الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

سقط السويدي يوهانسون والكاميروني حياتو فهل تتغير موازين القوى ويخسر بلاتر

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»
TT

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

«أنا ابن ملك وشقيق ملك.. إن لم تكن لدي روح المبادرة والشجاعة للوقوف في وجه بلاتر (في انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم المقررة بعد غد الجمعة في زيوريخ السويسرية) فلا أستحق أن أكون موجودا في إدارة كرة القدم على مستوى فيفا.. لن أكون مخلصا وأنا أصمت وأكتفي بعضويتي التنفيذية في الاتحاد الدولي لكرة القدم أو الاتحاد الآسيوي في ظل الظروف التي تعيشها أسرة كرة القدم العالمية.. لا لا.. هذه ليست أخلاقياتي».
كانت هذه هي أهم جملة طويلة قالها الأمير علي بن الحسين خلال حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» في الرابع من مايو (أيار) الماضي لكنها كانت حقيقة لمعرفة ما يجري في كواليس المؤسسة الكروية الأهم في العالم التي تجني سنويا مليارات الدولارات دون أن تكون هناك فائدة واضحة وملموسة لأكثر من 180 اتحادا وطنيا فقيرا من بين 209 اتحاد منضو تحت لواء فيفا.

الأمير علي بن الحسين ولد يوم الـ23 من شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1975 ودرس في الكلية العلمية الإسلامية في عمان ثم درس في «سلسبيري» بكنتاكي في أميركا عام 1993 ثم التحق بكلية ساند هيرست العسكرية الملكية وعين فور انتهاء دراسته في القوات المسلحة الملكية الأردنية ويشغل حاليا منصب رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم ورئيس اتحاد غرب آسيا لكرة القدم فضلا عن منصبه كنائب رئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم الذي فاز به في يناير (كانون الثاني) من عام 2011 الماضي.
تزوج الجزائرية ريم الإبراهيمي ابنة الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لتلقب بعد ذلك بالأميرة ريم علي ولهما من الأبناء الأميرة الجليلة «2005» والأمير عبد الله «2007».
يبدو الأمير علي بن الحسين عاشقا لروح التحدي وهو الأمر الذي جعله محط أنظار الآسيويين والعالم خلال يناير 2011 الماضي حينما نافس الكوري المخضرم تشونغ مونغ جون على منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عن قارة آسيا حيث كان الأخير يهيمن عليه لأكثر من عقد من الزمان لكن الأمير علي بن الحسين وسط ارتفاع وتزايد طموحاته في المناصب الكروية بهدف الارتقاء باللعبة كان يريد الوصول إلى فيفا من خلال هذا المنصب.
لم يصل الأمير علي بن الحسين إلى كرسي «نائب رئيس فيفا عن قارة آسيا» إلا من خلال حرب انتخابية كان لها وقعها على مستوى القارة حيث بدأت الانقسامات في آسيا عقب ذلك اليوم حيث كان يدعمه في تلك الفترة الشيخ أحمد الفهد الصباح الذي يشغل منصب رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي وهو المعروف بقدرته على إدارة التكتلات واللوبيات في عالم كرة القدم وكذلك في الرياضة بشكل عام.
وقف الشيخ أحمد الفهد الصباح إلى جانب الأمير علي بن الحسين ضد الكوري تشونغ الذي كان يدعمه في تلك الفترة للبقاء في المنصب القطري الشهير محمد بن همام لكن الأمير الأردني نجح في الفوز بالمنصب عقب معركة انتخابية كبرى شهدتها الدوحة في يناير 2011 لينجح في كسب 25 صوتا مقابل 20 صوتا للكوري تشونغ.
دخل الأمير علي بن الحسين دهاليز فيفا لكن طموحاته لم تكن تتوقف عند منصب «نائب رئيس فيفا» إذ واصل العمل على إضفاء المزيد من الأفكار في اللعبة إذ قاتل وناضل من أجل السماح للسيدات بارتداء الحجاب في مباريات كرة القدم الخاصة بالسيدات ونجح في ذلك من خلال تمرير مقترحه الذي قدمه للجمعية العمومية في الاتحاد الدولي لكرة القدم وتم التصويت عليه بالموافقة بغالبية كاسحة ليحقق في تلك الفترة نصرا كبيرا له على الصعيد الشخصي وللسيدات الراغبات في استخدام الحجاب في اللعبة دون الخضوع لقانون فيفا الذي كان يرفض ذلك قبل عام من الآن.
كانت علاقة الأمير علي بن الحسين بالسويسري جوزيف سيب بلاتر جيدة في السنوات الأولى من انتخابه لكن فوز الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة بمنصب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم غير الكثير من المفاهيم لدى الأمير علي بن الحسين إذ أراد آل خليفة أن يكون المنصب الذي يجلس عليه الأمير الأردني مرتبطا بمقعد رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وهي الفكرة التي كان يريد تمريرها القطري محمد بن همام لكن الظروف لم تشأ في أن تتشكل في عام 2010 الماضي ليأتي آل خليفة ويعمل عليها ثم يضعها كمقترح للتصويت في كونغرس ساوباولو الذي عقد على هامش كأس العالم 2010 التي جرت في البرازيل لتجد موافقة حاسمة من الاتحادات الوطنية الآسيوية الأعضاء في الاتحاد القاري.
ولم يجد الأمير علي بن الحسين وقتها سوى الهجوم الكاسح على الشيخ سلمان آل خليفة بسبب الدمج المتوقع لمنصب رئاسة الاتحاد القاري مع منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي في عام 2015.
وقال الأمير علي بن الحسين وقتها: «تعقيبًا على الأحداث الأخيرة المتعلقة بموقف الاتحاد الآسيوي من منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي، أخاطبكم في ضوء وجود جهود مكثفة لدمج رئاسة الاتحاد الآسيوي مع منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي في عام 2015 وبالتالي إلغاء المنصب الذي تم انتخابي لأمثله على الصعيدين الآسيوي والعالمي فور انتهاء مدة الخدمة».
ورأى الأمير علي أنه تقلد المنصب بعد انتخابات ديمقراطية في يناير 2011 «والذي حمل مهامه من سبقني أكثر من خمسة عشر عاما».
وتابع: «تقدمت الاتحادات الوطنية التالية بطلب الدمج: اتحادات أفغانستان وكوريا الشمالية وإندونيسيا وباكستان والبحرين وقطر واليمن وسريلانكا، ومن المقرر أن يتم طرح اقتراحهم على كونغرس الاتحاد الآسيوي الذي سيقام في البرازيل في يونيو (حزيران) المقبل».
ورأى الأمير علي أنه «مع بالغ احترامي وتقديري لهذه الاتحادات إلا أنني أتحفظ وبشدة على قرارهم، هذا للأسباب التالية التي ناقشتها مع زملائي في اللجنتين التنفيذيتين في كل من الاتحادين الدولي والآسيوي: هذا الاقتراح قد تم طرحه في كونغرس الاتحاد الآسيوي في مايو الماضي بناء على طلب الاتحادات الباكستانية والنيبالية والسريلانكية، وقوبل بالرفض من الأغلبية العظمى حيث صوت 98 في المائة من الدول الأعضاء ضد الدمج مما يعني أن الكونغرس ذاته الذي انتخب الرئيس الحالي للاتحاد قد اتخذ قراره بشأن الاقتراح قبل سنة مضت. ثانيًا، أقف أمامكم مؤمنا بالأهمية الفائقة لفصل السياسة عن الرياضات كافة ومنها كرة القدم وانطلاقًا من قناعتي التامة بضرورة خلو اللعبة من المصالح الشخصية واستغلال المناصب، وإن هذه لقاعدة أساسية عملت بها طوال خمسة عشر عاما من خدمتي الكروية».
وأضاف: «ثالثًا، لقد فوجئنا بظهور هذا الاقتراح خلال الأشهر الماضية تحت قيادة الرئيس الحالي للاتحاد الآسيوي ونيل هذا المطلب على حصة الأسد من أجندته للقارة الآسيوية، ويؤسفنا اتخاذه وعدد من مسؤولي الكرة في الاتحاد لهذا المسار السياسي عوضًا عن تركيز الطاقات على تطوير اللعبة في قارتنا ومواجهة التحديات التي تحتاج تكاتفنا في كافة المجالات كالتسويق وقطاع الناشئين والكرة النسوية والشفافية واللعب النظيف والقائمة تطول، كما يؤسفنا أن يكرس الرئيس جزءًا كبيرًا من وقته وجهده في الأيام الماضية في محاولة استمالة أصوات الاتحادات بدل العمل يدًا بيد لما فيه خير لكرة القدم في آسيا».
ورأى نائب رئيس الاتحاد الدولي أنه «بمقدور رئيس الاتحاد الآسيوي أن يترشح لمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي أو كعضو ممثل عن آسيا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي حيث يضمن له القانون هذا الحق بطريقة ديمقراطية وعادلة».
وأضاف: «أجد في استمرار فصل المنصبين حكمة ونفعًا لكرة القدم في القارة حيث يسمح ذلك لنائب رئيس الاتحاد الدولي أن يرعى شؤون الكرة الآسيوية ضمن الاتحاد الدولي، ويمكن رئيس الاتحاد الآسيوي من التركيز على واجبه الضخم أمام التحديات التي تواجهها الكرة الآسيوية وتنمية اللعبة وتطويرها. وإن الاتحاد الآسيوي ليس متفردا في تطبيق هذا النظام كما أن هناك اتحادًا قاريا يمثل عنه أكثر من نائب واحد لرئيس الاتحاد الدولي».
هذا الهجوم الكبير الذي مارسه الأمير علي بن الحسين في هذه القضية تحديدا كان رسالة واضحة لكل متابعي الكرة الآسيوية أن فجوة الخلاف ستزداد وهو ما جعله يفكر في اتخاذ خطوة أبعد طالما أن منصبه سيكون في مهب الريح وأنه سيغادر مركزه الحالي كنائب لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ومع تزايد فجوة الخلاف الدائرة بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وبين بلاتر من جهة.. وبين الاتحادات الكروية الكبرى في العالم مثل الاتحاد الإنجليزي والألماني والأسترالي والأميركي والهولندي والبرتغالي مع السويسري جوزيف بلاتر كان الحديث عن شخصية يتم تجهيزها من قبل «يويفا» والمعارضين لبلاتر في الانتخابات المقبلة المقررة نهاية مايو الحالي لتسارع الأيام دورتها وتتسرب حينها إمكانية ترشح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم ضد بلاتر.
كان شهر يناير من العام الحالي تاريخيا في مسيرة الأمير علي بن الحسين حيث شهد ترشحه لرئاسة فيفا التي تعد الأعلى على مستوى اللعبة لكن كثيرين كانوا يقولون إن الأمير الأردني يلعب بالنار على اعتبار أنه يواجه خصما لا يمكن لأحد أن ينافسه لا سيما أن مسؤولا كبيرا مثل الفرنسي ميشال بلاتيني فضل عدم الزج باسمه في معركة يراها خاسرة أمام شخصية مخضرمة تجيد لعبة الانتخابات والتكتلات على مستوى العالم وهي الممثلة بالسويسري جوزيف بلاتر الذي لم يقف أحد في وجهه حيث سقط أمامه السويدي لينارت يوهانسون في يونيو 1998 حيث نال بلاتر 111 صوتا مقابل 80 ليوهانسون.
ولم تكن هذه المعركة الانتخابية هي الأولى لبلاتر بل خاض بعدها بأربعة أعوام وتحديدا عام 2002 معركة أقوى لكنها أكثر حسما حينما أطاح بالكاميروني عيسى حياتو بفوزه عليه بـ139 صوتا مقابل 56 صوتا لحياتو ليتكرس في ذهنية كل الراغبين في كرسي فيفا أن إسقاط رجل مثل بلاتر يبدو أمرا مستحيلا في عالم الانتخابات.
هل ستكون المعركة الثالثة بالنسبة لبلاتر ثابتة أم تتغير لمصلحة الأمير علي بن الحسين الذي حول أصوات نحو 50 اتحادا على مستوى العالم في الأسبوع الماضي لمصلحته بعد محاولات إقناع مارسها مع الهولندي فان براغ والبرتغالي لويس فيغو اللذين انسحبا لمصلحة الأمير الأردني..!؟
كثيرون يرون أنه مهما كانت الرغبة حاضرة بالنسبة للاتحادات الكبرى والعريقة على مستوى العالم مثل «اليويفا» كاتحاد قاري واتحادات وطنية مثل الإنجليزي والإيطالي والهولندي والألماني والفرنسي والأميركي والأسترالي لتغيير منصب رئيس فيفا فإنهم لن يقدروا على ذلك على اعتبار أن المتحكمين في هذا المنصب هي الاتحادات الغنية الحاضرة في آسيا ويقودها في ذلك المجلس الأولمبي الآسيوي بقيادة الشيخ أحمد الفهد والتي بلا شك هي التي تحدد وجهة «رئيس أعلى سلطة كروية في العالم»..؟!
خبراء الانتخابات الكروية دائما كانوا يرددون أن الفائز بمنصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لا بد أن يحظى أولا بموافقة آسيا وأفريقيا أما أوروبا فتاريخها منذ أكثر من 5 عقود يؤكد أنها غير قادرة على اختيار من تريد.
الأمير علي بن الحسين يخوض بعد غد الجمعة أعتى وأشرس انتخابات في مسيرته الإدارية الكروية ويؤكد ذلك بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «أعرف أن خطوتي بالترشح لرئاسة فيفا تشير لي إما بالبقاء على رأس السلطة الكروية الأعلى في العالم أو المغادرة نهائيا عن واجهة اللعبة عالميا والاكتفاء برئاسة اتحاد غرب آسيا والاتحاد الأردني».
نزاهة فيفا التي يعول عليها الأمير علي بن الحسين في برنامجه الانتخابي والرغبة في مضاعفة إيرادات الاتحادات الوطنية لا سيما الفقيرة هي هدفه الرئيسي كمرشح وتغيير نظرة العالم لهذه المؤسسة لتكون مؤسسة واضحة وشفافة هي الهدف بالنسبة له فضلا عن أنه يريد أن يطلع كافة الاتحادات الوطنية الـ209 فضلا عن الأعضاء التنفيذيين الـ24 على كافة مصروفات وإيرادات وعقود فيفا التي أكد فيها لـ«الشرق الأوسط» أنها سر عظيم لا يمكن معرفته مع بلاتر حاليا وهو ما يثير الشكوك حول الكثير من ملفات فيفا السرية التي تعب الأعضاء في الحديث عنها بلا فائدة.
الخبراء يتساءلون.. كم سيحقق الأمير علي بن الحسين من أصوات في الانتخابات المقررة الجمعة؟.. هل ينجح في تجاوز رقم يوهانسون الذي حقق 80 صوتا وهو الرقم الأعلى من الأصوات التي حصدها الكاميروني حياتو والبالغة 56 صوتا.. هل سيكون العدد لا يتجاوز الـ45 صوتا بحسب ما يتردد من حلفاء بلاتر..؟ أم ينجح بلاتر في الفوز للمرة الثالثة في تاريخه بفوز كاسح من خلال دعم المجلس الأولمبي الآسيوي الذي بدا واضحا تدخلاته في إدارة لعبة كرة القدم عالميا خاصة بعد ترشح الشيخ أحمد الفهد لعضوية تنفيذية فيفا وكأنه يقول لبلاتر هي لك الآن وسأمسك بزمام إدارة فيفا بدءا من مايو 2019 ليقطع الطريق ويبدد أحلام الفرنسي ميشال بلاتيني الذي فضل عدم الزج باسمه في انتخابات خاسرة أمام نظيره بلاتر.

* تاريخ رئاسة {الفيفا}
منذ عام 1904 وحتى الآن تولى مسؤولية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ثمانية رؤساء، وفيما يلي أسماء جميع

* رؤساء الفيفا وفترات توليهم المنصب:
الفرنسي روبرت جيران - بين عامي 1904 و1906
الإنجليزي دانييل بري وولفال - بين عامي 1906 و1918
الفرنسي جول ريميه - بين عامي 1921 و1954
البلجيكي رودولف ويليام سيلدريرز - بين عامي 1954 و1955
الإنجليزي آرثر دروري - بين عامي 1955 و1961
الإنجليزي ستانلي روس - بين عامي 1961 و1974
البرازيلي جواو هافيلانغ - بين عامي 1974 و1998
السويسري جوزيف بلاتر - منذ عام 1998 وحتى الآن.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».