في السعودية حيث كانت الصورة المترسخة في الأذهان لدى الغرب تحديدا لا تتجاوز العبايات السوداء والأزياء التقليدية، من الصعب ألا تثير تصاميم الثنائي خالد الجماز وفهد الجميعة مؤسسي علامة «1886» الانتباه والفضول على حد سواء. فهي بخطوط عصرية و«سبور» يمكن أن تتوقع رؤيتها في شوارع طوكيو أو لندن أو ميلانو أكثر من شوارع الرياض وجدة. لكن الثنائي ينتمي إلى جيل فتحت له الأبواب ليعبر عن نفسه بحرية «لم نكن نحلم بها قبل 2016» حسب قولهما.
«فرؤية 2030 غيرت حياة جيل بأكمله» حسب قول خالد «الموضة كانت أكبر مجال استفاد من هذه الرؤية. فقد تم تشجيعنا كشباب على دخولها كمنتجين ومبدعين بعد أن كنا مجرد مستهلكين ومستنسخين لكل ما يقدمه الغرب، وهذا ما فتح الباب أمام هذا التنوع الذي نشهده حاليا في الشوارع الرياض وجدة والخبر وغيرها». يلتقط الجميعة خيط الحديث ليؤكد هذا الرأي قائلا: «صحيح أن الأزياء المستلهمة من ثقافة الشارع ليست أول ما يتبادر إلى الذهن عندما نذكر السعودية. لكن التغييرات التي شهدتها المملكة ورؤية 2030 حركت المياه الراكدة وأيقظت بركان الإبداع الذي كان كامنا في المنطقة. هذا الأمل وروح التفاؤل كانا وراء بدايتنا».
نظرة إلى أسلوبهما في التصميم والتصوير على حد سواء، تؤكد أن في اختلافه تكمن جاذبيته. كل ما فيه من بساطة وألوان وروح الانطلاق موجه لشباب يتوق للتحرر من كل ما هو تقليدي وقديم، بما في ذلك الاعتماد على الغرب في تزويده بآخر خطوط الموضة. «قبل 2016 كانت الملابس التقليدية وملابس المناسبات التي تحمل توقيعات عالمية هي السائدة، فيما كانت الماركات المحلية تستنسخ تصاميمها من دون أن تقدم أي جديد يعبر عن المنطقة» حسب قول الجميعة.
كانت هناك ثغرة في السوق وكان الثنائي يتوق لتأسيس علامة تعبر عنهما وعن المرحلة التي وجدا أنفسهما شاهدين على تغيراتها. يقول خالد: «لحد الآن لا تزال الموضة السبور والمستقاة من ثقافة الشارع حكرا على رواد الموضة العالمية من أمثال «نايكي» و«سيبريم» و«أمبرو». كان الإقبال عليها كبيرا من الجانب الاستهلاكي فيما ظلت مجالا غير مستكشف بالنسبة للمصممين المحليين. لهذا قلنا لأنفسنا لماذا لا تكون هناك ماركة سعودية «سبور» بنفس الجودة والجاذبية؟».
وبالفعل تحولت الفكرة إلى علامة ربما تكون الأولى من نوعها من حيث خطوطها التي تدمج البساطة مع المعاصرة إلى جانب استعمالها أقمشة غير مألوفة.
لا ينكر الثنائي أن التوقيت الذي أطلقا فيه علامتهما «1886» كان في صالحهما. فأكثر من 70 في المائة من سكان المملكة تقل أعمارهم عن 30 عاماً ويتمتعون بأصوات عالية. حماسهم للتعبير عن أنفسهم من خلال الموضة «معدي» حسب قول الجميعة «وهذا ما شجعنا على تعزيز صوت هذا الجيل في هذه اللحظة الزمنية المهمة.
فنحن ننتمي إلى نفس الجيل ونعيش معه نفس التجارب والتحولات».
يعرف المصممان أن ثقافة الشارع كانت دائما تعبيرا عن حركة يقودها الشباب، وأن أكثر ما يتأثر بها هي الموضة. فالأزياء والإكسسوارات تكتسب دورا ثقافيا واجتماعيا وحتى سياسيا للتمرد على المتعارف عليه والتعبير عن النظرة الجديدة لعالم يطمحون لتجسيده في الواقع. يقول الجميعة: «وهذا تحديدا ما حاولنا تسجيله في تصاميم تخاطب الشباب في المقام الأول».
التقى خالد والجميعة على مقاعد الدراسة بلندن. كان الأول يدرس التسويق والثاني إدارة الأعمال. ورغم أنهما لم يدرسا الموضة، فإنهما اكتشفا أن حب الأزياء ومزج الألوان ومطابقة الأنماط المختلفة يجمعهما. يقول خالد: «تحولت غرفنا في سنوات الدراسة إلى ما يشبه الاستوديو الإبداعي. نتبادل فيه الأفكار ونضع الرسومات الأولى. وعندما فكرنا في إطلاق علامتنا، اخترنا رقمي 18 و86 وهما رقم غرفة كل واحد منا حتى لا ننسى أن فيهما ولد الحلم وتبلورت العديد من الأفكار».
في عام 2016 أطلقا «1886». كانت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة رائعة للتعريف بهما وتسليط الضوء على تصاميمهما الشبابية، لكن هذه الوسائل لم تكن كافية لتستوعب طموحاتهما. كان مهما بالنسبة لهما أن يرسخا اسميهما في الواقع وبالإسمنت. افتتحا محلات في جدة والرياض وينويان أن يتواجدا مستقبلا في دبي ثم في عواصم أوروبية تربطهما بها علاقة حب مثل لندن وباريس وميلان.
فرغم جذورهما وتعلقهما بثقافتهما فإن أسلوبهما عالمي، كما يكرران طوال اللقاء على الأقل من ناحية أنه لا يتقيد بالثقافة السعودية بشكل حرفي. فهما مثلا متأثران بفن البوب والموسيقى والتكنولوجيا الحديثة «وهذه الأشياء لا ترتبط بمنطقة أو ثقافة معينة».
ما يختلف هو كيف تترجم هذه الأمور من خلال تصاميم لا تعترف بأي حدود جغرافية أو ثقافية. «فهي مفتوحة على الكل، والأسلوب الذي نقترحه دائما يجمع ملامح من موضة يابانية وأخرى إيطالية أو بريطانية تم تطويعها بشكل يناسب ثقافتنا، ويلبي رغبة زبون سعودي يسافر إلى كل أنحاء العالم وبالتالي يحتاج إلى أزياء تجعله يندمج مع المكان الذي يتواجد فيه بسلاسة وأناقة». وطبعا هو أيضاً زبون يعتز بجذوره ويريد أن يقول للعالم بالبنط العريض بأن الإبداع يمكن أن يولد في أي مكان.