من يتنقّل بين مطارات العواصم الأوروبية الكبرى هذه الأيام يعاين مشهداً من الازدحام الخانق الذي يداني الانهيار في خدمات الركّاب ومراقبة جوازات السفر تسبب في إلغاء مئات الرحلات الجوية ومتاعب لا تحصى بالنسبة للمسافرين الذين يضطرون إلى الانتظار ساعات في طوابير طويلة قبل أن يكتشفوا أن رحلاتهم قد ألغيت أو تأخروا عن مواعيد الرحلات المتصلة.
وكان الوضع في عدد من المطارات، مثل بروكسل وباريس وأمستردام وروما، قد تفاقم في الأيام الأخيرة إلى حدّ دفع بالمفوضية الأوروبية أمس إلى التنبيه من «التداعيات الكارثية التي يرخيها هذا الوضع على الموسم السياحي المقبل»، واستعجلت الدول الأعضاء لاتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الخدمات والحركة إلى طبيعتها ووضع خطط لعدم تكرار هذا المشهد في المستقبل.
ويقول خبراء النقل الجوي، إن أسباب هذه الأزمة ليست في العودة الكثيفة إلى الحركة في هذا القطاع بعد عامين ونيّف من الركود الذي فرضته تدابير مكافحة جائحة «كوفيد»، بقدر ما هي ناجمة عن النقص الكبير في عدد الموظفين العاملين في المطارات إثر تسريح عشرات الآلاف منهم، وتشديد تدابير المراقبة على المسافرين الوافدين من المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وعدم كفاية عدد عناصر الشرطة المكلّفين تنفيذ الإجراءات الأمنية. وتخشى المفوضية أن يكون القطاع السياحي هو الذي يدفع ثمن هذه الأزمة بعد أن بدأ يتعافى من تداعيات الجائحة ويعوّل على الموسم المقبل لتعويض قسم من الخسائر الفادحة التي إصابته وكانت لها آثار مدمّرة على اقتصادات العديد من الدول التي تشكّل السياحة إحدى ركائزها الأساسية.
وينبّه الخبراء إلى أن هذا الوضع مرشّح للتفاقم اعتباراً من الشهر المقبل عندما يبدأ ملايين البريطانيين بالتوافد إلى وجهات عطلاتهم الصيفية في البلدان الأوروبية، بالتزامن مع الحركة الكثيفة لتنقّل الطلاب بين دول الاتحاد في إطار البرامج الأوروبية للمبادلات الثقافية والتعليمية التي تبلغ ذروتها كل عام في النصف الأول من يوليو (تموز).
وكانت الرابطة الأوروبية لشركات النقل الجوي قد احتجّت رسمياً لدى السلطات الرسمية على إلغاء مئات الرحلات في الأسابيع المنصرمة بسبب قلّة عدد موظفي الخدمات والعناصر الأمنية في المطارات، وطالبت بالتعويض عن الخسائر التي تكبّدتها الشركات. وأشارت الرابطة إلى أن عشرات الآلاف من المسافرين، معظمهم من البريطانيين، أمضوا الأيام الأخيرة من الأسبوع الفائت، ومطلع هذا الأسبوع، في المطارات الأوروبية في انتظار رحلات العودة إلى منازلهم. وما ساهم في تفاقم الوضع خلال هذه الفترة كان تزامن الاحتفالات بيوبيل الملكة إليزابيت الثانية مع العطلات المدرسية في عدد من الدول الأوروبية؛ ما أدى إلى حالات عديدة من الازدحام الخانق في بعض المطارات تسبب في إلغاء ما يزيد على 250 رحلة كانت وجهتها بريطانيا، وأكثر من 350 كانت وجهتها إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان.
وأدت النقمة العارمة التي تملّكت المسافرين الذين لم يتمكّنوا من الوصول إلى وجهات عطلاتهم، والمخاوف من تفاقم الوضع في الأسابيع المقبلة، إلى تبادل في الاتهامات بين الحكومات وشركات النقل الجوي والخدمات السياحية، كانت أبرزها المواجهة بين الحكومة البريطانية وهذه الشركات التي اتهمها وزير النقل البريطاني غرانت شابس بأنها «باعت رحلات جوية وخدمات تفوق بكثير قدرتها الاستيعابية». وردّت الشركات منتقدة الحكومة لعدم دعمها هذا القطاع الذي كان الأكثر تضرراً جراء جائحة «كوفيد» والقيود التي فرضت على التنقل لمكافحتها.
وشهد مطار بروكسل في الأيام الأخيرة حالات من الازدحام قال المسؤولون إنهم لم يعرفوا لها مثيلاً في السابق، اضطرتهم إلى إلغاء عشرات الرحلات، في حين طلبت إدارة مطار أمستردام، وهو الثاني في الاتحاد الأوروبي من حيث الحركة بعد مطار شارل ديغول في باريس، من الحكومة الهولندية الإسراع في تعزيز عناصر الأجهزة الأمنية، ومن شركات الطيران زيادة موظفيها، تحسباً للموسم السياحي المقبل وتفادياً لأزمة أخطر. وكانت شركة الطيران الهولندية KLM قررت يوم الأحد الفائت التوقف عن نقل ركّاب وافدين من البلدان الأوروبية، لكي تتمكّن من نقل الذين ينتظرون في مطار أمستردام منذ أيام للوصول إلى وجهاتهم.
وما يزيد من مخاطر تفاقم هذه الأزمة في مطالع الموسم السياحي، أن السلطات السياحية في بلدان الاتحاد الأوروبي تتوقع انفجاراً كبيراً في عدد الحجوزات اعتباراً من الشهر المقبل، وهي توقعات تؤكدها شركات الطيران التي أفادت بأن الحجوزات عادت إلى المستوى السابق للجائحة، وتجاوزته بالنسبة لبعض الوجهات السياحية مثل إسبانيا واليونان. وتفيد رابطة شركات الطيران البريطانية، بأن هذه الشركات سرّحت نحو 30 ألفاً من موظفيها خلال العامين المنصرمين بسبب الجائحة، فيما استغنت المطارات وشركات الصيانة البريطانية عن 70 ألفاً من موظفيها خلال نفس الفترة. ويحذّر الخبراء من صعوبة التعاقد مجدداً لملء الوظائف الشاغرة؛ لأن التعاقد للعمل في المطارات يقتضي إجراءات أمنية صارمة قد تستغرق أكثر من شهرين.
عودة الحياة إلى قطاع النقل الجوي تضع المطارات الأوروبية على أبواب {الانهيار}
السلطات السياحية تتوقع انفجاراً كبيراً في عدد الحجوزات اعتباراً من الشهر المقبل
عودة الحياة إلى قطاع النقل الجوي تضع المطارات الأوروبية على أبواب {الانهيار}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة