آفاق ومسارات مختلفة للسعادة؛ تضاف إلى تلك النظريات المرتبطة بالشوكولاته، التي يتم السعي من خلالها لتغيير حياة لاجئات ومصريات إلى الأفضل، وللغاية أُسس مشروع لإنتاج الشوكولاته أطلق عليه اسم «هافينز (Haven's)»، وهو اسم يعني «ملاذ»، ويلخص أحد أهداف المشروع، وهو دمجهن في المجتمع الجديد، كما يهدف أيضاً إلى مساعدة هؤلاء النسوة على مواجهة مشكلاتهن ومعاناة الغربة وكسب قوتهن.
عقب تلقيهن تدريباً لتعلم صناعة الشوكولاته في «المجلس القومي للمرأة» (مؤسسة حكومية مصرية)، ضمن برنامج يعرف باسم «المطبخ المجتمعي»، قررن تحويل شغفهن إلى مشروع خاص وحرفة تدر عليهن ربحاً وتحقق لهن دخلاً مادياً لمواجهة أعباء الحياة.
«هافينز» مشروع مجتمعي لتشجيع النساء على العمل معاً في تناغم ووفاق، وذلك من خلال الاعتماد على قدرة الشوكولاته المذهلة على نشر الفرح وبناء التعاطف، وفق محمد سعفان، مؤسس المشروع، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نعمل على دعم اللاجئات وتمكينهن من الحصول على مصدر دخل، واندماجهن بشكل أفضل في المجتمع المصري. وتعتمد هيكلة المشروع على نظام الشراكة، فهو مشروعهن، لذلك يتم أيضاً تقاسم الأرباح بجانب حصولهن على راتب شهري».
ويشير سعفان إلى أن «المجلس القومي للمرأة يوفر للمشروع كثيراً من أوجه الدعم؛ منها استخدام (المطبخ المجتمعي) التابع له، حيث يجري العمل والإنتاج فيه، كما يوفر المجلس فرصاً تسويقية متنوعة؛ منها فتح الباب للمشاركة في المعارض التي ينظمها لعرض المنتج. ولأن المشروع لا يزال في بدايته؛ نعتمد في التسويق على العلاقات الشخصية والمؤسسات المحلية والدولية المهتمة بالمرأة، مثل الاتحاد الأوروبي».
ويحتل السوريون نصيب الأسد من عدد اللاجئين في مصر بنسبة 58 في المائة، يليهم الإثيوبيون بنسبة 7 في المائة، ومن ثم الإريتريون بنسبة 5 في المائة، ومواطنو جنوب السودان بنسبة 4 في المائة، والصوماليون بنسبة 3 في المائة، والعراقيون بنسبة 3 في المائة، ومجموع باقي الجنسيات (جنسيات مختلفة) يصل إلى نسبة 3 في المائة؛ حسب تقرير صادر في بداية العام الحالي عن مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
قبل نحو 3 سنوات؛ حضرت نوسيبا أحمد سعيد من السودان إلى مصر، وعاشت فترة ليست جيدة في البحث عن دخل مادي، فهي أُمّ تعول وحدها 5 أطفال، لكن مشروع «هافينز» غير حياتها تماماً... تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الفترة التي قضيتها في مصر كانت عصيبة وكلها معاناة، وتعرفت من غروبات اللاجئين على مواقع التواصل الاجتماعي، على تدريب ينظمه (المجلس القومي للمرأة)، فسارعت بالمشاركة، وقد اخترت الشوكولاته رغم وجود تدريبات على حرف أخرى عديدة؛ لأني أحبها وأصنع بها أنواعاً مختلفة من الحلوى».
هنا تتذكر نوسيبا: «بعد معاناتي الطويلة خلال السنوات الماضية، غيّر المشروع حياتي بالكامل، وبت قادرة على تلبية طلبات أولادي والإنفاق عليهم، وأصبحت سعيدة جداً، وأنا أصنع الشوكولاته بكل شغف وحب. وشعرت للمرة الأولى بأنني إنسانة لها قيمة ومكانة في المجتمع، ويمكنني أن أحقق أي شيء، واندمجت مع لاجئات أخريات ومصريات أيضاً في المشروع».
قبل بدء المشروع، كانت ثمة قواسم مشتركة تجمع بين هؤلاء النساء دون أن يدركن، فكلهن يبحثن عن الأمل والسعادة وتحسين حياتهن، غير أن اللافت أن جميعهن اخترن تعلم صناعة الشوكولاته من بين دورات كثيرة ينظمها «المجلس القومي للمرأة».
وتشير الحكومة المصرية إلى حرصها على «تقديم الخدمات الأساسية كافة للاجئين في أراضيها أو طالبي الإجراء، وذلك رغم استمرار ازدياد أعدادهم». وأفاد إحصاء رسمي نشره «المركز الإعلامي لرئاسة الوزراء»، في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، بأنه رصد «نحو 259.3 ألف لاجئ وطالب لجوء في 2020 مقابل 258.4 ألف في عام 2019»، وضمن سياق متزايد سنوياً، وفق ما أظهرته البيانات.
وتشدد مصر على «تمتع اللاجئين بالخدمات الأساسية أسوة بالمواطنين المصريين، حيث يمكن للاجئين وملتمسي اللجوء الحركة بحرية، على ضوء تبني الدولة المصرية سياسة تقوم على عدم إنشاء معسكرات أو مراكز احتجاز للاجئين أو طالبي اللجوء».
ويقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن بلاده «لم تقصر أبداً في أداء الواجب الإنساني إزاء نحو 6 ملايين لاجئ ومهاجر ممن اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحروب والأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة».
آمنة محمد نور (سودانية) لديها 4 أطفال، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن دورات تدريبية لتعلم أي حرفة، واخترت صناعة الشوكولاته لأني أحبها، ولا يمكنني أن أصف سعادتي بتعلم مهارة صناعتها، فبجانب الاستقرار المادي الذي حققته، أصبحت فخورة بنفسي، وتغيرت حياتي تماماً، وبت أصنعها في المنزل لأولادي والأقارب».
وبعيداً من اللاجئات، اجتذب المشروع نفسه مواطنات مصريات؛ من بينهن منال حنفي، وهي أم لأربعة أطفال، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحقيق الاستقرار المادي شيء مهم ومحوري، لكن مصدر السعادة هو تحقيق الذات، وتعلم مهارة ما تتحول إلى شغف، فإذا كان أكل الشوكولاته يرتبط بالسعادة؛ فماذا عن صنعها؟ إحساس لا يمكن وصفه. لقد وجدت نفسي بالفعل».
وتشير منال إلى أن الشوكولاته التي يصنعنها «طبيعية من دون أي إضافات صناعية أو مواد حافظة، ويمكن إعداداها في أي مطبخ منزلي، لذلك تجذب كثيرين» من أقاربها وأصدقائها.
الشوكولاته... «ملاذ» اللاجئات للاندماج في المجتمع المصري
الشوكولاته... «ملاذ» اللاجئات للاندماج في المجتمع المصري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة