«التعاون والتنمية» تتوقع «سنة قاتمة» حبلى بـ«التضخم»

قلصت توقعاتها للنمو العالمي «ثمناً للحرب»

لورنس بون خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس لتقديم تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (إ.ب.أ)
لورنس بون خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس لتقديم تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (إ.ب.أ)
TT

«التعاون والتنمية» تتوقع «سنة قاتمة» حبلى بـ«التضخم»

لورنس بون خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس لتقديم تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (إ.ب.أ)
لورنس بون خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس لتقديم تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (إ.ب.أ)

حذرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في توقعاتها الأخيرة من أن الاقتصاد العالمي يزداد تراجعاً بسبب الحرب في أوكرانيا مع احتمال أن يتفاقم أكثر، متوقعة تراجعاً واضحاً للنمو العالمي وارتفاع التضخم هذه السنة.
ويؤدي ارتفاع التضخم إلى إضعاف القوة الشرائية، مما يحول دون تعافي الاستهلاك الخاص. علاوة على ذلك، تواجه العديد من القطاعات حالة من عدم اليقين بشكل أكبر وارتفاعاً حاداً في أسعار الطاقة ونقصاً جديداً في المواد.
وقالت المسؤولة الثانية وكبيرة اقتصاديي منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لورنس بون، في نص يمهد لهذه التوقعات التي تحمل عنوان «ثمن الحرب» إن «أزمة إنسانية تتكشف أمام أعيننا مخلفة آلاف الوفيات وترغم ملايين اللاجئين على الفرار من منازلهم وتهدد الانتعاش الاقتصادي الذي كان على الطريق الصحيح بعد وباء استمر عامين».
وكانت المنظمة ومقرها في باريس والتي تضم 38 دولة متقدمة، رفضت في مارس (آذار) الماضي نشر توقعاتها المفصلة كما تفعل عادة بسبب حالة عدم اليقين الكبيرة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاثة أسابيع من ذلك التاريخ. وكانت قبل ذلك قد احتسبت أن الحرب ستكلف النمو العالمي أكثر من نقطة مئوية والتضخم 2.5 نقطة بمعدل سنوي.
لكنها جازفت هذه المرة وتوقعت أن يسجل إجمالي الناتج الداخلي نسبة 3 في المائة في 2022، أي مستوى نمو أقل بكثير من التوقعات السابقة البالغة 4.5 في المائة، والتي نشرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقالت لورنس بون إن «العالم سيدفع ثمناً باهظاً لحرب روسيا ضد أوكرانيا».
وقبل منظمة التعاون والتنمية، خفضت غالبية المنظمات الاقتصادية الكبرى توقعاتها، فقد توقع البنك الدولي الثلاثاء نمواً بنسبة 2.9 في المائة لهذه السنة، وفي أبريل (نيسان) خفض صندوق النقد الدولي توقعاته إلى 3.6 في المائة.
لكن فاتورة الحرب تتفاوت من مكان إلى آخر في العالم، فيرتقب أن تسجل منطقة اليورو 2.6 في المائة (في مقابل توقعات بنسبة 4.3 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، مع تراجع لألمانيا إلى 1.9 في المائة (بتراجع 2.2 نقطة) وفرنسا إلى 2.4 في المائة (بتراجع 1.8 نقطة).
ومن المرتقب أن يبلغ النمو في الولايات المتحدة 2.5 في المائة (مقابل 3.7 في المائة في ديسمبر والصين 4.4 في المائة (من 5.1 في المائة). أما بريطانيا فوضعها أفضل مع توقع 3.6 في المائة (بتراجع 1.1 نقطة فقط) لكن نسبة النمو ستكون معدومة عند 0 في المائة في 2023 في مقابل 2.1 في المائة كانت متوقعة سابقاً.
أما التضخم فسيواصل الارتفاع. منذ أشهر عدة يعتبر التضخم أحد العناصر اللاجمة للانتعاش. وقد ذكر أكثر من 800 مرة في تقرير منظمة التعاون والتنمية الواقع في 229 صفحة. وفي خطوة نادرة الحدوث، ضاعفت المنظمة توقعاتها للتضخم في الدول الأعضاء فيها، لتصل نسبته إلى 8.5 في المائة هذه السنة، مما سيجعله أعلى مستوى سنوي منذ 1988.
وكان الأمين العام للمنظمة ماتياس كورمان اعتبر التضخم «مؤقتاً» في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلا أن وتيرته تسارعت بشكل كبير مع استمرار العراقيل أمام سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة والأغذية والمعادن بعد اندلاع الحرب.
وتسبب في تراجع إضافي في ثقة الأسر في الدول الأعضاء، مقارنة بما كانت عليه عند تفشي الوباء في ربيع 2020 كما أفادت منظمة التعاون والتنمية. وقالت لورنس بون إن هذا التضخم «يقوض الدخل المتاح للأسر ومستوى معيشتهم ويبطئ الاستهلاك».
وفي الدول الضعيفة، يهدد ارتفاع الأسعار ونقص الأغذية مثل القمح «بكوارث إنسانية» كما قالت المنظمة.
ومن سلة التسوق إلى خزان الوقود، طال ارتفاع الأسعار غالبية المناطق ونصحت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الدول بتقديم مساعدات «مؤقتة وفي الوقت المناسب ومحددة الأهداف» إلى الأسر والشركات التي تواجه صعوبات وكذلك بتعاون دولي أفضل.
وعلى غرار البنك الدولي، اعتبرت المنظمة أن ضغوط التضخم ستتراجع في العام المقبل، لكنها حذرت من أن لا شيء أكيداً، نظراً إلى الظروف المتغيرة جداً. وقالت: «قد يتبين أن الضغوط التضخمية أقوى مما كان متوقعاً»، مضيفة أن «عدم اليقين المحيط بهذه التوقعات كبير».
وعرضت فرضيات توقف مفاجئ في صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا أو ارتفاع أكبر في أسعار الطاقة أو استمرار الاضطرابات في سلاسل التوزيع. كذلك، أشارت المنظمة إلى أن الارتفاع الكبير للتضخم يمكن أن يؤدي إلى رفع حاد لنسب الفوائد لدى المصارف المركزية.
هل هذا يثير مخاوف من ركود عالمي؟ استبعدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا هذه الفرضية في منتدى دافوس في نهاية مايو (أيار) الماضي. ولا يذكر تقرير منظمة الأمن والتعاون كلمة «ركود» إلا مرة واحدة؛ وهي مرتبطة بالتهديد الذي يشكله على أوروبا في عام 2023 احتمال توقف إمدادات الطاقة الروسية.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».