الصين و«لعبة الجرأة» مع أميركا... هل تؤدي إلى مواجهة عسكرية؟

الصين و«لعبة الجرأة» مع أميركا... هل تؤدي إلى مواجهة عسكرية؟
TT

الصين و«لعبة الجرأة» مع أميركا... هل تؤدي إلى مواجهة عسكرية؟

الصين و«لعبة الجرأة» مع أميركا... هل تؤدي إلى مواجهة عسكرية؟

حذر تحليل إخباري، نشرته شبكة «سي إن إن»، اليوم (الجمعة)، من التصعيد الذي تنفذه المقاتلات الصينية ضد حلفاء أميركا فوق منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واصفة ما تقوم به الصين بأنه «لعبة الجرأة» عالية المخاطر، مشيرة إلى أن «هذه اللعبة قد تخرج عن السيطرة، ما يفاقم مخاطر وقوع حادث قد يشعل حرباً».
كما نقل التحليل عن خبراء عسكريين تحذيرهم من أن «المناورات العدوانية المتزايدة من قبل المقاتلات الصينية المتهمة بتعريض الطائرات والطاقم الكندي والأسترالي للخطر في الحوادث الأخيرة».
وأشارت الشبكة إلى أن «هذا التهديد المتمثل في تصاعد سياسة الوقوف على حافة الهاوية، الذي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية ربما بعد سقوط طائرة حربية، سيشكل هاجساً للمشاركين في أكبر قمة دفاعية في آسيا، التي تعقد في سنغافورة الجمعة»، موضحة أن الأنظار ستتجه إلى كلمتي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ونظيره الصيني وي فنغي، في المؤتمر حول رؤيتهما للأمن في المنطقة، ومن المتوقع أن يلتقيا مساء اليوم، لإجراء محادثات ثنائية.
كذلك، نقل التقرير عن مسؤول دفاعي أميركي رفيع المستوى قوله إن «واشنطن ستركز جزئياً على وضع قضبان حراسة للعلاقة مع الصين»، مضيفاً أن «هناك ضرورة لأساليب اتصالات أكثر نضجاً في الأزمات لضمان عدم تصعيد المنافسة المتزايدة بين القوتين إلى حرب».
وأوضح أن إحدى القواعد الأساسية التي تهدف الولايات المتحدة إلى تأسيسها مع الصين هي «أننا سنحدد موقفنا ويمكنهم تحديد موقفهم»، معرباً عن اعتقاده بأن أميركا تبذل قصارى جهدها لضمان أن يكون هذا الاجتماع مهنياً وموضوعياً.
من جهته، اعتبر بيتر لايتون من «معهد جريفيث آسيا» الأسترالي، أن «تصرفات الصين الأخيرة تمثل تصعيداً خطيراً في مثل هذه التكتيكات، ما يدفع إلى القلق وليس مجرد يقظة».

المنطقة الرمادية
وحسب الشبكة، فإن تكتيكات «المنطقة الرمادية» هي عبارة عن أفعال عسكرية تعني أعمالاً قسرية تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية ووطنية لا ترقى إلى مستوى الحرب الفعلية، مشيرة إلى أن «العديد من المحللين يستخدمون هذا المصطلح لوصف تصرفات بكين في بحر الصين الجنوبي».
وقالت: «الصين أمضت سنوات في تحويل الجزر النائية والشعاب المرجانية الغامضة في المناطق المتنازع عليها في البحر إلى قواعد عسكرية ومهابط طائرات محصنة».
كما رأت أن الصين «تواصل المطالبة بأكثرية المناطق البحرية البالغ مساحتها 1.3 مليون ميل مربع، حيث توجد نزاعات إقليمية مع دول أخرى مختلفة، رغم أن محكمة دولية تاريخية حكمت ضد مطالباتها في عام 2016».
لايتون نبه من أن الصين «تدفع الآن المخاطر» لمستوى جديد فيما يتعلق بتكتيكات «المنطقة الرمادية» من خلال اعتراضها العدواني المتزايد للطائرات التابعة لحلفاء الولايات المتحدة.
وتحدث عن أن «في الشهر الماضي قامت طائرة مقاتلة صينية من طراز (J – 16) باعتراض مسار طائرة استطلاع أسترالية في بحر الصين الجنوبي»، لافتاً إلى أن هذه الطائرة قامت بإطلاق شرائح صغيرة من الألومنيوم تُستخدم لخداع الصواريخ الموجهة بالرادار، التي يمكن أن تكون ضارة بشكل خطر للطائرة التي تلاحقها إذا تم ابتلاعها في محرك الطائرة.
وفي حين أن هذه الحوادث أثارت قلق الولايات المتحدة وحلفائها، تصر بكين على أن الدول الأجنبية هي المسؤولة، وقد ردت بغضب على كل من أستراليا وكندا، وفقاً للشبكة.

لماذا الآن؟
حسب أوريانا سكايلر ماسترو، الخبيرة في الجيش الصيني، فإن بكين تستخدم طياريها في «لعبة الجرأة» عالية المخاطر، وقالت: «إنها لعبة تعتقد بكين أنها ستفوز بها لأنها ليست قلقة بشأن احتمال التصعيد، لكنها تعلم أن الدول الغربية قلقة بدورها»، مضيفة أن «الصينيين لا يؤمنون بالتصعيد غير المقصود».
ولفتت إلى أن «الصين تنخرط في هذه السلوكيات المحفوفة بالمخاطر ثم تقول (للخصوم)، سيكون الأمر أكثر أماناً لكم إذا لم تكونوا هنا».
ولكن لماذا الآن؟ وفقاً لماسترو وآخرين، فإنه من المهم أن الصين اختارت حتى الآن حلفاء للولايات المتحدة - بدلاً من الولايات المتحدة نفسها - للعب لعبة الجرأة هذه.
كذلك، رأى يموثي هيث، كبير باحثي الدفاع الدولي في مؤسسة «راند كورب»، أن السبب قد يكون طريقة بكين لمحاولة تفكيك تحالف للولايات المتحدة مع شركاء منطقة المحيط الهادئ.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟