أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

كاثوليكي وعمالي اشتراكي وشغوف برياضة الرغبي

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة
TT

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

أنطوني ألبانيزي... نقابي عصامي أعاد حزب العمال الأسترالي للسلطة

كانت أول مناسبة سياسية دولية يشارك فيها رئيس وزراء أستراليا الجديد أنطوني ألبانيزي، بعد فوز حزبه في الانتخابات العامة الأخيرة، مشاركته في قمة «كواد» الرباعية الأمنية التي استضافتها العاصمة اليابانية طوكيو، وحضرها قادة كل من الولايات المتحدة واليابان والهند، بجانب الزعيم الأسترالي الجديد. والواقع أن ألبانيزي، الذي قاد حزب العمال إلى الفوز في تلك الانتخابات، أدى اليمين قبل يوم واحد فقط من وصوله الى العاصمة اليابانية. في طوكيو لقي ألبانيزي ترحيباً حاراً في أول قمة رباعية له، بعد يوم واحد من توليه الحكم. وفي العاصمة اليابانية ناقش مع القادة الثلاثة تغير المناخ وأبرز التحديات التي تواجه منطقة المحيطين الهندي والهادي. ولكن المناسبة لم تفت الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال في كلمته الافتتاحية، رئيس الوزراء الأسترالي الجديد «لقد أديت القَسم وركبت الطائرة، بالتالي، وإذا غفوت أثناء وجودك هنا، فلا بأس».
كان رئيس الوزراء الأسترالي الجديد أنطوني ألبانيزي مرتاحاً في حواراته مع الرئيس الأميركي جو بايدن والزعيمين الآخرين في قمة «كواد» الأمنية الرباعية، أي رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي. وحرص على أن تكون ملاحظاته الافتتاحية قد قدمت دعماً كاملاً للشراكة الأمنية أثناء الإعلان عن رسالة جديدة بشأن تغير المناخ. وعلى عكس سلفه المحافظ سكوت موريسون، قال ألبانيزي، إن العمل بشأن المناخ كان جزءاً أساسياً من تعزيز التحالفات في المحيط الهادي، ومن ضمنها موضوع التعامل مع الصين.
من جانب آخر، كان ألبانيزي استحوذ على الأضواء في جميع أنحاء العالم في وسائل الإعلام بسبب نشأته وخلفيته العائلية المتواضعة، وتكلمه عن هذا الجانب من حياته بصراحة واعتزاز. بل إنه بعد عودته مباشرة من طوكيو، ترك رئيس الوزراء الجديد مرافقيه في مطار سيدني وذهب إلى المقبرة بمفرده لإحياء الذكرى العشرين لوفاة والدته ماريان، التي توفيت نتيجة لإصابتها بعطب في الأوعية الدموية في الدماغ يوم 25 مايو (أيار).
تجسد تلك الزيارة جوهر قصة أنطوني ألبانيزي. فمن منظور واحد، هو ذلك البطل المنتصر الذي فاز في الانتخابات ورحّب به زعماء العالم في قمة عالمية، حيث تبادل المزاح مع رئيس الولايات المتحدة. وفي اليوم التالي وقف وحيداً بجوار قبر أمه... وهو ابنها الوحيد الذي نشأ بلا أب يعيله.
الذين يعرفون ألبانيزي يقولون هذه هي شخصيته بالضبط. ذلك أنه نتاج نشأته، وهو عاطفي تجاه الماضي، ويتذكر التواريخ دائما. ويقول عن نفسه إنه متأثر بالكاثوليك الآيرلنديين الذي تحدر منهم بينهم.
- النشأة والظروف الصعبة
ولد أنطوني «ألبو» ألبانيزي في مدينة سيدني، كبرى مدن أستراليا، يوم 2 مارس (آذار) 1963، لأب إيطالي وأم آيرلندية تولت تربيته بمفردها، وكانت بداية مسيرته في الحياة متواضعة، ابناً وحيداً لأم تعيله وتربيه في منطقة شعبية على معاش إعاقة. وهو هنا يشرح فيقول في لقاء معه «تفرّغت أمي لتربيتي وكانت مصابة بالتهاب المفاصل الذي أصاب مفاصلها بالشلل، وأثر على قدرتها على العمل. لقد عاشت على معاش إعاقة، وعلّمتني كيف أدخر - وكيف أنفق بحكمة -؛ لأن كل دولار يجب أن يحسب كيف ينفق».
وليلة فوزه الكبير تطرّق ألبانيزي لقصة مشواره ودروس الحياة التي تعلمها من نشأته البائسة ووالدته ماريان إيليري قائلاً «لقد اتخذت القرار الشجاع عام 1963 بالإبقاء على طفل كانت قد أنجبته خارج إطار الزواج. وللتعامل مع الضغوط التي كانت تتعرض لها امرأة شابة كاثوليكية في ذلك الوقت وفي تلك الظروف، اختارت أن أحمل اسم والدي، ونشأت على قناعة بأن والدي قد مات. كانت حياة صعبة أن تعيش تحت ضغط كان يُمارس على المرأة ولا يزال يمارس عليها. وهذا هو السبب، لكنني أقف أمامكم الليلة كرئيس لوزراء أستراليا». وتطرّق أيضاً إلى حقيقة أنه «أول رئيس وزراء يحمل اسماً عرقياً» (من خارج الجزر البريطانية)، وأردف، أنه يأمل أن يرسل انتخابه برسالة بشأن التنوع العرقي في أستراليا.
وفي سياق متصل، كانت الصحافية الأسترالية كارين ميدلتون قد أضاءت على السيرة الذاتية لألبانيزي عام 2016، فقالت، إنه عندما كان ألبانيزي طفلاً صغيراً، ولتجنيبه فضيحة كونه ابناً غير شرعي، نشأ في عائلة كاثوليكية من الطبقة العاملة في أستراليا المحافظة اجتماعياً في الستينات، قيل له إن والده الإيطالي، كارلو ألبانيزي، قد توفي في حادث سيارة بعد فترة وجيزة من زواجه من والدته. إلا أن الأخيرة أخبرته بالحقيقة عندما كان في سن الرابعة عشرة أن أباه لم يمت وأنه وأمه لم يتزوجا مطلقاً... وهو من منطلق الولاء لأمه وخوفه من إيذاء مشاعرها، انتظر حتى وفاتها عام 2002 للبحث عن أبيه. وحقاً التقى أباه كارلو في إيطاليا عام 2009، وتوفي الأب عام 2014.
- زواجه وحياته الأسرية
أما بالنسبة لحياة ألبانيزي الزوجية، فإنه كان تزوج من السياسية العمالية البارزة كارمل تيبوت - أول امرأة تتولى منصب نائب رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز - عام 2000، إلا أن الطلاق وقع بينهما في يوم رأس السنة الجديدة 2019. وفي تصريح لراديو «ايه بي سي» عام 2022، قال عن ذلك «لقد وجدت الأمر صعباً للغاية. بالتأكيد سأتذكر دائماً ليلة رأس السنة. وليلة رأس السنة الجديدة لهذا الحدث المهم في حياتي».
وكان الزوجان السابقان قد التقيا في تنظيم شاب الحزب بأواخر عقد الثمانينات، وتزوجا ورُزقا ابناً واحداً، أسمياه ناثان، وهو يعيش الآن مع والده. وبعد سنة من الطلاق، ارتبط ألبانيزي بشريكته الحالية جودي هايدون، خلال مناسبة في مدينة ملبورن، وكانت جودي قد عملت في مجال نشاطات التقاعد لمدة 20 سنة وهي مناصرة لقضايا المرأة والعمل.
- شخصية مكافحة وطموحة
صقلت هذه الخلفية شخصية أنطوني ألبانيزي المكافحة، وشحذت طموحه ليشق طريقه صعوداً في الحياة. وبالفعل، بعد إكماله تعليمه الابتدائي والثانوي، التحق بجامعة سيدني وتخرّج فيها ببكالوريوس في التجارة والاقتصاد. غير أنه كان طوال هذه الفترة كان شغوفاً بالسياسة، بل لعل أصدق وصف لاهتماماته وشغفه في صباه جاء على لسانه في تصريح قال فيه «أبصرت النور على ثلاثة ولاءات إيمانية: الكنيسة الكاثوليكية، وحزب العمال الأسترالي، ونادي ساوث سيدني رابيتوز للرغبي!».
الرحلة في السياسة العمالية كانت أيضاً طويلة وشاقة. إذ كان ألبانيزي لا يزال صبياً عندما بدأ في اصطحاب والدته وجدّه إلى اجتماعات الفرع المحلي لحزب العمال. ويتذكر بقوة عن تلك المرحلة، أنه عندما كان في التاسعة من عمره فقط دخل في نقاش مع رئيس الوزراء الأسترالي العمالي اليساري غف ويتلام عام 1972. وهو الزعيم الذي يعدّ كثيرون ألبانيزي الأقرب آيديولوجياً إليه.
لقد خاض ألبانيزي حملته السياسية الأولى عندما كان في الثانية عشرة من عمره، مع حملة تضمنت رفض دفع أجور المجلس فيما يسمى بإضراب الإيجارات. ونجح زملاؤه من مستأجري المساكن العامة في التصدي لاقتراح المجلس المحلي لبيع ممتلكاتهم، وهي خطوة كان من شأنها أن تضاعف قيمة الإيجار. وبالفعل، نجح في تنفيذ مطلب الإعفاء من ديون الإيجار غير المسددة، والتي وصفها ألبانيزي بأنها «درس لأولئك الذين لم ينضموا لإضراب سداد الإيجار، وهو الدرس الذي يقول: التضامن ينجح دائماً». قبل أن يضيف «عندما كبرت، أدركت حجم التأثير الذي يمكن للحكومة أن تحدثه في حياة الناس».
وبحلول منتصف العشرينات من عمره، صار ألبانيزي مساعداً لسكرتير حزب العمال في ولاية نيو ساوث ويلز، (أكبر ولايات أستراليا من حيث عدد السكان)، وفاز بمقعد غرايندلر في ضواحي سيدني عام 1996 في عيد ميلاده الثالث والثلاثين.
- مشواره السياسي الناجح
لم يكلّ ألبانيزي أو يملّ في كفاحه لتحقيق طموحه الطويل الأمد في أن يصبح رئيساً للوزراء، وذلك بعدما شغل منصب نائب في البرلمان لأكثر من عقدين. وعبر مسيرة حزبية وسياسية نشيطة، عُيّن وزيراً للتنمية الإقليمية والحكومات المحلية بين 2007 و2010 ووزيراً للبنى التحتية بين 2007 و2013 في حكومتي كيفن رد وجوليا غيلارد العماليتين، وتم تعيينه نائباً لزعيم حزب العمال ونائباً لرئيس الوزراء في عهد رد في عام 2013 لفترة وجيزة.
بعدها، انتُخب زعيماً للحزب 2019، وصار زعيم المعارضة الأسترالية منذ ذلك الحين وحتى قيادته حزب العمال إلى فوز مهم على التحالف المحافظ الحاكم بزعامة سكوت موريسون زعيم حزب الأحرار اليميني في الانتخابات الفيدرالية الأسترالية 2022. ومع اعتراف موريسون بالهزيمة عاد حزب العمال رسمياً إلى السلطة بعد ما يقرب من عقد من حكم المحافظين، ومهّد الطريق لأنطوني ألبانيزي ليصبح رئيس الوزراء الحادي والثلاثين لأستراليا.
واليوم، يتهم خصوم ألبانيزي رئيس الوزراء الجديد بأنه سيكون أكثر «زعماء أستراليا يسارية» منذ ما يقرب من 50 سنة عندما برز الزعيم العمالي غف ويتلام على المسرح السياسي. غير أن أنصاره يشددون على أن انتماءه إلى ما يسمى بفصيل «اليسار الاشتراكي» في حزب العمال، فإنه كان دائماً سياسياً براغماتياً يتمتع بقدرة على التعامل مع العناصر الأكثر محافظة وتحفظاً في الحزب.


مقالات ذات صلة

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارلز، اليوم السبت، إنه تم العثور في بحر الصين الجنوبي على حطام سفينة تجارية يابانية كانت قد غرقت إبان الحرب العالمية الثانية وعلى متنها 864 جندياً أسترالياً، مما يغلق فصلاً مأساوياً من تاريخ البلاد. وأضاف الوزير الأسترالي أنه تم اكتشاف حطام السفينة «مونتيفيديو مارو» شمال غربي جزيرة لوزون الفلبينية. وكانت السفينة التي لا تحمل أي علامات تنقل أسرى حرب وفُقدت منذ إغراقها قبالة سواحل الفلبين في يوليو (تموز) 1942. وكان قد تم إغراقها بواسطة غواصة أميركية دون أن تعلم أنها تنقل أسرى حرب.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

أعلنت الحكومة الأسترالية اليوم (الثلاثاء) أنها حذت حذو دول غربية أخرى وحظرت تطبيق مشاركة الفيديو «تيك توك» من أجهزة المشرعين بسبب مخاوف أمنية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال المدعي العام مارك دريفوس في بيان إن القرار اتخذ بناء على نصيحة من خبراء الاستخبارات والأمن. وأضاف «سيدخل التوجيه حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن عمليا». وسينطبق الحظر على جميع الأجهزة الصادرة عن إدارات ووكالات الكومنولث. وقال دريفوس «لن يتم منح الإعفاءات إلا على أساس كل حالة على حدة وفي ظل وجود إجراءات تخفيف أمنية مناسبة».

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

رفض السفير الصيني لدى أستراليا شاو تشيان، المخاوف بشأن اندلاع حرب بين البلدين، وقال إنها غير واقعية، في حين التقى مسؤولو الدفاع من الحكومتين لإجراء محادثات في كانبيرا، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وانتقد السفير تشيان، في مقال رأي نُشر في صحيفتي «سيدني مورنينغ هيرالد» و«إيدج»، اليوم (الخميس)، الرأي القائل بأن الصين تمثل تهديداً لأستراليا. وقال: «اندلاع حرب بين الصين وأستراليا ليس واقعياً أو متسقاً على الإطلاق مع مصالحنا الوطنية وفلسفتنا الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك سوليفان، اليوم (الاثنين)، أن أستراليا ستشتري 3 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي من طراز «فرجينيا»، مع احتمال أن تشتري اثنتين أخريين، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال ساليفان لصحافيين في الطائرة الرئاسية الأميركية «إير فورس وان» إنه من المفترض تسليم الغواصات اعتباراً من العام 2030، في إطار الشراكة الأمنية الثلاثية الجديدة «أوكوس» بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».