مديرة الوكالة الوطنية الرسمية اللبنانية: لسنا ناطقين باسم الحكومة

لو سليمان قالت لـ «الشرق الأوسط» إن زوار الصفحة الإلكترونية ربع مليون يوميًا

مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السيدة لو سليمان (تصوير: نبيل إسماعيل)
مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السيدة لو سليمان (تصوير: نبيل إسماعيل)
TT

مديرة الوكالة الوطنية الرسمية اللبنانية: لسنا ناطقين باسم الحكومة

مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السيدة لو سليمان (تصوير: نبيل إسماعيل)
مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السيدة لو سليمان (تصوير: نبيل إسماعيل)

تكافح «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية في إثبات مهنيتها، خلافا للمتوقع منها كوكالة أنباء رسمية تتبع للدولة اللبنانية، وتتلقى منها التمويل، لكنها لا تنطق باسمها. وتؤكد مديرة الوكالة السيدة لو سليمان أن الوكالة لا تلعب دور الناطق الرسمي باسم الحكومة، فهذا دور وزير الإعلام، مشيرة في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أن الوكالة حريصة على نقل كل أخبار الفرقاء السياسيين، من دون تمييز بينهم، وأنها تحرص على أن تكون متوازنة وللجميع. أما المحرمات في الوكالة، فهو الكلام النابي والافتراءات، والتهجم على الدول الصديقة والشقيقة. وجاء الحوار على النحو التالي:
*ما هي طبيعة عمل الوكالة؟
- نعمل مثل أي وكالة بالعالم ولدينا مندوبون، ونغطي أخبارا سياسية واقتصادية واجتماعية، وأمنية، ومؤخرا الأخبار الفنية، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. لدينا 140 مندوبا موزعين على 28 مكتبا في كل لبنان، وقريبا سوف نفتتح مكتبا جديدا في مرجعيون، بالإضافة إلى وجود مندوبين خارج لبنان أيضا في بلدان عربية وأجنبية.
*كيف يتم تمويل الوكالة؟
- تمول الوكالة من موازنة وزارة الإعلام، لأننا تابعون لوزارة الإعلام ولسنا وكالة مستقلّة. لدينا 375 موظفا يعملون في الوكالة في عدة أقسام، منها التحرير باللغة العربية، وتحرير صحافي باللغات الإنجليزية والفرنسية ومؤخرا الإسبانية، وهناك قسم للمندوبين، وتتبع لنا الإذاعة اللبنانية، إذ أن كل أخبار إذاعة لبنان هي من مسؤولية الوكالة. وأنا كمديرة للوكالة مسؤولة عن البرامج السياسية والأخبار بالإذاعة، إضافة إلى مهمتي كمديرة وكالة.
*هل الوكالة ناطقة باسم الحكومة أم أنها تملك حق الاجتهاد بالأخبار التي تبثها؟
- ليست قضية اجتهاد، نحن ننقل الوقائع، ونحن لا ننطق باسم الحكومة بل وزير الإعلام رمزي جريج هو الناطق باسمها، ونحن كوكالة مهمتنا نقل الأخبار، إلا أننا لا نجتهد أو نبتكر أخبارا، بل ننقلها كما هي، وشاملة مثل أي وكالة (أ.ف.ب) و(سي إن إن) و(رويترز) ولسنا ملتزمين فقط بالخبر الرسمي الذي يصدر عن الحكومة، بل نغطي أخبار قوى 8 آذار مثل 14 آذار والمستقلين.
*كيف جرت مراحل التطوير وما هي الخطط المستقبلية في هذا الإطار؟
- تسلمت الوكالة عام 2008 كانت تصدر بلغة واحدة وهي العربية، وكانت أخبارها محلية فقط ومن دون صور، وعام 2009 افتتحنا قسمي اللغة الإنجليزية والفرنسية وقسم الأخبار الإقليمية والدولية. عام 2010 أضفنا خدمة الصور على الأخبار في الوكالة وعدّلنا في (شكل) الصفحة، إلى الأفضل. عام 2011 احتفلنا بالعيد الـ50 للوكالة وقمنا بمؤتمر دولي ضم 35 مدير وكالة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى أننا استحدثنا قسم الأرشيف، لأنه لم يكن لدينا أرشيف وكانت هناك صور مهملة، جمعناها، وكان عددها نحو مليونين و200 ألف صورة (negative).عام 2015 بدأنا بالقسم الإسباني ومكتب للوكالة في أستراليا، كما أننا جهزنا قسم الأرشيف وأتينا بماسحات ضوئية (سكانر) لتحويل هذا الأرشيف إلى ديجيتال وألا تبقى (negative). أول هم لنا الآن هو أرشيف الصور ومستقبلا أن ندخل الفيديو على الوكالة بشكل أساسي، وليس فقط في مقتطفات صغيرة مع الخبر، إلا أنها ليست أساسية.
استحدثنا أيضا قسم التحقيقات، قبل ذلك كان عملنا يقتصر على الأخبار فقط، وأصبح هناك خانة اسمها (اعرف لبنان) وهي تعرّف على القرى اللبنانية من تاريخ وآثار وحروب.
*هل من شخصيات ممنوع أن تضعوا تصريحات لها؟
- ليس هناك فيتو على أحد، الجميع ينزل له تصريحات من كل الفرقاء، إلا أن هناك شيئا واحدا ممنوعا وهو الكلام النابي الذي لا يمر في أخبارنا، أو مثلا اتهام رئيس دولة ما أنه مجرم، لا يمكننا أن نضع العبارة هذه رغم اعتراض النائب أو الشخصية السياسية التي صدر عنها هذا الكلام، إلا أنني أصر على هذا الشيء.
*كيف تتعاملون مع الأخبار الحساسة المثيرة للجدل مثل كلام أمين عام حزب الله السيد نصر الله الأخير؟
- نحن نتبع سياسة النأي بالنفس تجاه الأحداث في سوريا واليمن والتي تتبعها الدولة اللبنانية، وأخذنا هذا الالتزام من دون أي طلب من أحد، لأننا بالنهاية تابعون للدولة اللبنانية. ونحاول أن نخفف التصريحات الغاضبة المهاجمة، والطريقة نفسها نتبعها عندما يُقال عن بشار الأسد مجرم، فلا ننقل العبارة نفسها، وهذا هو الحال تجاه السعودية لأنها دولة صديقة وأنا أحترم قرار الدولة في النأي بالنفس تجاه الصراعات الإقليمية، وأي مشاكل داخلية في أي دولة عربية لا نسمح لنفسنا أن نتدخل بها. من أول يوم تسلمت منصبي كمديرة بالوكالة قررت أن تكون الوكالة لكل اللبنانيين وليس فقط لفئة واحدة.
نعمل إعلاما ولكل الناس وأنا حريصة على أن تكون مثل ما هي لفريق 14 آذار تكون إلى فريق 8 آذار وحتى للمستقلين حقهم أن يكون لهم منبر. الرأي العام والإعلام يلاحظون ويعلمون أن الوكالة للجميع.
*ما هي المشاكل التي تواجهكم في مسيرة التقدم؟
- الوضع حاليا جيد، وليس هناك مشاكل تذكر، إلا بعض المشاكل الاقتصادية من تجهيزات، لأن الإعلام دائما في تطور دائم ويحتاج إلى مواكبة سريعة إن كان تقنيا وإخباريا. إخباريا المواكبة مؤمنة لكن تقنيا يوجد بعض العقبات أحيانا. وطبعا الميزانية ضعيفة نوعا ما.
*ما مصير النسخة المطبوعة التي كنتم توزعونها على المشتركين؟
- تخلينا عن النسخة المطبوعة وفي عهدي أنا طلبت التخلي عنها، لأنني اعتبرتها هدرا وليس لها حاجة، والوكالة تبث أخبارها مباشرة ويصدر أربعة إلى خمسة أخبار في الدقيقة. كنا نطبع 70 نسخة في اليوم، وإذا أردت أن أوزعها على الرئاسات ووسائل الإعلام، فلن يكفي أن أرسل للوزارات والنواب. لذلك قررنا أن نوقف العمل هذا، لأننا اعتبرناه هدرا للمال والوقت على حد سواء.
*ما مستقبل الوكالات في ظل منافسة المواقف الإخبارية؟
- إذا توقفت الوكالة الوطنية عن بث الأخبار، فجميع المواقع الأخرى سوف تقفل لأنها تنشر أخبارنا مع بعض التغييرات التي تتعلق بالسياسة المهنية الخاصة لكل موقع. فلن يؤثر عملهم على الوكالة الوطنية أبدا، بل العكس صحيح.
*ما هو عدد الزائرين للصفحة؟
- 250 ألف زائر يوميا.
*كيف توصلت لأن تصبحي مديرة للوكالة، هل يمكنك أن تخبرينا عن مسيرتك المهنية؟
- كنت صحافية عادية، عملت في إذاعة صوت لبنان، ومشروع التخرج في الجامعة هو الذي ساعدني في الدخول إلى الإذاعة لفترة 3 سنوات، وفي الوقت نفسه عملت في وكالة الأنباء المركزية وجريدة «العمل»، وبعد أن أقفلت جريدة «العمل» ذهبت إلى جريدة «الديار»، وبقيت فيها سنتين، وكنت أنا قد تركت إذاعة صوت لبنان ودخلت إلى الوكالة الوطنية للإعلام، وعام 2004 أصبحت مديرة للتحرير، وعام 2005 إلى 2008 رئيسة تحرير، وعام 2008 أصبحت أنا مديرة الوكالة، ومدير الوكالة الذي كان قبلي هو الذي قدم استقالته واقترح أن أكون أنا المدير الجديد مكانه.
*ما هي بصمتك التي تركتِها على عمل الوكالة؟
- التطور الذي شهدته الوكالة منذ عام 2008 إلى الآن هو أكثر من بصمة هي «بصمات» والوكالة تأخذ كل وقتي وأنا أمضي فيها أكثر من 12 ساعة في اليوم وأتابع معهم إلى حين تقفل الوكالة. من أبرز البصمات هي أنني طلبت من فريق العمل أن يكون للوكالة تطبيق على هواتف الأيفون والأندرويد، ومؤخرا حصلنا على جائزة أفضل تطبيق إلكتروني على الهاتف الذي بين المؤسسات الحكومية، وكانت الجائزة من الكويت.
*هل لاقيت صعوبات في عملك لأنك امرأة؟
- عندما أبلغ وزير الإعلام آنذاك طارق متري أحد المديرين أنني سأكون مديرة الوكالة، رد الأخير بأن هذا المركز يحتاج إلى رجل وليس امرأة. لكن الوزير أصر ومضى في قراره، وتقبل الجميع الفكرة بسهولة، ومن دون أي تعقيدات، فلم أواجه أي مشاكل مع الموظفين وكان هناك تعاون كبير جدا بيننا، ولا يزال هذا التعاون مستمرا حتى اليوم وهو سر من أسرار نجاحنا في العمل.
*كيف أثر العمل على حياتك العائلية؟
- زوجي ساعدني وتعاون معي كثيرا كي أنجح في مهمتي، وظروف السكن مزعجة نوعا ما لأنني في بيروت وزوجي في البترون (شمال لبنان) نتلاقى في المناسبات (ممازحة). الشيء الإيجابي أن أولادي كبروا وهم ليسوا بحاجة لي مثل قبل، خاصة من ناحية الدراسة، ويعتمدون على أنفسهم، وهذا الشيء ساعدني أكثر. نقسم وقتنا في العطل، أما أنا فأذهب إلى البترون أو هو يأتي إلى بيروت بحسب ظروف العمل. فهو عادة يأتي في نصف الأسبوع ونحن نذهب إلى البترون في عطلة نهاية الأسبوع.



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».