النظام السياسي النيجيري وإشكالية الصراعات الدينية

تعد نيجيريا من أهم الدول الأفريقية؛ كونها الأكبر من حيث عدد السكان والاقتصاد. وهي تصنف من الدول البترولية الغنية على مستوى العالم؛ إذ تحوي 2.6 في المائة من احتياطي النفط في العالم، لكن مع ذلك يعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر، والمتهم الأول هو في معاناتها الصراعات الدينية والسياسية، التي لا تزال تعصف بالبلاد.
ولقد شكل الصراع بين المسلمين والمسيحيين أبرز عوامل الاضطرابات الأمنية المتطاولة هناك، وانعكس ذلك بقدر كبير على الشرعية السياسية للنظام السياسي المنتخب.
ويربط مراقبون نشأة الصراع الديني في نيجيريا، بالعوامل الاقتصادية والإثنية، وسوء توزيع الثروة والسلطة، الفساد وسوء الإدارة، وتسييس الخلافات الدينية.
يتسم المجتمع النيجيري بالتنوع الهائل في التنظيم الاجتماعي والوضع الاقتصادي والانتماء الطائفي والاثني. ويتركز معظم المسلمين في ولايات الشمال بينما يتركز جلّ المسيحيين في الجنوب، وكذلك تعيش أقليات دينية مسيحية ومسلمة بأعداد كبيرة في غالبية مدن الشمال والجنوب، كما توجد أقلية ذات معتقدات وثنية يدينون بما يسمى بالديانات الطبيعية.
وفق دراسة أعدها «المركز الديمقراطي العربي»، تعود جذور الصراع الديني في نيجيريا إلى نهاية عقد السبعينات عندما طرح قادة الولايات الشمالية مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية إبان اجتماعات لجنة صياغة الدستور عام 1979. وسهّلت هذه المطالب من قِبل المسلمين في بلد تعددي إلى تفجّر صدامات دامية المسيحيين. وبلغ عدد هذه الصدامات نحو 45 صداماً ذهب ضحيته آلاف القتلى، وكذلك خسائر مالية كبيرة.
الاضطرابات والصراعات الدينية هذه كان لا بد أن تؤثر سلباً على الشرعية السياسية للنظام السياسي، وتضعف الاستقرار السياسي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتعمّق الخلافات الإثنية والدينية. وتعد جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيم «القاعدة» من أهم الحركات والتنظيمات الدينية التي تشكل البعد الحركي المتطرف للصراعات الدينية.
الحركة - المناوئة للتعليم الغربي والثقافة الغربية - ظهرت عام 2002 بالتزامن مع تدهور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية نتيجة الفساد، وانتشر فكرها بين أصوات الشباب، واتسمت بالعنف مما أثار قلق الحكومة والدول المجاورة. وعلى مدار السنوات السابقة، اعتمدت الحكومات النيجيرية على سياسة «العصا والجزرة» في تعاملها مع تمرّد «بوكو حرام».
فمن جهة كانت تعرض منح عفو عام عن أعضاء الحركة في حال نبذهم للتشدد، والسعي لمعالجة قضايا الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي والفساد العمومي. ومن ناحية أخرى استخدمت قوات الأمن لشنّ عمليات تعقب وقمع صارمة ضد أعضاء الجماعة ومعاقلها.
ولذا؛ بات لزاماً على الحكومات النيجيرية المتعاقبة صوغ أساليب التعامل مع الصراعات الدينية، وبخاصه الجماعات التي تلجأ إلى استخدام العنف مثل جماعة «بوكو حرام» في مواجهة المظالم التاريخية، خاصة بعدما أثبتت التجربة أن المعالجة الأمنية ليست هي الوسيلة الوحيدة للقضاء على تلك المعضلة.