15 في المائة، وجامعة الملك سعود بنسبة 11 في المائة.
من السعودية، يقول عبد الوهاب أبو زيد (شاعر ومترجم ) إنه
على عكس ما كان يشاع وما كان يُتوقع وما كان يُخشى منه من عزوف الجيل الجديد عن القراءة، نلاحظ إقبالاً معقولاً (إن لم نقل كبيراً، كي لا نتهم بالمبالغة) على الكتب الجديدة والمكتبات ومنصات بيع الكتب التي تكاثرت وبات التنافس بينها واضحاً ومحتدماً لاجتذاب أكبر شريحة ممكنة من عشاق الكتب.
الجيل الجديد، إذن، كما يضيف، «مقبل على القراءة شغوف بها، وهناك، كما بات ملحوظاً، إقبال كبير على الكتب المترجمة في شتى صنوف المعرفة، بخاصة الأعمال ذات الطابع الفكري والفلسفي، وكذلك الروايات التي لها نصيب الأسد من الكتب المترجمة، في إقبال غير مسبوق على آداب الأمم والثقافات الأخرى. وربما يوازي هذا الإقبال على الروايات المترجمة الهوس والتعلق بجديد السينما العالمية التي بات الوصول إليه ميسوراً أكثر من قبل.
هذا الإقبال الكبير على «أدب الآخر» أدى لتسابق وتدافع دور النشر للزجّ إلى الأسواق بكثير من الكتب المترجمة بترجمات متوسطة أو ربما رديئة، أو ربما إعادة ترجمة وطبع ما سبق ترجمته من قبل، وذلك لتحظى دور النشر تلك بأكبر قدر ممكن من كعكة الكتب المترجمة التي راجت سوقها وتزايد الطلب عليها.