لبنان يدعو الوسيط الأميركي لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود

أعلن لبنان أمس (الأحد) أنه سيدعو الوسيط الأميركي في عملية ترسيم الحدود البحرية أموس هوكشتاين للعودة إلى بيروت، وسط أجواء من الترقب فرضتها معلومات عن وصول باخرة تنقيب يونانية إلى منطقة متنازع عليها مع إسرائيل.
وبدا لافتاً صمت «حزب الله» كما رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلافاً للصخب الإعلامي الذي يواكب وصول الباخرة، انطلاقاً من تهديدات سابقة أطلقها الحزب باستهداف أي عملية تنقيب في المنطقة المتنازع عليها.
وأكد مرجع لبناني لـ«الشرق الأوسط» أن «الأولوية حالياً هي لعودة الوسيط الأميركي للبدء فيما اتفق عليه من ترسيم للحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي»، معتبراً أن «من السابق لأوانه إطلاق التهديدات بهذا الخصوص». غير أن المرجع غمز من قناة الموفد الأميركي «الذي يزور لبنان ليومين ثم يختفي لأشهر»، ومنبهاً إلى أنه «في حال لم يأتٍ الوسيط قريباً، فإن الأمور سوف تتدحرج في اتجاه خطير للغاية».
ولا تزال قضية دخول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي «إنرجان» إلى المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل عند الحدود البحرية، تأخذ حيزا من الاهتمام الرسمي والشعبي في لبنان. وكانت أمس محور متابعة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اللذين اتفقا على دعوة الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين للحضور إلى بيروت للبحث في مفاوضات ترسيم الحدود.

                                              خلف يعرض خريطة تظهر حدود لبنان البحرية (إ.ب.أ)
وقالت رئاسة الجمهورية في بيان إن «عون ناقش مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة محاولات العدو الإسرائيلي توتير الأوضاع على الحدود البحرية الجنوبية».
ولفت البيان إلى «توافق الرئيسين عون وميقاتي على دعوة الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين للحضور إلى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على إنهائها في أسرع وقت ممكن، وذلك لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار الذي تعيشها المنطقة»، مشيراً إلى أنه «تقرر القيام بسلسلة اتصالات دبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، وللتأكيد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أي أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازاً وعملا عدوانيا يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية التي تتم بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، وفق ما ورد في المراسلات اللبنانية إلى الأمم المتحدة والمسجلة رسمياً».
وأوضحت مصادر رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطوة الأولى في هذا الاتجاه ستكون عبر الاتصال بالوسيط الأميركي للطلب منه لاستئناف المساعي لتحريك المفاوضات بحيث إنه إذا كان هناك تجاوب من إسرائيل، يفترض أن يتم إيقاف عمل الباخرة، وإذا لم يحصل التجاوب يبنى عندها على الشيء مقتضاه»، كاشفة في الوقت عينه على «أن الباخرة لم تصل إلى المنطقة المتنازع عليها وبالتالي لم تبدأ أعمال الحفر، وفق ما أبلغتنا قيادة الجيش بناء على معلومات من قبل عدد من دول صديقة قامت بمراقبة تحركها».
بو حبيب
وأوفد عون وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب لزيارة الرئيس بري ووضعه في أجواء الاتصالات. وقال بو حبيب بعد اللقاء: «لا شك أن مجيء السفينة اليونانية إلى حقل كاريش يمثل تحديا قويا لنا خاصة أنه لا ترسيم للحدود بعد وليس معلوما إذا ما كان الحفر هو في الحدود الفلسطينية المحتلة أو في الحدود اللبنانية المختلف عليها. لذلك سبب الفوضى هذه أن الوسيط الأميركي لا يأتي وإذا ما أراد الأميركيون أن يكونوا وسطاء، فعلى الوسيط الأميركي أن يكون هنا، ويجب أن يأتي ويقوم بزيارات مكوكية من أجل التوصل إلى اتفاق، ومن ثم كل واحد يعرف أين هي حدوده وكل واحد يعمل ضمن هذه الحدود»، مشيرا إلى أنه لم يتبلغ حتى الآن بموعد زيارة هوكشتاين.
وعما إذا كان هناك من خطوات لبنانية يجب أن تتخذ لوقف إسرائيل عند حدها، أجاب بو حبيب: «لا نريد أن نقوم بحرب والسفينة لا تعني أنه بات لديهم الحق لكن هناك فوضى في المنطقة وفي لبنان وهي غير مقبولة وخلال هذين اليومين يجب أن نعرف ماذا سيفعل الأميركيون»، نافياً «أن يكون لبنان قد قدم ضمانات للشركة اليونانية».
نواب «التغيير»
وتلقي هذه القضية في لبنان ردود فعل شعبية وسياسية حيث تصاعدت المطالب الداعية السلطات المعنية للقيام بواجبها. وفي هذا الإطار عقد نواب «قوى التغيير» مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب، أكدوا خلاله حق لبنان بما يعرف بالخط 29 (الذي يطالب بمساحة إضافية من المساحات البحرية وترفضه إسرائيل) وضرورة قيام الدولة اللبنانية بواجبها لجهة توقيع المرسوم المتعلق به. وقال باسمهم النائب ملحم خلف إن «امتناع السلطة التنفيذية عن القيام بواجباتها تجاه هذه القضية المصيرية، يضعها تحت مجهر المساءلة في مجلس النواب وأمام الرأي العام، خصوصاً أن الامتناع عن تعديل المرسوم 6433-2011 وعدم إرساله إلى دوائر الأمم المتحدة بعد التعديل يثير التساؤلات». ودعا إلى أهمية اتخاذ موقف رسمي واضح يتناول الحفاظ على حقوق لبنان عبر الطلب من السلطة التنفيذية تعديل المرسوم وفق مقترحات قيادة الجيش اللبناني واعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23 المحدد اعتباطاً ومن دون أي سند قانوني وإيداعه لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة كما من السلطة التنفيذية توجيه كتاب إنذار للشركة «إنرجان» أو أي شركة أخرى قد تتعاقد مع العدو لاستخراج الغاز والنفط من ضمن المنطقة المشمولة بالخط (29)، مشدداً «على ضرورة تقديم شكوى ضد العدو الغاصب أمام مجلس الأمن بسبب إعطائه الإذن باستخراج النفط والغاز من حقل مشمول بالخط (29)، مما يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر»، إضافة إلى توجيه «رسالة اعتراض ضد إسرائيل إلى الأمين العام للأمم المتحدة».
وحذر خلف أنه في حال التقاعس عن تعديل المرسوم «سنقوم كنواب قوى التغيير مع من يرغب من الزملاء النواب بتقديم اقتراح قانون معجل مكرر لتعديل القانون بغية اعتماد الخط (29) كخط رسمي لتحديد الحدود الجنوبية للمناطق البحرية اللبنانية، وفي حال الإمعان بالتقاعس عما يوصلنا إلى النتيجة المرجوة سنطالب بتأليف لجنة تحقيق برلمانية تدرس هذا الملف بكل تفاصيله باعتباره قضية استراتيجية كبرى تتعلق بالأمن الوطني اللبناني وحقوق لبنان الاستراتيجية والسيادية، على أن تقوم هذه اللجنة بوضع الجهات المعنية المرتكبة تحت المساءلة». ودعا النواب «التغييريون» الشعب اللبناني إلى «وقفة تضامنية في الناقورة (أقصى جنوب لبنان) السبت المقبل للمطالبة بتعديل المرسوم تكريساً لحقوقنا الوطنية».
وتوقفت المفاوضات التي انطلقت في الناقورة جنوب لبنان، مقر الأمم المتحدة، بين الطرفين عام 2020 بوساطة أميركية في مايو (أيار) من العام الماضي، جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها التي كان يفترض أن تقتصر على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومتراً مربعة، بناء على خريطة أرسلت في 2011 إلى الأمم المتحدة. لكن لبنان اعتبر لاحقاً أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعة وتشمل أجزاء من حقل «كاريش» الذي تعتبره إسرائيل يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها وليس في المنطقة المتنازع عليها.
وفي موازاة توقف مفاوضات الناقورة تولى هوكشتاين مهمة المباحثات الدبلوماسية وقد قام بجولته الأولى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملها في شهر مارس (آذار) الماضي، حيث قدم عرضاً ورفضه لبنان معلناً التمسك باستكمال المفاوضات.
وأول من أمس الأحد، أعلنت شركة إنرجان ومقرها لندن في بيان لها عن وصول سفينة وحدة إنتاج وتخزين الغاز الطبيعي إلى موقعها في كاريش. وقالت إنها تعتزم بدء تشغيلها في الربع الثالث من العام، ما أثار تنديداً لبنانياً واسعاً.
وأكدت وزارة الطاقة الإسرائيلية أنه تمّ الانتهاء من الحفر الفعلي قبل أشهر عدة وأن عملية الاستخراج ستكون التالية، معتبرة أن وصول السفينة هو خطوة في هذا الاتجاه.
وندد مسؤولون لبنانيون عدة الأحد بما وصفوه بـ«التحدي» الإسرائيلي، فيما لم يصدر بعد أي تعليق رسمي عن حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد التي سبق وأعلنت أنها لن تتدخل في مفاوضات الترسيم.
لكن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله أكد في كلمة في التاسع من مايو أن حزبه قادر على منع إسرائيل من التنقيب واستخراج النفط من المنطقة المتنازع عليها. وقال إنه «لن تجرؤ شركة في العالم أن تأتي إلى كاريش أو إلى أي مكان في المنطقة المتنازع عليها إذا أصدر حزب الله تهديداً واضحاً جدياً في هذه المسألة»..