بعد قرار الصدر... تغييرات محتملة في الخريطة السياسية العراقية

أنصار مقتدى الصدر في مظاهرة بالعاصمة بغداد 26 مايو (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر في مظاهرة بالعاصمة بغداد 26 مايو (رويترز)
TT

بعد قرار الصدر... تغييرات محتملة في الخريطة السياسية العراقية

أنصار مقتدى الصدر في مظاهرة بالعاصمة بغداد 26 مايو (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر في مظاهرة بالعاصمة بغداد 26 مايو (رويترز)

رغم استقرار الخريطة السياسية العراقية على تحالفين عابرين للعرقية والطائفية («الثلاثي» بزعامة مقتدى الصدر، و«الثبات الوطني» بزعامات متعددة)، لا يزال الصدر، الذي تصدرت كتلته نتائج الانتخابات المبكرة أواخر العام الماضي، الوحيد القادر على فرض خياراته على الجميع.
ففي العام الماضي، وقبيل إجراء الانتخابات، قرر الصدر الانسحاب من المشاركة فيها، والتزم نواب كتلته بقراره وأعلنوا المقاطعة وعدم اللجوء إلى الدعاية الانتخابية. ولأن القوى السياسية العراقية تدرك أن مقاطعة الصدر أمر من الصعب تحمل نتائجه على مجمل العملية السياسية، فقد بدأت حراكاً سياسياً شارك فيه الجميع، من أجل إقناع الصدر بالعدول عن المقاطعة. لكن الصدر، المعروف بعناده، أجبر الجميع على توقيع وثيقة سياسية تعهدوا فيها بإجراء انتخابات نزيهة والالتزام بنتائجها.
وعاد الصدر حينها إلى المشاركة في العملية الانتخابية التي كانت تحضيراتها ودعايتها قد أوشكت أن تنتهي، وجاءت نتائجها مطابقة لتوقعاته، حيث حصلت كتلته على المرتبة الأولى (75 نائباً من مجموع أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائباً).
وبعد ظهور النتائج، سرعان ما بدا أن هناك تغييراً محتملاً في الخريطة السياسية العراقية، لا سيما مع تبني الصدر مفهوم الأغلبية الوطنية. وفي السياق نفسه، فإن البيت الشيعي انقسم انقساماً حاداً بعد ظهور النتائج. فهذا البيت كان يمثله «الإطار التنسيقي» الذي كان يضم التيار الصدري قبل انسحابه منه، لتبقى القوى التي تمثله هي نفسها التي رفضت نتائج الانتخابات، وهي «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، «الفتح» بزعامة هادي العامري، «العصائب» بزعامة قيس الخزعلي، «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، «النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«عطاء» بزعامة فالح الفياض، وتحول الخلاف إلى مواجهة حادة بين أنصار خيار حكومة الأغلبية الذي يتبناه الصدر، وخيار الحكومة التوافقية الذي تتبناه قوى الإطار التنسيقي.
التطورات المتلاحقة للمشهد السياسي، بما في ذلك اعتراضات قوى الإطار التنسيقي التي استمرت على شكل تظاهرات حاشدة على مدى شهور عدة، ومحاصرة المنطقة الخضراء من جهتين وقطع الطرق المؤدية إليها، لم تؤتِ أكلها على صعيد خطة الإطار التنسيقي، التي تقوم على عودة الصدر إلى البيت الشيعي، وتحديد الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً من نواب الشيعة فقط، كونهم (أي الشيعة) الأغلبية السكانية ونوابهم هم الأغلبية البرلمانية.
لكن الصدر الذي أنشأ تحالفاً مع الكرد والسنة («تحالف السيادة» السني بزعامة محمد الحلبوسي، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني) كسر هذا العرف، عبر إصراره على أن يكون التحالف الثلاثي الذي يضم شيعة وسنة وكردا هو من يشكل الكتلة الأكبر ويختار رئيس الوزراء القادم.
وذهب الصدر إلى ما هو أبعد من ذلك، حين رشح ابن عمه ونجل أحد أهم مراجع الشيعة ومفكريهم، محمد باقر الصدر (أعدمه صدام حسين عام 1980)، وهو جعفر الصدر (السفير الحالي للعراق في المملكة المتحدة)، مرشحاً لرئاسة الوزراء. وكان منطلق الصدر في ذلك أن من الصعوبة على إسلاميي الإسلام السياسي الشيعي الذين يدينون لأفكار الصدر الأول ومنهجه، فضلاً عن تأسيسه «حزب الدعوة الإسلامية» أواخر خمسينيات القرن الماضي، رفض ترشيح نجل مرجعهم الأكبر. لكن، عملياً، رفضت قوى الإطار التنسيقي مرشح الصدر بدعوى أن أي مرشح، بمن في ذلك جعفر الصدر، لا بد أن يأتي عبر الكتلة الشيعية الأكبر، وهو ما يرفضه الصدر، بينما لا يزال الإطار التنسيقي يتبناه.
وكان يمكن للصدر أن يمضي في تحالفه الثلاثي، ذي الأغلبية البرلمانية الواضحة، في تشكيل الحكومة والمضي في تشريع القوانين داخل البرلمان، لولا العرف الخاص بتوزيع الرئاسات الثلاث على المكونات. وحيث إن منصب رئيس الجمهورية من حصة الكرد، فإن الخلاف الحاد بين الحزبين الكرديين («الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني») أعاق عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذ أن منصب رئيس الجمهورية يتطلب أغلبية الثلثين (220 نائباً)، وهو رقم يصعب الوصول إليه من دون توافق. ولكون الحزبين الكرديين أصبح كل منهما عضواً في تحالف شيعي («الديمقراطي الكردستاني» عضو في تحالف الصدر، و«الاتحاد الوطني» عضو في تحالف الإطار التنسيقي) فإن هذا الأمر جعل تحالف الصدر عاجزاً عن الوصول إلى الرقم المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية، بسبب امتلاك قوى الإطار التنسيقي الثلث المعطل.
وحيال كل هذه التطورات، جاء قرار الصدر الأخير الذي تضمن خيارين أحلاهما مر، وهما إما ذهابه إلى المعارضة، أو الانسحاب من البرلمان تماماً وتقديم نوابه استقالاتهم. وفي حال اختار الصدر أياً من الخيارين، فإن الخريطة السياسية سوف تتغير، لأنه في حال أرادت القوى السياسية تشكيل الحكومة من دونه، فإنه لم يعد هناك تحالف ثلاثي أو إطار تنسيقي. وفي هذه الحالة سوف يتم رسم خريطة جديدة تبتعد عن طريق التوافق. وفيما تتمكن قوى الإطار التنسيقي من ترشيح رئيس وزراء من بين أعضائها كونها الكتلة الأكبر، فإن الكرد، في حال لم يتوصل الحزبان الكرديان إلى اتفاق بشأن مرشح واحد لمنصب رئيس الجمهورية، سوف يكررون سيناريو 2018، حين دخل الحزبان بمرشحين اثنين لمنصب رئيس الجمهورية.
أما في حال قرر الصدر الانسحاب من العملية السياسية، فإن نوابه الـ75 لا بد أن يحل محلهم 75 نائباً قد لا يكونون من نفس الكتلة الصدرية، وهذا يعني تغييراً آخر في الخريطة السياسية يصعب احتمال ما قد يترتب عليه. فالصدر، إذا انسحب من البرلمان فإنه لم ينسحب من الشارع، وفي هذه الحالة فإن الخيارات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو ما تدركه كل القوى السياسية، التي تعرف أن من الصعب بقاء الصدر خارج أي تشكيلة حكومية، مهما كان الثمن.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

نتنياهو يدين «الإرهاب النفسي الوحشي» لحركة «حماس»

نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يدين «الإرهاب النفسي الوحشي» لحركة «حماس»

نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم (السبت)، ما وصفه بأنه «الإرهاب النفسي الوحشي والشرير» لحركة «حماس» بعدما نشرت عدداً من الفيديوهات المتعلقة بالرهائن في غزة.

وقال نتنياهو، وفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل»، إنه «على اتصال دائم مع عائلات الرهائن، الذين يعيشون كابوساً رهيباً مستمراً».

وأضاف نتنياهو: «من يؤذي رهائننا سيتحمل المسؤولية»، وتعهد بمواصلة العمل من أجل إعادة جميع الرهائن.

وأسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت عقب الهجوم غير المسبوق لحركة «حماس» على جنوب الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عن مقتل أكثر من 44 ألف شخص، وتدمير القطاع بشكل كبير.

وأدّى هجوم «حماس» إلى مقتل 1208 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، بحسب إحصاء أعدّته «وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية، وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو ماتوا في الأسر.

وخطِف أثناء الهجوم 251 شخصاً من داخل الدولة العبرية، لا يزال 97 منهم محتجزين في القطاع، بينهم 35 شخصاً أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم ماتوا.