«أستراليا ألبانيزي»... وموقعها في السياسة الدولية

قمة كواد 2022 في طوكيو (أ.ف.ب)
قمة كواد 2022 في طوكيو (أ.ف.ب)
TT

«أستراليا ألبانيزي»... وموقعها في السياسة الدولية

قمة كواد 2022 في طوكيو (أ.ف.ب)
قمة كواد 2022 في طوكيو (أ.ف.ب)

عشية أول اجتماع لقادة «كواد» في العاصمة اليابانية طوكيو حضره رئيس وزراء أستراليا الجديد أنطوني ألبانيزي، قال الأخير إن احتمالات التقارب مع الصين ضئيلة في المستقبل القريب، وإن «العلاقات مع الصين ستبقى صعبة». وجاء هذا الموقف رغم تفاؤل بكين بحتمية تحسن العلاقات المتوترة مع كانبرا في أعقاب هزيمة سكوت موريسون المحافظة وتولي حزب العمال الحكم. وهنا نشير إلى توتر العلاقات بكين وكانبرا في السنوات الأخيرة. وعام 2020 دعت الحكومة الأسترالية إلى إجراء تحقيق في أصل فيروس «كوفيد - 19»، وردت السلطات الصينية بفرض عقوبات على بعض الصادرات الأسترالية؛ مثل لحوم البقر والشعير.
ومع أن ألبانيزي لمح إلى نهج عام أقل عدائية تجاه بكين، قائلا إنه رغم أنه سيضع دائما المصالح والقيم الوطنية لأستراليا في المقام الأول، فهو لن يسيس الأمن القومي، فإنه أوضح في هذا السياق بشكل حاسم أنه سيكون «متوافقاً تماماً» مع سياسات رئيس الوزراء السابق إزاء الصين.
من ناحية أخرى، قال ألبانيزي إن حكومته قد تتطلع أيضا إلى تغيير الديناميكية في جنوب المحيط الهادي. وكان حزب العمال الذي يتزعمه قد وصف الاتفاق الأمني الجديد بين الصين وجزر سليمان بأنه «أسوأ فشل في السياسة الخارجية لأستراليا في المحيط الهادي منذ الحرب العالمية الثانية» لأنه يمكن أن يضع قاعدة عسكرية صينية في منطقة تعتبرها كانبيرا تقليديا مجال نفوذها. وألقى باللوم على سلفه موريسون في «تضرر سلسلة كاملة من العلاقات الدولية لأستراليا».
أما حول العلاقات بين كانبرا وواشنطن، قال ألبانيزي: «أستراليا حليف وثيق للولايات المتحدة، ولا يتوقع لهذا الحال أن يتغير. وسيسير رئيس وزرائها على خطى العديد من قادة حزب العمال السابقين، وسيكون صديقا جيدا للولايات المتحدة». ثم أردف «إن حكومتي ملتزمة بالعمل مع بلدانكم. وتعطي الحكومة الأسترالية الجديدة الأولوية لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وبناء منطقة المحيطين الهندي والهادي بشكل أكثر مرونة من خلال الأمن الاقتصادي والإلكتروني والطاقة والصحة والأمن البيئي. سنوفر المزيد من الموارد والطاقات لتأمين منطقتنا مع دخولنا مرحلة جديدة وأكثر تعقيداً في البيئة الاستراتيجية للمحيط الهادي. وسنواصل الوقوف معكم ومع أصدقائنا الذين يشاركوننا التفكير نفسه والوقوف كلنا بعضنا مع بعض». وفي سياق متصل، اتهم ألبانيزي سلفه موريسون بأنه ضلل واشنطن بالقول إن خطة سرية لتزويد أستراليا بأسطول من الغواصات المزودة بتكنولوجيا نووية أميركية قد حظيت بدعم حزب العمال (الذي يرأسه ألبانيزي).
كذلك اتهم سلفه موريسون بتسريب رسائل نصية شخصية لوسائل الإعلام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإساءة إلى الأخير الذي شكا من أن أستراليا لم تصدر أي تحذير بإلغاء عقد توريد غواصات فرنسية.
وأما على الصعيد البيئي، فقد تعهد رئيس الوزراء الأسترالي الجديد في قمة «كواد» بتحسين سمعة أستراليا الدولية السيئة بكونها بطيئة في حركة تغير المناخ، وقال إنه يخطط لتقليل انبعاثات غازات الانحباس الحراري بشكل أقوى. ويذكر أنه في السنوات الأخيرة، كانت صور غابات الأوكاليبتوس (الكينا) المشتعلة والمدن التي يلفها الضباب الدخاني والشعاب المرجانية المحطمة سببا لجعل أستراليا هدفا لجهود التصدي لتغير المناخ عالميا. وتحت القيادة السابقة المحافظة، صارت أستراليا بالفعل واحدة من أكبر مصدري الغاز والفحم في العالم، وهو ما كان أشبه بعنصر فساد في مباحثات المناخ الدولية.
وحول هذا الأمر، تعهد ألبانيزي بإعادة تأهيل سمعة أستراليا الدولية باعتبارها متخلفة عن جهود تغير المناخ، وتعهد بتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة وجعل هذه الدولة المشمسة قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة وتنفيذ تخفيضات أكثر حدة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفيما يخص الشأن المحلي، قال ألبانيزي إن أستراليا تواجه رياحا اقتصادية معاكسة كبيرة، وتحول انتباهه إلى الشؤون الداخلية بعد الأيام القليلة الأولى في المنصب الذي يهيمن عليه الأمن الدولي. ومما قاله في تصريح لتلفزيون إيه بي سي: «أريد اقتصادا يعمل لصالح الناس وليس العكس». كما أكد على برامج مثل الدعم المالي لمشتري المنازل لأول مرة الذين يتعاملون مع الارتفاع الصارخ في أسعار المساكن وركود نمو الأجور. كما وعد الوالدين العاملين بتوفير رعاية منخفضة التكلفة للأطفال وتحسين الرعاية المنزلية لكبار السن.
عودة إلى قمة «كواد»، فإن أستراليا انضمت إلى دول في حوض المحيطين الهادي والهندي مثل بروناي، والهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، ونيوزيلندا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام في مبادرة «جو بايدن الاقتصادية لدول المحيطين الهندي والهادي». وهذه المبادرة تعتبر بديلا لقرار واشنطن الانسحاب من مؤتمر «الشراكة الشاملة والمتقدمة لدول المحيط الهادي»، وهي اتفاقية للتجارة الحرة الإقليمية تضم 11 دولة من الدول المطلة على المحيط الهادي. وتشمل مبادرة بايدن «ركائز» التجارة وتهدف إلى تحقيق مرونة في سلسلة التوريد، والطاقة النظيفة، ومكافحة الفساد، لكنها لا ترقى إلى مستوى تسهيل الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة. وللعلم، رغم حضور قادة أربع دول شخصياً في طوكيو، فقد انضم الآخرون عبر الإنترنت. ثم إن المنطقة التي تمثل 60 في المائة من سكان العالم و40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعد بمثابة نقطة ارتكاز للجغرافيا السياسية والاقتصادية الجيوسياسية المستقبلية. ويمكن اعتبار إطلاق الحدث استجابة للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تقودها الصين.


مقالات ذات صلة

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

أستراليا تعثر على حطام سفينة غرقت إبان الحرب العالمية الثانية

قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارلز، اليوم السبت، إنه تم العثور في بحر الصين الجنوبي على حطام سفينة تجارية يابانية كانت قد غرقت إبان الحرب العالمية الثانية وعلى متنها 864 جندياً أسترالياً، مما يغلق فصلاً مأساوياً من تاريخ البلاد. وأضاف الوزير الأسترالي أنه تم اكتشاف حطام السفينة «مونتيفيديو مارو» شمال غربي جزيرة لوزون الفلبينية. وكانت السفينة التي لا تحمل أي علامات تنقل أسرى حرب وفُقدت منذ إغراقها قبالة سواحل الفلبين في يوليو (تموز) 1942. وكان قد تم إغراقها بواسطة غواصة أميركية دون أن تعلم أنها تنقل أسرى حرب.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

أعلنت الحكومة الأسترالية اليوم (الثلاثاء) أنها حذت حذو دول غربية أخرى وحظرت تطبيق مشاركة الفيديو «تيك توك» من أجهزة المشرعين بسبب مخاوف أمنية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال المدعي العام مارك دريفوس في بيان إن القرار اتخذ بناء على نصيحة من خبراء الاستخبارات والأمن. وأضاف «سيدخل التوجيه حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن عمليا». وسينطبق الحظر على جميع الأجهزة الصادرة عن إدارات ووكالات الكومنولث. وقال دريفوس «لن يتم منح الإعفاءات إلا على أساس كل حالة على حدة وفي ظل وجود إجراءات تخفيف أمنية مناسبة».

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

السفير الصيني لدى أستراليا: مخاوف اندلاع حرب بين البلدين «غير واقعية»

رفض السفير الصيني لدى أستراليا شاو تشيان، المخاوف بشأن اندلاع حرب بين البلدين، وقال إنها غير واقعية، في حين التقى مسؤولو الدفاع من الحكومتين لإجراء محادثات في كانبيرا، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وانتقد السفير تشيان، في مقال رأي نُشر في صحيفتي «سيدني مورنينغ هيرالد» و«إيدج»، اليوم (الخميس)، الرأي القائل بأن الصين تمثل تهديداً لأستراليا. وقال: «اندلاع حرب بين الصين وأستراليا ليس واقعياً أو متسقاً على الإطلاق مع مصالحنا الوطنية وفلسفتنا الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أستراليا ستشتري 5 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي

أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك سوليفان، اليوم (الاثنين)، أن أستراليا ستشتري 3 غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي من طراز «فرجينيا»، مع احتمال أن تشتري اثنتين أخريين، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال ساليفان لصحافيين في الطائرة الرئاسية الأميركية «إير فورس وان» إنه من المفترض تسليم الغواصات اعتباراً من العام 2030، في إطار الشراكة الأمنية الثلاثية الجديدة «أوكوس» بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».