«وشم على الذاكرة»
(1989)
(ممتاز)
بعد أن شق المخرج التونسي رضا الباهي طريقه بنجاح عبر فيلمه الروائي الطويل الأول «شمس الضباع» (1977) استعد للانطلاق بأفلام تؤكد موهبته، واستعداده لأن يكون اسماً عربياً مرموقاً في السينما العالمية.
«وشم على الذاكرة» كان أول هذه الأفلام: دراما عاطفية شائكة على خلفية الفترة التي كانت فيها تونس تحت ظل الحكم الفرنسي ومع نجوم عالميين قلّما تكرر وجودهم، كمّاً ونوعاً، بالقدر ذاته في أي فيلم عربي بعد ذلك: من بريطانيا الرائعة جولي كريستي، من فرنسا جان كارميه وباتريك برويَل، ومن الولايات المتحدة بن غازارا، ومن إيطاليا إيزا دي بنديتو مع دور للممثل المغربي حميدو وآخر للتونسي سفيان عويسي.
الفيلم عن الصبي ونيس الذي هو ابن غير شرعي للفرنسي بول الذي يشعر بعاطفية يكتبها في داخله حيال ابنه. بعد سنوات يقصد ونيس وأمه المدينة الكبيرة وقد بات شاباً يعمل في ورشة تصليح سيارات. يلتقي المرأة التي شغفته، وهي زوجة أبيه، ويحاول إقامة علاقة معها، لكنها تصدّه. في النهاية ينطلق بسيارة سباق في الصحراء إلى حيث الأفق الملتهب.
استمد الباهي الموضوع من حادثة حقيقية حول جريمة شاب حرق والدته وقعت قبل خمس سنوات من تحقيقه هذا الفيلم. بالبحث عن المسببات، وجد أن الابن كان يعاني من اضطراب نفسي شديد ومن عقدة أوديب التي منعته من تجاوز العلاقة التقليدية بينه وبين والدته. بنى المخرج شخصية ونيس على هذا الوضع، ثم ساق الأحداث إلى خلفية ما قبل الاستقلال مانحاً إياها بعداً جديداً سمح له باستقطاب ممثلين من خارج تونس. يحوّل الباهي العلاقة الممنوعة صوب ونيس وزوج أبيه المغنية بيتي (كريستي). هذا أخف وطأة - مبدئياً - من الوضع الأول، لكن امتناع بيتي عن إقامة علاقة مع هذا الشاب يعود كذلك إلى إدراكها بأنه هو ذاته ونيس الذي تركته فتى صغيراً في البلدة قبل نزوحها وزوجها إلى المدينة.
في الوقت ذاته، لا تغيب والدة ونيس عن الحضور. هي الآن امرأة تخاف على ابنها من نفسه وتحاول درايته. لكن النار التي تتأجج في داخله لا يوجد من يطفئها إلا تلك الثورة التي تقوده في النهاية للهرب إلى الصحراء بسرعة جنونية. تلك النار ذاتها التي تتبدى في أفقه عند النهاية.
العاطفة الممنوعة محور مهم في مجمل أفلام الباهي منذ فيلمه الأول «عتبات ممنوعة» (1972)، حيث يلاحق بائع صور تذكارية سائحة أجنبية ويغتصبها في دلالة على أن الفارق الثقافي بين الشاب المحروم والقابع في بلدة صغيرة وبين السائحة القادمة من بلاد منفتحة وذات ثقافة مختلفة لا بد أن تكون متناقضة. مثل هذا الفيلم، اقتبس الباهي «عتبات ممنوعة» من حادثة حقيقية.
في «وشم على الذاكرة» تمنح كاميرا الفرنسي بيير لوم جماليات تخدم النص ولا تعرقله. تمنحه جمالاً في المشاهد الخارجية وفي المشاهد الداخلية على حد سواء موغلة في مظهر كلاسيكي قديم.
سنوات السينما
سنوات السينما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة