منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

جيبوتي لاعب مهم.. وإيران استفادت من علاقاتها بإريتريا

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية
TT

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

يلعب القرن الأفريقي بحكم موقعه الجيو - استراتيجي دورًا محوريًا مؤثرًا على البحر الأحمر، فهو منطقة ارتباط بين القارة الأفريقية والأوروبية والآسيوية عبر ممر باب المندب، الذي يعتبر شريان التجارة الدولية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر والعكس كذلك. ومن جهة ثانية تعتبر هذه المنطقة الحساسة جوارًا لكل من المملكة العربية السعودية واليمن، وهي امتداد استراتيجي لقناة السويس، كما تصل أهميتها البالغة إلى الأردن من الجهة الشرقية.

يضم القرن الأفريقي كلا من إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال، ويمكن أن يضاف إليهما السودان وكينيا. وهذه مجموعة من الدول يعاني مجملها من وجود ميليشيات مسلحة، وحركات إرهابية.
ولكون المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فإن التنافس الدولي حولها أخذ منعطفًا جديدًا مع تحرك العسكري لميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، وانقلابها على الشرعية باليمن. ويأتي ذلك في ظروف إقليمية تشهد هجمات إرهابية قاسية في كثير من دول القرن الأفريقي، خصوصا في الصومال وكينيا التي تنشط فيهما «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية، ما تسببت في قتل أكثر من 200 شخص في عملياتها الأخيرة. وكانت العملية الأسوأ بلا شك المذبحة التي نفذتها في جامعة بمدينة غاريسا في كينيا مطلع أبريل (نيسان) الماضي، والتي أسفرت عن قتل نحو 150 شخصًا، وما تبعها من عمليات انتحارية ضد كوادر الأمم المتحدة في مدينة غارويه الصومالية.
وتظهر هذه العودة القوية لـ«حركة الشباب» نوعًا من تزايد قدرتها على التحرك بعدما عانت من تراجع واضح، بجهود حثيثة من القوات الصومالية والأفريقية، والطائرات من دون طيار الأميركية. وكذلك بسبب خلافات التنظيم الداخلية بين «التيار الجهادي العالمي» الذي تزعمه أحمد هادي غودنا، الذي يطالب بتعميم الجهات خارج البلد، والتيار المحلي الصومالي.
فلقد تبنت «حركة الشباب» مسؤولية الهجوم بسيارة مفخخة على مطعم في مقديشو أسفر عن سقوط عشرة قتلى، بتاريخ 21 أبريل 2015، كما قتلت النائب البرلماني عن منطقة بونتلاند سعيد حسين نور في 9 مايو (أيار) 2015 بمدينة غالكايو. كذلك سيطر هذا التنظيم على مناطق جديدة بجنوب الصومال فجر يوم 15 مايو 2015، من ضمنها منطقة أوطغلي وقريتي مبارك ودار السلام وبلدة الشام، بعد مواجهات مع القوات الحكومية.
في ظل هذا الوضع غير المستقر، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تكييف استراتيجيتها مع هذه المستجدات وعلاقتها بتطورات كبيرة تمسّ منطقة «القرن الأفريقي» ودورها الحساس على المستوى الدولي. وتأتي جولة وزير الخارجية جون كيري التي ابتدأت بتاريخ 4 مايو 2015 في كينيا لتؤكد من جديد على أهمية المنطقة بالنسبة للرؤية الأميركية لأمنها القومي، فقد ركز الوزير كيري خلال مباحثاته مع الرئيس الكيني أوهورو كيناتا على مكافحة الإرهاب في «القرن الأفريقي» واستئصال «حركة الشباب» الصومالية. كذلك أعلن كيري عن دعم بلاده لمكتب مفوضية اللاجئين بكينيا بـ45 مليون دولار لمساعدة اللاجئين الصوماليين في كينيا. وفي خطوة لا تخلو من الدلالة قام وزير الخارجية الأميركي في 5 مايو الحالي بزيارة للصومال، وهي الأولى من نوعها لمسؤول رفيع المستوى للجهاز الدبلوماسي الأميركي منذ ثمانينات القرن العشرين. وأجرى كيري في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية أميركي إلى جيبوتي، يوم 6 مايو 2015، مباحثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله، تناولت أهمية منطقة «القرن الأفريقي» والبحر الأحمر. كما جرى التركيز على التعاون والتنسيق في مجالات التعاون الأمني والعسكري، ومكافحة «الإرهاب» وخصوصًا «حركة الشباب». وحرص الوزير الأميركي في خطاب موجه إلى العالم الإسلامي من مسجد سليمان على التأكيد أمام القيادات الدينية والشبابية والنسائية والأكاديميين والإعلاميين التي حضرت خطابه على «الاعتدال الديني» وحاجة العالم والقرن الأفريقي إلى الاستقرار، والتمكين السياسي للشباب وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. وجاءت هذه الزيارة في سياقٍ دولي لا يخفي الصراع القائم حاليًا حول جيبوتي، التي تقارب مساحتها 23 ألف كيلومتر، وتطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية استراتيجية لدول الجوار والقوى الدولية الكبرى.
ولا يخفى أن هذه العوامل جعلت الولايات المتحدة تسابق الزمن لتطوير العلاقات الثنائية مع هذا البلد الهام، الذي سيستضيف منتدى التعاون الأميركي - الجيبوتي الثاني مطلع بداية 2016. وانسجاما مع الرؤية الأميركية الخاصة بالصراعات الدولية حول الممرّات المائية الدولية الاستراتيجية، كانت الولايات المتحدة قد وقعت مع جيبوتي عام 2003 اتفاقا، يجري بموجبه استخدام المنشآت العسكرية في جيبوتي، ولا سيما المرافق البحرية واتخاذ قاعدة أميركية في حملتها المناهضة للإرهاب في «القرن الأفريقي». وكان قد تم تجديد الاتفاقية الخاصة بقاعدة «لومنييه» أثناء زيارة للرئيس الجيبوتي غيله لواشنطن في الخامس من مايو 2014.
هذا، وتوجد في جيبوتي أيضا مراكز لقواعد عسكرية أجنبية تابعة للقوات الفرنسية واليابانية، علما بأن هذه الأخيرة تمركزت في هذا الموقع الجيو - استراتيجي في أول سماح للقوات اليابانية بالتموضع وبناء القواعد العسكرية خارج تراب اليابان. من جانب آخر لا يستبعد الرئيس الجيبوتي السماح للصين بإقامة قاعدة عسكرية في بلاده إذا رغبت في ذلك، وهو ما يفسّر احتدام الصراع الدولي على هذه الدولة الصغيرة، التي تعد كذلك البوابة البحرية الأساسية لإثيوبيا.
والجدير بالذكر أن ثمة تعاونا وتنسيقا مشتركا بين بعض دول خليج عدن في ما يخص مكافحة الإرهاب، فبتاريخ 4 / 2 / 2014 م انعقد منتدى «خليج عدن الإقليمي الثاني لمكافحة الإرهاب» في جيبوتي لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة و«حركة الشباب». ويأتي هذا الاجتماع تتمة لما تم في عام 2013 في اليمن، وبتمويل من الولايات المتحدة، وقد شاركت فيه وفود رسمية من وزارات الداخلية والدفاع والخارجية لكل من الصومال واليمن وإثيوبيا وجيبوتي، وجرى التركيز على الخطر «الإرهابي» في منطقة خليج عدن، وسبل مواجهته، ومواجهة تجارة السلاح والمشكلات البحرية.
بعد انقلاب ميليشيا الحوثي وقوات علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية في اليمن، برزت من جديد الأهمية الجيو - استراتيجية لجيبوتي، وضرورة استثمار ذلك لصالح الأمن القومي والإقليمي الخليجي. وتماشيا مع طبيعة العلاقات السعودية مع هذا البلد، أكد سفير جيبوتي ضياء الدين سعيد بامخرمة لدى الرياض إن بلاده «أيدت التحالف منذ اللحظة الأولى وفتحت مجالها الجوي لعمليات عاصفة الحزم»، وبالتالي، فهي مشاركة في التحالف الذي تقوده العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
كذلك قال السفير إنه «لا يفصلنا عن اليمن سوى 22 كلم هي مسافة فوهة مضيق باب المندب الاستراتيجي»، مضيفًا أن «المساعدات المرسلة من دول الخليج سيصار إلى نقلها للمحتاجين في اليمن عبر جيبوتي». ثم علّق قائلاً: «أعتقد أنّه من المهم أنْ يتكاتف المجتمع الدولي مع قيادة تحالف عاصفة الحزم، بأنْ يساعد جيبوتي لتكون المنطلق الرئيسي لوصول المساعدات اللازمة والإنسانية التي يحتاج إليها أهل اليمن بشكل عام».
وفي هذا الإطار يمكن وضع حديث الرئيس الجيبوتي غيله يوم السبت 9 مايو 2015م، عن مخاطر تعزيز «إرهاب القاعدة» نتيجة النزاع في اليمن، وتعهده بدعم السكان الفارين من النزاع. ويذكر أن رؤساء جيبوتي وتنزانيا والصومال وكينيا، وبعض وفود دول أفريقية أخرى، كانوا قد عقدوا اجتماعا أمنيا على مستوى عالٍ، برعاية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم 19 - 4 - 2015 في ميناء العقبة بالأردن. وناقش هذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه بين هذه الدول، سبل التصدي الجماعي للجماعات الإرهابية، وخصوصا في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وما يتطلبه ذلك من تقوية التنسيق، وتبادل المعلومات بين دول شرق أفريقيا والمملكة الأردنية في هذا المجال.
من جهتها، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة لتقوية القوات الصومالية ضد «حركة الشباب» الإرهابية، إذ دشن رئيس الصومال والسفير الإماراتي يوم 12 - 5 - 2015 مركزا للتدريب العسكري، وقال السفير الإماراتي إن بلاده «قامت ببناء مركز تدريب عسكري يعمل على تدريب أفراد الجيش الصومالي وتخريجه ليكونوا قادرين على مواجهة الإرهاب المتمثل في متمردي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تعرقل عملية السلام في البلاد»، في حين أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن «الإمارات تكفلت بناءً على حاجتنا إلى الأمن والاستقرار بدعم قوى الأمن والجيش، وهي ستزودها بمعدات عسكرية وتدربها على التصدي لظاهرة الإرهاب».
ولكن رغم الجهود الدولية والعربية الخاصة بمواجهة الإرهاب وضمان الاستقرار في «القرن الأفريقي» وخليج عدن، وكذا تطوير الدول العربية والقوى العالمية الكبرى علاقاتها مع دول «القرن الأفريقي»، فإن ذلك يواجه صعوبات معقدة ناتجة عن تباين التحالفات القائمة بين دول «القرن الأفريقي» والقوى الكبرى، وكذا مع دول مجلس التعاون الخليجي. ومن ذلك طبيعة التحالفات القائمة بين إيران وإريتريا، خصوصا بعد عام 2009م، إذ اتجهت إريتريا لبناء علاقات أمنية وعسكرية مع طهران توجّت بالسماح لـ«الحرس الثوري الإيراني» بإقامة نشاط عسكري انطلاقا من قاعدة عسكرية غير معلنة، وهو ما مكّنه من تدريب آلاف الحوثيين والشيعة العرب الآخرين، كما تمكن «الحرس الثوري» من تهريب كميات وأنواع مختلفة من الأسلحة للداخل اليمني حتى الشهور الأولى من 2015.
ولا بد كذلك من الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات العربية مع منطقة «القرن الأفريقي» جزء من نظام عام من العلاقات الدولية المتباينة الأهداف، والتي تصل إلى حد تناقض المصالح. فلاعتبارات استراتيجية واقتصادية وعسكرية وأمنية تتجه جهود القوى الكبرى الغربية نحو محاصرة الدول الأفرو - عربية وعزلها عن دائرة التأثير في مناطق التوتر، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على المصالح العربية، بما فيها تلك الناتجة عن الأنشطة الإرهابية، وخلق الميليشيات المسلحة المهدّد للأمن الخليجي، مما يزيد من قوة إيران الإقليمية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.