حزب الله يمهّد إعلاميًا لفتح معركة مع المسلحين المتمركزين في الجرود اللبنانية الشرقية

صعّد حزب الله اللبناني في الساعات الماضية من حملته الداعية لمواجهة المجموعات المسلحة المتمركزة في المنطقة الحدودية الشرقية مع سوريا، وبالذات في منطقة جرود بلدة عرسال. فبعدما كان الحزب يترك مهمة التصدي لهذه المجموعات للجيش اللبناني متفرغًا لمعاركه على الأراضي السورية، أعلن صراحة يوم أمس، وعلى لسان أكثر من مسؤول حزبي، عن جاهزيته لفتح معركة على الأراضي اللبنانية استكمالا لخوضه معركة القلمون. ولقد أثارت مواقف الحزب الأخيرة مخاوف تيار «المستقبل» من «مخطط لتهجير أهالي عرسال (ذات الأكثرية السنية) تمهيدا لاستكمال الشريط الشيعي - العلوي الذي يصل الساحل السوري بالزبداني ودمشق».
نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أعلن أن «هناك 400 كلم مربع من الأراضي اللبنانية في جرود عرسال محتلة من الإرهاب التكفيري... وحزب الله مصمم على أن يواجه هؤلاء لتحرير الأرض وسيستمر باستهدافهم، ولكن للأسف هناك من يغطيهم سياسيا ويقبل باحتلالهم». واعتبر قاسم أن «هناك بعض السياسيين في لبنان وبعض أتباعهم يفضلون أن يدخل (داعش) و(النصرة) إلى قرى لبنانية إضافية ويحتلوها على أن يحمل حزب الله مكرمة تحرير الأراضي التي يتضرّرون هم من احتلالها». وأضاف: «على كل حال نحن ندعوهم إلى أن نجلس سويًا لنتفق، فإذا أرادت جماعة المستقبل مثلا أن تحرّر الأرض بالتعاون بينهم وبين حزب الله فنحن حاضرون أن ننسق معها، وإذا أرادت أن تلجأ إلى قناة الدولة اللبنانية من خلال الحكومة فنحن نقبل بأن تتخذ الحكومة القرارات المناسبة لتحرير الأرض بالطريقة المناسبة، ونحن ننتظر ليحرروها، ولكن إذا لم يحصل هذا ولا ذاك فنحن عاقدو العزم على أن نتخذ الإجراءات المناسبة لحماية شعبنا وبلدنا وتحرير أرضنا من الإرهاب التكفيري، أما أن يقول لنا البعض: اجلسوا جانبا والقوى المسلحة الرسمية تقوم بالواجب، فأمامكم تجربة الرمادي في العراق».
وشدّد قاسم على أن حزب الله لن يكرر تجربة الأنبار في لبنان، قائلا: «لن نقبل بأن نجلس جانبًا إلا أن تقولوا لنا كيف يتم التحرير وتقنعونا بذلك».
في ما يبدو أنّه عملية تمهيدية لفتح المعركة مع المسلحين المتمركزين في الجرود، أكد رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك أن «حزب الله لم ولن يورط الجيش اللبناني في أي معركة كما يقول البعض، بل على العكس نحن خلفه ومعه، ولكن عندما تتخلى الدولة والحكومة عن مسؤولياتها في حفظ أمن أهلنا وشعبنا فنحن مضطرون لمواجهة الخطر من أجل سلامة أهلنا ومناطقنا».
ردًا على هذه المواقف، استهجن النائب في تيار «المستقبل» جمال الجراح حديث حزب الله عن تحرير أراض لبنانية، «فيما هو يحتل أراضي سورية ويقتل الشعب السوري وأطفال سوريا»، وتوجه له بالقول: «أزل عن نفسك أولا صفة المحتل قبل الحديث عن أراض لبنانية محتلة». ونبّه الجراح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن يكون حزب الله يسعى من هذه الحملة لـ«استكمال المشروع الإيراني الهادف لتهجير أهالي عرسال واقتلاع البلدة (حيث الأكثرية السنية) كي تصبح المنطقة هناك ذات طابع مذهبي صاف لإتمام مخطط تقسيم سوريا واستكمال الشريط الشيعي - العلوي الذي يصل الساحل السوري بالزبداني ودمشق».
وشدّد الجراح على أن «إطلاق حزب الله حججًا للمعركة بالقول إنه يحرر أراضي محتلة لن ينطلي على أحد، فإذا كان هناك أصلاً من أراض محتلة، فالجيش والأجهزة اللبنانية الرسمية وحدها مكلفة تحريرها». وتابع: «في كل الأحوال، نحن مطمئنون إلى أن قيادة الجيش تعي تماما خطورة ما يخطط له حزب الله وتداعياته المذهبية، وهي جاهزة لرد الفتنة وصد أي اعتداء تتعرض له الأراضي اللبنانية».
جدير بالذكر أن الجيش اللبناني تصدّى منذ أغسطس (آب) الماضي لعشرات المحاولات لاحتلال مراكز حدودية له من قبل المجموعات المسلحة المتمركزة في المناطق الجردية، وهو ينفذ حاليًا عمليات تستهدف مواقع للمسلحين في جرود عرسال معتمدًا على سلاح وصله حديثًا من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وعلى أبراج مراقبة ضخمة ساهمت بريطانيا بإنشائها قبل أكثر من سنتين.
وفي هذا السياق، قالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش ينفذ عمليات شبه يومية يتصدى من خلالها للمسلحين الذي يحتلون أراضي لبنانية، وهو لا يُعلن عنها كلها باعتبار أنها تندرج بإطار مواجهة مستمرة انطلقت منذ أغسطس الماضي حين حاولت المجموعات الإرهابية احتلال عرسال واختطفت عددا من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي». وأكدت المصادر أن «قوى الجيش على أتم الاستعداد للتعامل مع أي مستجدات طارئة، وهي تعمل تحت سقف القرارات التي اتخذتها الحكومة لجهة كيفية التعاطي مع تداعيات الأزمة السورية».