قراءة سياسية في الوضع السوري على ضوء الأحداث الغامضة داخل الدائرة المحيطة بالأسد

الكثير يعتمد على متى تقرر إيران أن كلفة المحافظة عليها باتت باهظة

بشار الأسد سيبقى في السلطة ما دام يحظى بدعم الإيرانيين ووكلائهم (أ.ب)
بشار الأسد سيبقى في السلطة ما دام يحظى بدعم الإيرانيين ووكلائهم (أ.ب)
TT

قراءة سياسية في الوضع السوري على ضوء الأحداث الغامضة داخل الدائرة المحيطة بالأسد

بشار الأسد سيبقى في السلطة ما دام يحظى بدعم الإيرانيين ووكلائهم (أ.ب)
بشار الأسد سيبقى في السلطة ما دام يحظى بدعم الإيرانيين ووكلائهم (أ.ب)

قد يرى بعض المتابعين للوضع السوري أن سلسلة الوفيات والأحداث الغامضة ضمن الدائرة المقربة من الرئيس بشار الأسد تشير إلى أن النظام بدأ يتهاوى شيئًا فشيئًا. إلا أن الأسد لا يزال أقوى مما تورده التقارير الإعلامية، فسقوط هيكل النظام لا يعني بالتحديد أن الأسد سيُقال من الحكم، كون مصير سوريا يقرّره من هو أكبر من النظام والمعارضة.
وفي سياق تساقط المقربين من الأسد، واحدًا تلو الآخر، سواءً نتيجة مشاحنات داخلية أو حوادث مميتة أو اعتقالات غامضة، أورد تقرير صدر أخيرا عن «معهد دراسات الحرب»، نقلاً عن مصادر النظام، ما مفاده أن رئيس مكتب الأمن القومي علي المملوك وُضع تحت الإقامة الجبرية بتهمة الاتصال بالاستخبارات التركية وبرفعت الأسد، عم الرئيس السوري. وزعمت هذه المصادر أيضا أن المملوك أعرب عن قلقه إزاء تعاظم النفوذ الإيراني داخل النظام. غير أن النظام سرعان ما نفى هذه الشائعات وحرص على إظهار المملوك بجانب الأسد.
إن الغموض الذي يحيط بمصير المملوك ليس في الواقع سوى واحد من سلسلة طويلة من الحوادث والوفيات الغريبة. فرئيس الأمن السياسي السابق والمسؤول البارز في النظام السوري، اللواء رستم غزالي، توفي الشهر الماضي بعد شائعات كانت قد انتشرت قبل ذلك مفادها أنه تعرّض للضرب على يد شخص من جماعة رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء رفيق شحادة، الذي يبدو أنه قد جرى تهميشه منذ ذلك الحين. وأيضا، لمحت تقارير حينها إلى أن غزالي قد يكون أبدى معارضته للنفوذ الإيراني المتزايد على سوريا.
وفي سياق متصل، أورد موقع المعارضة السوري «كلنا شركاء» أنه تم إلقاء القبض على شقيق غزالي إذ إنه، وفق ما ذكره الموقع، «استيقظ أهالي بلدة قرفا، مسقط رأس اللواء رستم غزالي (في محافظة درعا) على أصوات اقتحام، لكن الاقتحام هذه المرة اختلف عن الاقتحامات السابقة. وتبين في ما بعد أن سببه الكشف عن مقابر جماعية في مقر برهان غزالي، شقيق رستم، في بلدة قرفا».
وتحدث ناشطون في قرفا عن اختفاء ما يقارب المائة شخص من أبناء البلدة، وأن المتهم باختطاف الأهالي هو شقيق رستم بالاشتراك مع محمد الشمالي، الضابط المسؤول عن الأمن السياسي في منطقة ازرع (أيضا في محافظة درعا) الذي اعتقل أيضا ضمن الحملة.
إضافة إلى ذلك، ذكرت الصحافية ليز سلاي، من جريدة «واشنطن بوست» الأميركية، أن حافظ مخلوف، ابن خال بشار الأسد، قد أقيل، أواخر العام الماضي، من منصبه كرئيس للأمن في محافظة دمشق، ومنذ ذلك الحين فر من البلاد. وأشارت الكثير من التقارير الإعلامية إلى احتجاز مؤقت لمنذر الأسد، ابن عم الرئيس، وكذلك إلى مقتل عضو آخر من النظام والعائلة هو محمد توفيق الأسد، المعروف باسم «قائد الجبل».
وعلى صعيد آخر، رأى مراقبون في هروب لؤي حسين، رئيس «تيار بناء الدولة السورية» - وهو تنظيم معارض معتدل من معارضة الداخل، كان قد عارض «عسكرة» الانتفاضة، فغض عنه النظام الطرف لمدة طويلة - ضربة أخرى وجهت إلى معسكر الأسد، لا سيما أن حسين هو أيضا من أبناء الطائفة العلوية.
وإلى جانب الدائرة الداخلية والطائفية الآخذة في الاهتراء، ما زال النظام يواجه خسائر عسكرية في مختلف المناطق السورية، باستثناء منطقة القلمون الجبلية عند الحدود اللبنانية، حيث يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني المباشر وغير المباشر عبر ميليشيا حزب الله اللبناني.
ولقد أفاد «معهد دراسة الحرب» عن مشاركة الميليشيات الشيعية الأفغانية والعراقية المدعومة من إيران في اشتباكات محافظة إدلب الهادفة إلى رفع حصار مقاتلي المعارضة لمستشفى جسر الشغور الحكومي. وشرح التقرير المذكور أن «وصول هذه القوات يشير إلى أن كلا من إيران والنظام السوري قد أعطى الأولوية للمعركة الدائرة حول مدينة جسر الشغور، من أجل توفير منطقة عازلة في محافظة اللاذقية الساحلية. غير أن فشل النظام في استعادة المساحات الكبيرة من هذه الأراضي يشير إلى أنه مع كل الدعم الذي يتلقاه الأسد لا يزال عاجزًا عن الوقوف في وجه جبهة النصرة وهيمنة الثوار في المحافظة»، وفقًا للتقرير.
وفي المقلب الآخر، تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مواقع استراتيجية في وسط محافظة حمص أبرزها مدينة تدمر الأثرية، في أعقاب اشتباكات قضى خلالها عشرات من أعضاء التنظيم المتطرف وعناصر النظام على مقربة من مدينة السخنة، وفق ما أوردت وكالة الأنباء ««Syria Deeply، وتقع مدينة السخنة على الطريق السريع بين محافظة دير الزور الشرقية، معقل «داعش»، ومدينة تدمر. غير أن الأوساط العالمية اهتمت كثيرًا بمصير المواقع الموضوعة على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي في تدمر، بينما ثارت تساؤلات من نوع أخرى عن مصير سجناء سجن تدمر، وكثيرة منهم من السجناء السياسيين، وتبعات خسارة القاعدة الجوية التي كانت من أهم مواقع النظام العسكرية في وسط سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، حاصرت قوات التنظيم المتطرف آخر قاعدة عسكرية مهمة للنظام في محافظة دير الزور، يوم الخميس، بعد السيطرة الكاملة على جزيرة صقر في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء «سوريا مباشر».
ويأتي هذا التقدم بعد هجومين شنهما «داعش» يوم الأربعاء، من جزيرة صقر، التي كانت سابقا أرضية عازلة بين المطار العسكري والمناطق التي يسيطر عليها «داعش»، على حي حربيش في مدينة دير الزور، وعلى قاعدة صواريخ تابعة للنظام، الواقعين كليهما جنوب الجزيرة.
وعلى الرغم من سلسلة الخسائر هذه، استطاعت قوات الأسد وحزب الله الاستيلاء على أعلى قمة في جبال القلمون على بعد كيلومتر واحد فقط من الحدود اللبنانية، الأسبوع الماضي، بعد يومين من القتال العنيف، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومقره بريطانيا. وتراجعت قوات الثوار إلى التلال المحيطة ببلدة رأس المعرّة، في القلمون، بعدما قصفت ميليشيا حزب الله، مدعومة من قوات النظام، تلة موسى - أعلى نقطة في الجبال - بالصواريخ.
ومع أن ما يحدث في القلمون ما زال يوصف بعمليات كرّ وفرّ، فإن التقدم النسبي الذي تحققه ميليشيا حزب الله والموالون له في القلمون تشير إلى أن كل الاحتمالات لا تزال واردة في سوريا. وبالنسبة للخبير في الشؤون السورية آرون لوند، من مركز كارنيغي «فإن النخبة البعثية السورية نخبة سرية للغاية ويصعب فهمها، وجماعات المعارضة وحلفاءها ليست أكثر شفافية منها. وحتى لو كانت جميع المعلومات متوافرة لدينا، فسيبقى هذا الصراع يكتنف الكثير من الجزيئات المتغيرة بحيث يغدو من الصعب جدا التنبؤ بالنتائج».
ويُضاف إلى ما سبق وجود عامل مهم آخر يزيد الوضع السياسي السوري تعقيدًا. فسواء انهار نظام الأسد أم لا، يرى مراقبون أن بشار الأسد سيظل في السلطة ما دام يحظى بدعم الإيرانيين ووكلائهم الذين يقاتلون وينخرطون في حربه على نحو متزايد، فطهران هي التي ستقرر متى سيكون الوقت مناسبًا لصنع السلام - حين تصبح الحرب السورية مكلفة للغاية عليها - وبالتالي، متى سيكون على الأسد التنحي، وليس الشعب السوري.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».