كتاب ثالث للمديني عن «باريس المدينة ـ العالم»

كتاب ثالث للمديني عن «باريس المدينة ـ العالم»
TT

كتاب ثالث للمديني عن «باريس المدينة ـ العالم»

كتاب ثالث للمديني عن «باريس المدينة ـ العالم»

صدر عن «منشورات المتوسط» بإيطاليا أخيراً، كتاب جديد للأديب المغربي أحمد المديني، تحت عنوان «باريس أبداً... يوميات الضفة اليسرى (2019 - 2020)»، اختار أن يرصد فيه يومياته في مدينة إقامته.
ومما جاء في كلمة الناشر: «هذا هو الكتابُ الثالثُ الذي يكتبه أحمد المديني عن باريس المدينة - العالم. وبتُّ على ثقة متينة أن انقطاع زياراتي إلى باريس قد يكون مردّه هو الكتاب الثاني للمديني (فتن كاتب عربي في باريس)، والذي شرفتُ بنشره عام 2019. ولم يكن بسبب الجائحة؛ لأنِّي حين احتجتُ الذهابَ إلى باريس وتهيَّأتُ لها، أرسل لي الأستاذ المديني كتابه هذا بُغية نشره، فسارعتُ لقراءته. وفي أثناء القراءة، وجدتُ أعذاراً، اختفتْ معها حاجتي للذهاب إلى باريس ورغبتي التي كنتُ قد هيَّأتُها كذلك. أنا من النوع الذي يُحبُّ السفر كثيراً، ولكنِّي دائماً أبحث في المدينة عن حياتها اليوميَّة، وأتمنَّى لو عندي عُمُرٌ مَديدٌ، فقط لأعيشَ في المُدُن التي أُحبُّها بضع سنوات، تكفيني للتعرُّف إليها كما ينبغي. لكنِّي أعتقد الآن أن هذا الإشكالَ حُلَّ مع مدينة باريس، بفضل هذا الكتاب».
وزاد الناشر: «أنا هنا لا أُقدِّمُ للقارئ العربي كتاباً عن باريس، بل أُقدِّم له باريسَ كلَّها، سحبها أحمد المديني من تحتِ أقدام سَاكِنِيْها، ونَثَرَهَا في هذا الكتاب نَثْرَاً عذباً، له موسيقى ستسمعونها وأنتُم تقرؤون».
مما نقرأ في «باريس أبداً»، الكتاب الذي صدر في 312 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة «يوميات عربية»: «قضيت هذا اليوم متنقلاً بين مشاغل شتى، خاصة وعامة، لا أكاد أستقرّ على أمر. أضع يدي، فكري، على شيء، فينسرب مني حبيبات رمل. عزوْت هذا في البداية إلى طول تركيز وانكفاء على الذات فرضه الحجْر جرّاء وباء فيروس (كورونا 19) دام شهرين ونصف، وحين رُفِع الحجْر في الحادي عشر من مايو (أيار)، لم نعرف ماذا نفعل به، في الحقيقة بأنفسنا. ها هو الخارج الذي مُنعنا من الاتصال به أسابيعَ طويلة، إلا بتقنين شديد وتوقيت صارم، عاد مُتاحاً، وإن بمقدار، وها هو الفراغ الشاسع الممتد بلا نهاية، في مدينة صرت أحسبها انتُزعت مني وأنا أسير بداخلها، تُستعاد، لكني في سرّي، لا أريد أن أفصح عن هذا، أخشى العودة إليها، ربما ضيّعت طريقها، ضيّعتها كلّها، والوباء الذي يواصل حصد أرواح الآلاف حصدها بدورها وما أبقى سوى على الذكريات، كلُّ منا سيحاول أن يلملم شظاياها ليصنع منها بقايا مدينة، بقايا كتابة إن هي تماسكت أعضاؤها ولغتها لتعطي معنى ما. كان الكِتاب بعض ملاذ، هو كذلك دائماً، هو عندي والكتابة صنو الحياة، كذلك عشقهما خورخي سامبرين، سأقول مَهرَباً، وسعيت إلى تجربة موراكامي بحثاً عن ملجأ، لأعترف، عن مهرب».
وعُرف المديني بغزارة وتنوع كتاباته، ومن بينها «وردة للزمن المغربي» و«زمن بين الولادة والحلم» و«الجنازة» و«حكاية وهم» و«مدينة براقش» و«العجب العجاب» و«فتن كاتب عربي في باريس» وغيرها، كما صدرت له الأعمال الكاملة عن وزارة الثقافة بالمغرب سنة 2015، وقد فاز بعدد من الجوائز، بينها جائزة المغرب للكتاب في صنف النقد والدراسات الأدبية في 2003، وفي صنف السرديات في 2009، في حين اُختيرت روايته «ممر الصفصاف» ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» في 2015؛ علاوة على فوزه بـ«جائزة محمد زفزاف للرواية العربية» في 2018، وهي الجائزة التي تسلمها «مؤسسة منتدى أصيلة» بالمغرب.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.