اتهامات للحكومة السورية بالمساهمة في فقر المواطن بعد رفع أجور الاتصالات

خبراء يقولون إن مداخيل المواطنين وحوالاتهم يتم تحويلها إلى مصدر تمويل رئيسي لخزينة الدولة

سوريون يتسوقون في إحدى أسواق دمشق القديمة أول من أمس (أ.ف.ب)
سوريون يتسوقون في إحدى أسواق دمشق القديمة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

اتهامات للحكومة السورية بالمساهمة في فقر المواطن بعد رفع أجور الاتصالات

سوريون يتسوقون في إحدى أسواق دمشق القديمة أول من أمس (أ.ف.ب)
سوريون يتسوقون في إحدى أسواق دمشق القديمة أول من أمس (أ.ف.ب)

عمّ استياء كبير أوساط شرائح واسعة من سكان مدينة دمشق، مع استمرار الحكومة السورية برفع عموم الأسعار وخصوصاً منها أجور الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين، في ظل اتهامات بأن الحكومة تسهم في مفاقمة حالة الفقر الشديد التي يرزح السوريون تحت وطأتها. ولفت خبراء إلى أن الحكومة وفي ظل الوضع الاقتصادي والمالي الصعب الذي تعاني منه، حوّلت مداخيل المواطنين الشهرية إلى مصدر تمويل رئيسي لخزينتها، بسبب التراجع الحاد وشبه التام لمصادر التمويل وعجزها عن تمويل الاحتياجات الأساسية لهم.
ورغم طغيان مشهد تأزم الوضع المعيشي للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة، واصلت الأخيرة توجيه الضربات الموجعة لهم، إذ أعلنت «الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد»، في بيان مؤخراً، رفع أسعار الخدمات الأساسية المُقدمة من شركتي الخلوي «سيريتل» و«MTN» و«الشركة السورية للاتصالات» الحكومية بنسبة 50 في المائة اعتباراً من بداية يونيو (حزيران) الجاري، وذلك بعد أيام قليلة من رفع وزارة الداخلية رسوم إصدار جواز السفر «الفوري» إلى 300 ألف ليرة سورية، بدل 102 ألف ليرة، والذي سبقه رفع أسعار مادتي البنزين والمازوت غير المدعومتين، حيث تم تحديد سعر البنزين (أوكتان 90) بـ3500 ليرة، للتر الواحد، بعدما كان 2500، و(أوكتان 95) بـ4000 ليرة، بعدما كان 3500 ليرة، فيما رفعت سعر مادة المازوت الصناعي والتجاري من 1700 ليرة إلى 2500 للتر.
وقُوبل قرار «الهيئة» باستياء كبير من الأهالي في دمشق، لأن المواطن «منهَك أصلاً» بسبب الارتفاع الجنوني المتواصل لعموم الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، إذ بات المرتب الشهري لا يكفى إلا لثلاثة أو أربعة أيام، حسبما يقول (م. ر) الموظف في شركة خاصة لـ«الشرق الأوسط». ويؤكد هذا الموظف أن «معظم العائلات أفرادها باتوا يعيشون على وجبة واحدة في اليوم، فيما يأكل بعضهم الخبز فقط». ويضيف «معظم العائلات بحاجة ماسّة إلى الإنترنت لأن لها أولاداً وأقارب في الخارج وتتحدث معهم بشكل شبه يومي، وفي ظل القرار الجديد باتت كل عائلة تحتاج إلى مرتب شهري خاص للاتصالات».
أما (س.ن) الذي يعمل في مجال البحوث والدراسات، فقد صبّ جامّ غضبه على الحكومة واتهمها بالمساهمة بشكل كبير في تجويع الناس وزيادة فقرها عبر قراراتها، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعرف (الحكومة) جيداً أن الناس تعاني من وضع معيشي قاهر، ورغم ذلك كل يوم تصدر قراراً برفع أسعار المواد والخدمات، بمعنى أنها تقول للمواطن: دبّر راسك بنفسك».
- مستقبل كارثي
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، قد حذّر، في بيان صدر مؤخراً، من تفاقم أزمة الغذاء في سوريا جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ800 في المائة خلال العامين الماضيين، مما تسبب بوصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.
ويترافق ارتفاع الأسعار مع تدهور مستمر لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، إذ يصل حالياً إلى نحو 4 آلاف ليرة، بعدما كان في العام 2010 قبل اندلاع الحرب ما بين 45 و50 ليرة. ولم تسهم الزيادات على رواتب الموظفين ولو بشكل بسيط في ردم عمق الفجوة بين دخل العائلة الشهري وقيمة ما تتطلبه من احتياجات، ذلك أن مرتب موظف الدرجة الأولى لا يتجاوز 150 ألف ليرة، في حين باتت الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تحتاج إلى أكثر من مليوني ليرة في الشهر الواحد لتعيش في وضع وسط.
وقال عبد الرحمن الجعفري، عضو مجلس الشعب، في مداخلة أخيرة بجلسة للمجلس، إن «الحكومة تعيش بانفصال عن الواقع ويتجلى ذلك بموضوع الرواتب والأجور، والذي هو الهاجس الأكبر للمواطن في سوريا اليوم حيث أصبحت الهوة بين الدخل والمصروف أكبر من قدرة المواطن على التحمل وأصبحت الرواتب والأجور غير منصفة على الإطلاق مقارنة بأعباء المعيشة».
وقال خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إنه في ظل الوضع الاقتصادي والمالي المنهار في مناطق سيطرة الحكومة والذي يزداد صعوبة يومياً والعجز عن ترميمه بسبب انعدام الإنتاج بعد دمار أغلب المعامل والمصانع وخروج معظم حقول النفط والغاز والأراضي الزراعية ذات المحاصيل الاستراتيجية عن سيطرتها وانحسار السياحة، تراجعت إلى حد كبير واردات خزينة الحكومة وباتت شبه معدومة. وأضاف: «في ظل هذا الوضع ترفع الحكومة بشكل مستمر الأسعار والضرائب وأجور الخدمات، بمعنى أنها حوّلت مداخيل المواطنين الشهرية والحوالات التي تصل إليهم من الخارج إلى مصدر تمويل رئيسي لخزينتها».
- تبريرات
وذكرت «الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد»، في بيان، أن قرارها يأتي «استجابةً ضروريةً لتتمكن شركات الاتصالات من تنفيذ المشاريع المطلوبة منها (صيانة، تأهيل...) إضافةً إلى الإيفاء بالتزاماتها المالية بالقطع الأجنبي لشركات مزودي الخدمة العالمية، في ظل ارتفاع كبير بأسعار الطاقة».
وتحتكر «سيريتل» و«MTN» منذ أكثر من عشرين عاماً سوق الاتصالات الخلوية في سوريا بعقود طويلة الأجل قابلة للتمديد، وذلك بالشراكة مع «المؤسسة العامة للاتصالات» الحكومية وفق نظام الـ«B.O.T» ووصل عدد المشتركين فيهما إلى نحو 16 مليوناً، حسبما ذكر إياد الخطيب وزير الاتصالات مؤخراً.
ويعاني المشتركون في خدمات «سيريتل» و«MTN» و«الشركة السورية للاتصالات» منذ عدة سنوات من رداءة خدمات الاتصالات والإنترنت، وتفاقم الأمر أكثر في السنوات الأخيرة مع فترات الانقطاع الطويلة للتيار الكهربائي وصعوبة تأمين الوقود، إذ يشهد الكثير من المناطق في دمشق وبقية المحافظات غياباً شبه كلّي لهذه الخدمات.
وأشارت «الهيئة» في البيان إلى أنه في إطار عملها لضمان استمرار عمل شركات الاتصالات وخدماتها بما يتناسب مع الظروف الحالية الناتجة عن تداعيات «قانون قيصر» وارتفاع سعر الصرف، من دون أن تشكّل أعباءً ثقيلة إضافية على المواطنين، وبعد مفاوضات عدة جرت خلال الفترة الماضية ما بين «الهيئة» والمشغلين من شركتي «سيريتل» و«MTN» و«الشركة السورية للاتصالات» بناءً على طلب مقدّم من الشركات، تمت الموافقة رفع الأسعار.
وفي حين شددت «الهيئة» على أن قرارها «لا يستند بالمُطلق إلى دوافع ربحية وهو يهتم بشكل أساسي بضمان استمرار توفر خدمات الاتصالات»، تؤكد الإفصاحات المنشورة على موقع «سوق دمشق للأوراق المالية» أن «سيريتل» و«MTN» ربحتا منذ عام 2016 وحتى الربع الثالث من عام 2021 نحو 317 مليار ليرة سورية. وسبق أن رفعت «السورية للاتصالات» و«سيريتل» و«MTN» في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي أجور الخدمات للهاتف الثابت والخلوي وخدمة الإنترنت المنزلي، بنسب تراوحت بين 40 و110 في المائة.
وتم رفع أسعار الخدمات حينها من 13 إلى 18 ليرة لدقيقة خطوط الهواتف الخلوية مسبقة الدفع ومن 11 إلى 15 ليرة لخطوط لاحقة الدفع، ورفع باقات الإنترنت والخدمات المقدمة بنسبة وسطية تصل إلى 45 في المائة.


مقالات ذات صلة

«اجتماع عمّان» لوضع خريطة للحل في سوريا

المشرق العربي «اجتماع عمّان» لوضع خريطة للحل في سوريا

«اجتماع عمّان» لوضع خريطة للحل في سوريا

اتفق الاجتماع الوزاري العربي، الذي التأم في العاصمة الأردنية عمّان أمس، على تشكيل فريق من الخبراء من جميع الدول المشاركة، لوضع خريطة طريق باتجاه التوصل إلى حل في سوريا. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحافي، بعد الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن وسوريا، إن الاجتماع أطلق مساراً سياسياً جديداً محدد الأجندة، يسهم في حل الأزمة، وهو بداية للقاءات ستتابع للوصول إلى حل للأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية.

المشرق العربي عقوبات أوروبية على كيانات سورية

عقوبات أوروبية على كيانات سورية

أعلن الاتحاد الأوروبي، الاثنين، فرض حزمة عقوبات جديدة ضد أفراد ومنظمات على صلة بالنظام السوري. وذكر «الاتحاد»، في بيان نشرته الحكومة الهولندية، أن حزمة العقوبات تشمل مسؤولين من النظام السوري متورطين في تهريب المخدرات على نطاق واسع، وعقوبات ضد مسؤولين عن «قمع الشعب وانتهاك حقوق الإنسان»، وعقوبات تتعلق بصفقات اقتصادية مع روسيا يعدّها الاتحاد «مضرة» بالشعب السوري. وقرر «مجلس الاتحاد» إدراج 25 فرداً و8 كيانات في إطار الإجراءات التقييدية للاتحاد الأوروبي في ضوء الوضع في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي المبعدون من لبنان... تنتظرهم حواجز النظام

المبعدون من لبنان... تنتظرهم حواجز النظام

يتربص بالباحثين السوريين عن ملاذ آمن هرباً من الأوضاع الكارثية داخل سوريا، مهربون يتقاضون مبالغ مادية لتهريب من يريد إلى لبنان، ووفقاً لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن العشرات من السوريين الذين دخلوا لبنان خلسة، تم ترحيلهم من قبل السلطات اللبنانية خلال الأيام والأسابيع القليلة الفائتة. وحسب «المرصد»، فإن أجهزة النظام الأمنية وحواجزه على الحدود السورية - اللبنانية، اعتقلت أكثر من 39 شخصاً من الذين جرى ترحيلهم من الأراضي اللبنانية منذ مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، بذرائع كثيرة، غالبيتها لتحصيل إتاوات مالية بغية الإفراج عنهم. وقبل أيام معدودة، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، شابين يتح

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي سوريا: مليون دولار وأسلحة في «مزرعة البغدادي» بالرقة

سوريا: مليون دولار وأسلحة في «مزرعة البغدادي» بالرقة

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأن وحدة مشتركة من «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات الأميركية، عثرت على أموال وذهب خلال الأيام الفائتة، في مزرعة واقعة بمنطقة «كسرة فرج» في أطراف الرقة الجنوبية، وتعرف باسم «مزرعة البغدادي»، وذلك لأن أبو بكر البغدادي كان يمكث فيها إبان قيادته تنظيم «داعش» الإرهابي على المنطقة. ووفقاً للمرصد، فإن المداهمة جاءت بعد معلومات للأميركيين و«قسد» بوجود مخبأ سري، حيث عُثر عليه بالفعل وبداخله 3 غرف مموهة بشكل دقيق، وفيها 4 براميل مملوءة بكميات كبيرة من الذهب وأموال تقدر بنحو مليون دولار أميركي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الكويت تنفي تقارير حول زيارة مزمعة لوزير خارجيتها إلى سوريا

الكويت تنفي تقارير حول زيارة مزمعة لوزير خارجيتها إلى سوريا

نفت وزارة الخارجية الكويتية، اليوم (الثلاثاء)، تقارير إعلامية عن اعتزام الوزير سالم عبد الله الجابر الصباح زيارة سوريا الخميس المقبل، حسبما أفادت «وكالة أنباء العالم العربي». وأكدت الوزارة في بيان «عدم صحة ما تم تداوله من قبل صحف محلية ووكالات» عن القيام بهذه الزيارة، وشددت على «ضرورة تحري الدقة وأخذ المعلومة من مصادرها الرسمية والموثوقة». وكانت صحيفة «القبس» الكويتية قد نقلت في وقت سابق اليوم عن مصدر حكومي لم تسمه، القول إن وزير الخارجية الكويتي سيقوم بزيارة رسمية لسوريا يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
TT

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الأحد، عن فقدان المنظومة الكهربائية 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، ما سيؤدي إلى تراجع توفير الطاقة الكهربائية للمؤسسات الحكومية والمواطنين بنحو 20 في المائة. وأوضحت الوزارة أن إنتاجها من الكهرباء تجاوز 27 ألف ميغاواط في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ورغم أن الوزارة عزت «التوقف المفاجئ» إلى «أغراض الصيانة»، فإن مصادر مطلعة على ملف الكهرباء ترجح أن السبب الرئيسي يعود إلى «أسباب مالية»، حيث إن بغداد مدينة لطهران بأكثر من 10 مليارات دولار، لكنها تجد نفسها غير قادرة على سدادها بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

وأكدت وزارة الكهرباء في بيان، الأحد، «توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً (وفقاً للجانب الإيراني) عن بغداد والمنطقة الوسطى ومحافظات الفرات الأوسط، مما أدى إلى فقدان المنظومة 5500 ميغاواط».

وأضافت الوزارة أنه «كان من المتفق عليه أن تكون إمدادات الغاز اليوم الأحد بواقع 25 مليون متر مكعب يومياً، ولكن الكمية المدفوعة حالياً هي 7 ملايين متر مكعب، تم تحويلها من بغداد والوسط إلى المنطقة الجنوبية».

أكدت الوزارة أنها «ستعزز التنسيق مع وزارة النفط لتعويض ما فقدته المنظومة من الغاز، وأنها تنفذ حالياً خططها الاستراتيجية والطارئة لرفع قدرات المنظومة الكهربائية الوطنية في جميع قطاعاتها (الإنتاج، والنقل، والتوزيع)».

كما أشارت الوزارة إلى أنها «تعيد العمل بالمشاريع المتلكئة والمتوقفة منذ سنوات عديدة لاستحصال طاقات توليدية كانت ضائعة وغير مستغلة لتحسين الإنتاج ورفع معدلاته بما يناسب استقرار التجهيز، معتمدة في ذلك على جزء من تشغيل محطاتها الإنتاجية بالغاز الوطني، وجزء آخر بالوقود الوطني، وآخر بالغاز المستورد، ريثما تكتمل مشاريع الحكومة العاملة على تأهيل حقول الغاز الوطنية».

وتحدثت عن أنها «ستنسق مع وزارة النفط بشكل أكبر لتعويض ما خسرته المنظومة من غاز». ومعروف أن الغاز المستثمر في الحقول العراقية لا يغطي حاجة محطات توليد الكهرباء.

العقوبات الأميركية

ويميل مصدر مطلع على ملف الكهرباء إلى «الاعتقاد بأن القرار الإيراني المفاجئ مرتبط بمطالبات إيران المالية من العراق».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران لا تقوم بإيقاف إمدادات الغاز في هذه الأوقات من السنة في العادة، لأنها ليست أوقات الذروة والأحمال بسبب اعتدال الأجواء المناخية حتى الآن، أغلب الظن أن الأمر مرتبط بالأموال، خاصة ونحن نعلم أن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة إلى العراق لم تنجح في حل هذه المشكلة».

ولا يستبعد المصدر أن «يرتبط الضغط الإيراني الجديد على العراق بهدف الحصول على أموالها لمواجهة أزمتها الاقتصادية واستثمارها في الحرب مع إسرائيل، وكذلك مواجهة تداعيات عملتها الأخيرة».

كانت أخبار تحدثت عن مفاوضات صعبة خاضها بزشكيان خلال زيارة إلى بغداد في سبتمبر (أيلول) الماضي، وذكرت أنه «عرض على العراق أن يتم تسليم الديون عبر عُملة مشتركة»؛ الأمر الذي رفضته بغداد لخشيتها من العقوبات الأميركية، وجراء هذه الخشية يلتزم العراق بالاتفاقيات السابقة التي تتضمن تسليم الديون، من خلال «شراء سلع غير خاضعة للعقوبات مثل النفط الأسود ومنتجات أخرى».

وتراكمت ديون إيران بذمة العراق، التي تتراوح بين 10 و15 مليار دولار منذ أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران نهاية عام 2018، إثر انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي، لكن واشنطن أعطت بعض الاستثناءات للجانب العراقي خلال السنوات الماضية لتسديد بعض من تلك الديون وخاصة في فترات الصيف التي يتصاعد فيها الطلب على الكهرباء، ومع عدم قدرة المحطات العراقية العمل من دون الغاز الإيراني.

وبهدف التغلب على مشكلة العقوبات المفروضة ضد إيران وتنويع العراق لمصادر استيراده للغاز، أعلنت وزارة الكهرباء في أكتوبر الماضي أنها «وقعت عقداً مع تركمانستان لتوريد 20 مليون متر مكعب من الغاز إلى العراق يومياً، بيد أن العقد لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن».

وقال وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، نهاية أكتوبر الماضي، إن «كميات الغاز المستوردة تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً خلال فصل الصيف، سوف تؤمن من تركمانستان 20 مليون متر مكعب يومياً، والمتبقي من ضمن عقد الغاز الإيراني الذي مدته 5 سنوات».

نقص إمدادات الطاقة بإيران

في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أعلنت السلطات الإيرانية عن خطة لترشيد استهلاك الكهرباء في طهران وعدة محافظات أخرى، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات. وتشمل الخطة قطع الكهرباء في مناطق مختلفة من العاصمة لمدة ساعتين يومياً بين الساعة السابعة صباحاً والخامسة مساءً، حسبما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.

وأوضحت الشركة العامة لتوزيع الكهرباء أن القرار جاء نتيجة «محدودية إمدادات الغاز المستخدم وقوداً في المحطات»، إضافة إلى مرسوم حكومي يمنع استخدام المازوت في بعض المحطات الكهربائية. ولم تُحدّد السلطات مدة تطبيق الخطة.

على مدى السنوات الأخيرة، واجهت العديد من المدن الإيرانية الكبرى مشكلة التلوث الناتج عن رداءة المازوت المستخدم في المحطات، وفقاً لخبراء. وللحد من هذه الأضرار، أمرت الحكومة بوقف استخدام المازوت في ثلاث محطات كهرباء في أراك وأصفهان (وسط البلاد) وكرج (غرب طهران) حفاظاً على صحة المواطنين.

يُذكر أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف، أثارت استياءً شعبياً واسعاً. ففي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت السلطات عن تقليص ساعات العمل في المؤسسات العامة إلى النصف لعدة أيام لتوفير الطاقة.