أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

كاثوليكي وعمالي اشتراكي وشغوف برياضة الرغبي

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة
TT

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

كانت أول مناسبة سياسية دولية يشارك فيها رئيس وزراء أستراليا الجديد أنطوني ألبانيزي، بعد فوز حزبه في الانتخابات العامة الأخيرة، مشاركته في قمة «كواد» الرباعية الأمنية التي استضافتها العاصمة اليابانية طوكيو، وحضرها قادة كل من الولايات المتحدة واليابان والهند، بجانب الزعيم الأسترالي الجديد. والواقع أن ألبانيزي، الذي قاد حزب العمال إلى الفوز في تلك الانتخابات، أدى اليمين قبل يوم واحد فقط من وصوله الى العاصمة اليابانية. في طوكيو لقي ألبانيزي ترحيباً حاراً في أول قمة رباعية له، بعد يوم واحد من توليه الحكم. وفي العاصمة اليابانية ناقش مع القادة الثلاثة تغير المناخ وأبرز التحديات التي تواجه منطقة المحيطين الهندي والهادي. ولكن المناسبة لم تفت الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال في كلمته الافتتاحية، رئيس الوزراء الأسترالي الجديد «لقد أديت القَسم وركبت الطائرة، بالتالي، وإذا غفوت أثناء وجودك هنا، فلا بأس».
كان رئيس الوزراء الأسترالي الجديد أنطوني ألبانيزي مرتاحاً في حواراته مع الرئيس الأميركي جو بايدن والزعيمين الآخرين في قمة «كواد» الأمنية الرباعية، أي رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي. وحرص على أن تكون ملاحظاته الافتتاحية قد قدمت دعماً كاملاً للشراكة الأمنية أثناء الإعلان عن رسالة جديدة بشأن تغير المناخ. وعلى عكس سلفه المحافظ سكوت موريسون، قال ألبانيزي، إن العمل بشأن المناخ كان جزءاً أساسياً من تعزيز التحالفات في المحيط الهادي، ومن ضمنها موضوع التعامل مع الصين.
من جانب آخر، كان ألبانيزي استحوذ على الأضواء في جميع أنحاء العالم في وسائل الإعلام بسبب نشأته وخلفيته العائلية المتواضعة، وتكلمه عن هذا الجانب من حياته بصراحة واعتزاز. بل إنه بعد عودته مباشرة من طوكيو، ترك رئيس الوزراء الجديد مرافقيه في مطار سيدني وذهب إلى المقبرة بمفرده لإحياء الذكرى العشرين لوفاة والدته ماريان، التي توفيت نتيجة لإصابتها بعطب في الأوعية الدموية في الدماغ يوم 25 مايو (أيار).
تجسد تلك الزيارة جوهر قصة أنطوني ألبانيزي. فمن منظور واحد، هو ذلك البطل المنتصر الذي فاز في الانتخابات ورحّب به زعماء العالم في قمة عالمية، حيث تبادل المزاح مع رئيس الولايات المتحدة. وفي اليوم التالي وقف وحيداً بجوار قبر أمه... وهو ابنها الوحيد الذي نشأ بلا أب يعيله.
الذين يعرفون ألبانيزي يقولون هذه هي شخصيته بالضبط. ذلك أنه نتاج نشأته، وهو عاطفي تجاه الماضي، ويتذكر التواريخ دائما. ويقول عن نفسه إنه متأثر بالكاثوليك الآيرلنديين الذي تحدر منهم بينهم.
- النشأة والظروف الصعبة
ولد أنطوني «ألبو» ألبانيزي في مدينة سيدني، كبرى مدن أستراليا، يوم 2 مارس (آذار) 1963، لأب إيطالي وأم آيرلندية تولت تربيته بمفردها، وكانت بداية مسيرته في الحياة متواضعة، ابناً وحيداً لأم تعيله وتربيه في منطقة شعبية على معاش إعاقة. وهو هنا يشرح فيقول في لقاء معه «تفرّغت أمي لتربيتي وكانت مصابة بالتهاب المفاصل الذي أصاب مفاصلها بالشلل، وأثر على قدرتها على العمل. لقد عاشت على معاش إعاقة، وعلّمتني كيف أدخر - وكيف أنفق بحكمة -؛ لأن كل دولار يجب أن يحسب كيف ينفق».
وليلة فوزه الكبير تطرّق ألبانيزي لقصة مشواره ودروس الحياة التي تعلمها من نشأته البائسة ووالدته ماريان إيليري قائلاً «لقد اتخذت القرار الشجاع عام 1963 بالإبقاء على طفل كانت قد أنجبته خارج إطار الزواج. وللتعامل مع الضغوط التي كانت تتعرض لها امرأة شابة كاثوليكية في ذلك الوقت وفي تلك الظروف، اختارت أن أحمل اسم والدي، ونشأت على قناعة بأن والدي قد مات. كانت حياة صعبة أن تعيش تحت ضغط كان يُمارس على المرأة ولا يزال يمارس عليها. وهذا هو السبب، لكنني أقف أمامكم الليلة كرئيس لوزراء أستراليا». وتطرّق أيضاً إلى حقيقة أنه «أول رئيس وزراء يحمل اسماً عرقياً» (من خارج الجزر البريطانية)، وأردف، أنه يأمل أن يرسل انتخابه برسالة بشأن التنوع العرقي في أستراليا.
وفي سياق متصل، كانت الصحافية الأسترالية كارين ميدلتون قد أضاءت على السيرة الذاتية لألبانيزي عام 2016، فقالت، إنه عندما كان ألبانيزي طفلاً صغيراً، ولتجنيبه فضيحة كونه ابناً غير شرعي، نشأ في عائلة كاثوليكية من الطبقة العاملة في أستراليا المحافظة اجتماعياً في الستينات، قيل له إن والده الإيطالي، كارلو ألبانيزي، قد توفي في حادث سيارة بعد فترة وجيزة من زواجه من والدته. إلا أن الأخيرة أخبرته بالحقيقة عندما كان في سن الرابعة عشرة أن أباه لم يمت وأنه وأمه لم يتزوجا مطلقاً... وهو من منطلق الولاء لأمه وخوفه من إيذاء مشاعرها، انتظر حتى وفاتها عام 2002 للبحث عن أبيه. وحقاً التقى أباه كارلو في إيطاليا عام 2009، وتوفي الأب عام 2014.
- زواجه وحياته الأسرية
أما بالنسبة لحياة ألبانيزي الزوجية، فإنه كان تزوج من السياسية العمالية البارزة كارمل تيبوت - أول امرأة تتولى منصب نائب رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز - عام 2000، إلا أن الطلاق وقع بينهما في يوم رأس السنة الجديدة 2019. وفي تصريح لراديو «ايه بي سي» عام 2022، قال عن ذلك «لقد وجدت الأمر صعباً للغاية. بالتأكيد سأتذكر دائماً ليلة رأس السنة. وليلة رأس السنة الجديدة لهذا الحدث المهم في حياتي».
وكان الزوجان السابقان قد التقيا في تنظيم شاب الحزب بأواخر عقد الثمانينات، وتزوجا ورُزقا ابناً واحداً، أسمياه ناثان، وهو يعيش الآن مع والده. وبعد سنة من الطلاق، ارتبط ألبانيزي بشريكته الحالية جودي هايدون، خلال مناسبة في مدينة ملبورن، وكانت جودي قد عملت في مجال نشاطات التقاعد لمدة 20 سنة وهي مناصرة لقضايا المرأة والعمل.
- شخصية مكافحة وطموحة
صقلت هذه الخلفية شخصية أنطوني ألبانيزي المكافحة، وشحذت طموحه ليشق طريقه صعوداً في الحياة. وبالفعل، بعد إكماله تعليمه الابتدائي والثانوي، التحق بجامعة سيدني وتخرّج فيها ببكالوريوس في التجارة والاقتصاد. غير أنه كان طوال هذه الفترة كان شغوفاً بالسياسة، بل لعل أصدق وصف لاهتماماته وشغفه في صباه جاء على لسانه في تصريح قال فيه «أبصرت النور على ثلاثة ولاءات إيمانية: الكنيسة الكاثوليكية، وحزب العمال الأسترالي، ونادي ساوث سيدني رابيتوز للرغبي!».
الرحلة في السياسة العمالية كانت أيضاً طويلة وشاقة. إذ كان ألبانيزي لا يزال صبياً عندما بدأ في اصطحاب والدته وجدّه إلى اجتماعات الفرع المحلي لحزب العمال. ويتذكر بقوة عن تلك المرحلة، أنه عندما كان في التاسعة من عمره فقط دخل في نقاش مع رئيس الوزراء الأسترالي العمالي اليساري غف ويتلام عام 1972. وهو الزعيم الذي يعدّ كثيرون ألبانيزي الأقرب آيديولوجياً إليه.
لقد خاض ألبانيزي حملته السياسية الأولى عندما كان في الثانية عشرة من عمره، مع حملة تضمنت رفض دفع أجور المجلس فيما يسمى بإضراب الإيجارات. ونجح زملاؤه من مستأجري المساكن العامة في التصدي لاقتراح المجلس المحلي لبيع ممتلكاتهم، وهي خطوة كان من شأنها أن تضاعف قيمة الإيجار. وبالفعل، نجح في تنفيذ مطلب الإعفاء من ديون الإيجار غير المسددة، والتي وصفها ألبانيزي بأنها «درس لأولئك الذين لم ينضموا لإضراب سداد الإيجار، وهو الدرس الذي يقول: التضامن ينجح دائماً». قبل أن يضيف «عندما كبرت، أدركت حجم التأثير الذي يمكن للحكومة أن تحدثه في حياة الناس».
وبحلول منتصف العشرينات من عمره، صار ألبانيزي مساعداً لسكرتير حزب العمال في ولاية نيو ساوث ويلز، (أكبر ولايات أستراليا من حيث عدد السكان)، وفاز بمقعد غرايندلر في ضواحي سيدني عام 1996 في عيد ميلاده الثالث والثلاثين.
- مشواره السياسي الناجح
لم يكلّ ألبانيزي أو يملّ في كفاحه لتحقيق طموحه الطويل الأمد في أن يصبح رئيساً للوزراء، وذلك بعدما شغل منصب نائب في البرلمان لأكثر من عقدين. وعبر مسيرة حزبية وسياسية نشيطة، عُيّن وزيراً للتنمية الإقليمية والحكومات المحلية بين 2007 و2010 ووزيراً للبنى التحتية بين 2007 و2013 في حكومتي كيفن رد وجوليا غيلارد العماليتين، وتم تعيينه نائباً لزعيم حزب العمال ونائباً لرئيس الوزراء في عهد رد في عام 2013 لفترة وجيزة.
بعدها، انتُخب زعيماً للحزب 2019، وصار زعيم المعارضة الأسترالية منذ ذلك الحين وحتى قيادته حزب العمال إلى فوز مهم على التحالف المحافظ الحاكم بزعامة سكوت موريسون زعيم حزب الأحرار اليميني في الانتخابات الفيدرالية الأسترالية 2022. ومع اعتراف موريسون بالهزيمة عاد حزب العمال رسمياً إلى السلطة بعد ما يقرب من عقد من حكم المحافظين، ومهّد الطريق لأنطوني ألبانيزي ليصبح رئيس الوزراء الحادي والثلاثين لأستراليا.
واليوم، يتهم خصوم ألبانيزي رئيس الوزراء الجديد بأنه سيكون أكثر «زعماء أستراليا يسارية» منذ ما يقرب من 50 سنة عندما برز الزعيم العمالي غف ويتلام على المسرح السياسي. غير أن أنصاره يشددون على أن انتماءه إلى ما يسمى بفصيل «اليسار الاشتراكي» في حزب العمال، فإنه كان دائماً سياسياً براغماتياً يتمتع بقدرة على التعامل مع العناصر الأكثر محافظة وتحفظاً في الحزب.


مقالات ذات صلة

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارلز، اليوم السبت، إنه تم العثور في بحر الصين الجنوبي على حطام سفينة تجارية يابانية كانت قد غرقت إبان الحرب العالمية الثانية وعلى متنها 864 جندياً أسترالياً، مما يغلق فصلاً مأساوياً من تاريخ البلاد. وأضاف الوزير الأسترالي أنه تم اكتشاف حطام السفينة «مونتيفيديو مارو» شمال غربي جزيرة لوزون الفلبينية. وكانت السفينة التي لا تحمل أي علامات تنقل أسرى حرب وفُقدت منذ إغراقها قبالة سواحل الفلبين في يوليو (تموز) 1942. وكان قد تم إغراقها بواسطة غواصة أميركية دون أن تعلم أنها تنقل أسرى حرب.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

أعلنت الحكومة الأسترالية اليوم (الثلاثاء) أنها حذت حذو دول غربية أخرى وحظرت تطبيق مشاركة الفيديو «تيك توك» من أجهزة المشرعين بسبب مخاوف أمنية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال المدعي العام مارك دريفوس في بيان إن القرار اتخذ بناء على نصيحة من خبراء الاستخبارات والأمن. وأضاف «سيدخل التوجيه حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن عمليا». وسينطبق الحظر على جميع الأجهزة الصادرة عن إدارات ووكالات الكومنولث. وقال دريفوس «لن يتم منح الإعفاءات إلا على أساس كل حالة على حدة وفي ظل وجود إجراءات تخفيف أمنية مناسبة».

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

رفض السفير الصيني لدى أستراليا شاو تشيان، المخاوف بشأن اندلاع حرب بين البلدين، وقال إنها غير واقعية، في حين التقى مسؤولو الدفاع من الحكومتين لإجراء محادثات في كانبيرا، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وانتقد السفير تشيان، في مقال رأي نُشر في صحيفتي «سيدني مورنينغ هيرالد» و«إيدج»، اليوم (الخميس)، الرأي القائل بأن الصين تمثل تهديداً لأستراليا. وقال: «اندلاع حرب بين الصين وأستراليا ليس واقعياً أو متسقاً على الإطلاق مع مصالحنا الوطنية وفلسفتنا الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك سوليفان، اليوم (الاثنين)، أن أستراليا ستشتري 3 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي من طراز «فرجينيا»، مع احتمال أن تشتري اثنتين أخريين، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال ساليفان لصحافيين في الطائرة الرئاسية الأميركية «إير فورس وان» إنه من المفترض تسليم الغواصات اعتباراً من العام 2030، في إطار الشراكة الأمنية الثلاثية الجديدة «أوكوس» بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو
TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.