بالتصفيق الحار، ومزيج من الدهشة والانبهار، احتفى عشاق السينما بالتجارب السعودية الجديدة لصناع الأفلام الواعدين في هذا المجال، خلال عروض مهرجان أفلام السعودية في الظهران، الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالشراكة مع جمعية السينما ودعم هيئة الأفلام، حيث بدأت العروض السينمائية مساء الأول من أمس، بحضور جماهيري كبير، متعطش للوقوف على ما وصلت إليه صناعة السينما السعودية من نهوض لافت.
وسيطرت حالة من الرضا الواضح على مجموعة من النقاد الذين التقتهم «الشرق الأوسط»، مشيدين بتجارب صناع الأفلام التي اهتمت كثيراً بقصص المهمشين ممن يكافحون لتحقيق ذاتهم والتغلب على الصراعات التي تواجههم، بداية من فيلم الافتتاح «رقم هاتف قديم» مروراً ببقية الأفلام، مثل «عثمان» و«نور شمس» وغيرها، في ظل الكثافة الغزيرة للعروض السينمائية للمهرجان هذا العام، بعرض 80 فيلماً خلال ثمانية أيام فقط، تمتد حتى الخميس التاسع من يونيو (حزيران).
جيل واعد
يقول الناقد السينمائي خالد ربيع السيد، الذي التقته «الشرق الأوسط» خلال المهرجان، أنه حضر 9 أفلام خلال أول يوم لبدء عروض المهرجان (الجمعة)، مضيفاً: «بشكل عام، المستوى جيد، ونلمس تحسناً كبيراً مقارنة بالدورتين السابقتين، حيث أصبح لدينا الآن لغة جديدة، ومن الواضح أن صناع الأفلام الشباب تطوروا واستفادوا من تجاربهم السابقة».
بسؤاله عن الأفلام التي استوقفته، يجيب «فيلم (عثمان) جميل جداً، من حيث أداء الممثل والموضوع والحس الكوميدي الحاضر، وكذلك أعجبني فيلم (نور شمس) وهو في غاية الروعة، وأثر بنا كثيراً أداء الممثلة والموضوع واللغة السينمائية الرائعة». وأشاد الناقد أيضاً بفيلم «أرجيحة» باعتباره فيلماً موسيقياً، ويتابع: «هو طابع جديد لم نعتد عليه في السينما السعودية، وتم تنفيذه بشكل رائع».
ويرى خالد ربيع السيد أن المواهب السينمائية في الدورة الثامنة من المهرجان قادمة بقوة، وتشترك جميعها في موضوع واحد، في أنها ما زالت متكررة من حيث الاشتغال على موضوعات قريبة منهم شخصياً ومحاولة التقاط قصص المهمشين، مستشهداً في ذلك بفيلم «عثمان»، الذي يحكي قصة شخص مهمش يعمل حارس أمن.
ويردف: «كذلك استوقفني فيلم (اندماج)، وجدته في غاية الروعة، فمن اللحظة الأولى نشهد نوعاً من التوتر، بعكس بقية الأفلام التي تبدأ ببرود، لكن في هذا الفيلم وجدنا منذ الدقائق الخمس الأولى أنها تشد المشاهد، وتدخله مباشرة في الصراع، ويستمر هذا الإيقاع في التصاعد، ليتزايد الصراع وترتفع طبقات الأداء الدرامي بشكل شيق».
«أرجيحة»
ووقوفاً على إحدى التجارب، التقت «الشرق الأوسط» مع رنيم المهندس، وهي مخرجة فيلم «أرجيحة»، التي عبرت عن سعادتها البالغة بهذا الاحتفاء الجماهيري بفيلمها الذي يعرض لأول مرة، قائلة: «لأول مرة أعيش تجربة العرض في قاعة مليئة بالسينمائيين والنقاد وأشخاص يقدرون الفن». وتحكي رنيم المهندس أجمل موقف عاشته في هذه اللحظة في منتصف الفيلم، حيث وقف الجمهور ليصفق بعد مونولوج لبطلة الفيلم الطفلة لين السريحي، مدته 5 دقائق، وتم تصويره في جلسة واحدة، معبرين عن انبهارهم.
تقول رنيم المهندس: «في هذا المشهد تعيش الفتاة 5 مراحل مشاعرية مختلفة، وفور انتهاء الحوار تفاجأت بالتصفيق الحار، وعرفت هنا أن الحاضرين هم ممن يقدرون كثيراً ما حدث وهذا شيء تدربنا عليه لمدة شهر كامل، لذا أسعدتني هذه اللحظة، وهي أقوى لحظتها عشتها أنا وأختي دانة المهندس، شريكتي في الفيلم».
سوق الإنتاج
ولا يقتصر المهرجان على عروض الأفلام فقط، بل يجد صناع الأفلام فيه ضالتهم نحو تمويل وإنتاج أفلامهم، وهي فرصة يقدمها لهم سوق الإنتاج في المهرجان، والذي يضم مجموعة من أكبر الجهات التي تهتم بعرض واستقطاب المشاريع السينمائية، إلى جانب الجلسات الحوارية ومنها جلسة «تنمية وتطوير قطاع الأفلام»، مساء الأول من أمس، وجمعت ممثلي كل من: مركز إثراء، وهيئة الأفلام، وصندوق التنمية الثقافي، وشركة نيوم، للحديث عن المستقبل الواعد لدعم المواهب الوطنية في صناعة الأفلام.
وأوضح مدير الفنون المسرحية والأدائية في «إثراء» ماجد زهير سمّان، خلال الجلسة، أن دعم المواهب أحد ركائز العمل التنموي لأي قطاع، وفيما يخص قطاع إنتاج الأفلام والسينما، أكد اهتمام إثراء بصفته وجهة عالمية تدعم الثقافة والمبدعين بأدوات إبداعية، مستشهداً بفيلم «طريق الوادي»، الذي تم الانتهاء من تصويره أخيراً، فمن خلال الفيلم وغيره من الأفلام التي عمل «إثراء» على إنتاجها قدّم العديد من وجوه الدعم سواء لمواقع التصوير أو المهتمين في صناعة تلك الأفلام وغيرها من قطاعات تم تشغيلها خلال فترة التصوير والإنتاج.
حيث يحرص المركز على تقديم كلّ الدعم اللازم لصنّاع الأفلام على جميع الأصعدة، بالإضافة إلى الحرص على إعداد وتأهيل شباب سعودي للنهوض بالقطاع بشكل متكامل.
من جانبه، أبان المدير العام لقطاعات الإعلام والترفيه والثقافة من شركة نيوم واين بورغ خلال الجلسة التي أدارها محمد الفرج، بأن «(نيوم) تعمل حالياً على رفع برامج التدريب والتطوير لتهيئة الكفاءات والموهوبين من الشباب لتلبية احتياج السوق المحلية، بما يقود صناعة السينما إلى المنافسة العالمية، بهدف إرساء السينما كقطاع استثماري واعد داخل المملكة، لا سيما أن القطاع يشهد نمواً متسارعاً في ظل توفر أوجه الدعم والتعاون بين الجهات التي باتت تنّفذ أعمالها بمنظومة تكاملية»، مؤكداً أن دعم الجوانب الإبداعية للمهتمين يحقق أعلى معايير الدعم اللوجيستي والمادي، علاوة على طرح برامج تدريب وتطوير تتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية.