إنزيم جديد يتربع على عرش «آكلي البلاستيك»

يتناول 90 % من وجبته في 16 ساعة

د. كريستيان زونينديكر وفريقه اكتشفوا إنزيماً يكسر بلاستيك «البولي إيثيلين تيريفثالات» بسرعة قياسية (جامعة لايبزيغ)
د. كريستيان زونينديكر وفريقه اكتشفوا إنزيماً يكسر بلاستيك «البولي إيثيلين تيريفثالات» بسرعة قياسية (جامعة لايبزيغ)
TT

إنزيم جديد يتربع على عرش «آكلي البلاستيك»

د. كريستيان زونينديكر وفريقه اكتشفوا إنزيماً يكسر بلاستيك «البولي إيثيلين تيريفثالات» بسرعة قياسية (جامعة لايبزيغ)
د. كريستيان زونينديكر وفريقه اكتشفوا إنزيماً يكسر بلاستيك «البولي إيثيلين تيريفثالات» بسرعة قياسية (جامعة لايبزيغ)

الزجاجات البلاستيكية، الأغلفة، والعبوات خفيفة الوزن المصنوعة من بلاستيك «البولي إيثيلين تيريفثالات»، والمعروف اختصاراً باسم «PET»، تصبح مشكلة إذا لم تتم إعادة تدويرها. وقد اكتشف علماء بجامعة لايبزيغ بألمانيا، إنزيماً عالي الكفاءة يسمى (PHL7) يعمل على تحطيم هذا البلاستيك في وقت قياسي، وجدوه في كومة السماد في لايبزيغ، ويمكن أن يعيد التدوير البيولوجي للبلاستيك بشكل أسرع بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، وتم نشر النتائج في 18 مايو (أيار) 2022، بالعدد الأخير من المجلة العلمية «ChemSusChem».
وتلعب الإنزيمات في الطبيعة دوراً في تحلل أجزاء النبات بواسطة البكتيريا، ومعروف أن بعض الإنزيمات التي تسمى «هيدروليسات شطر البوليستر»، يمكنها أيضاً أن تتحلل من بلاستيك «البولي إيثيلين تيرفثالات»، فعلى سبيل المثال، يعتبر إنزيم (LCC) الذي تم اكتشافه في اليابان عام 2012، من «أكلة البلاستيك» الفعالة بشكل خاص.
ويبحث الفريق البحثي بقيادة الدكتور كريستيان زونينديكر، وهو باحث مهني من جامعة لايبزيغ، عن أمثلة غير مكتشفة سابقاً لهؤلاء المساعدين البيولوجيين كجزء من المشروعات الممولة من الاتحاد الأوروبي، ووجد ما كانوا يبحثون عنه في مقبرة الجنوب (Südfriedhof) في لايبزيغ بألمانيا، داخل عينة من كومة السماد، ووجدوا أن الإنزيم الجديد أدى إلى تحلل «البولي إيثيلين تيرفثالات» بسرعة قياسية في المختبر.
وكان الباحثون من معهد الكيمياء التحليلية بجامعة لايبزيغ، قد عثروا على 7 إنزيمات مختلفة ودرسوها، غير أن المرشح السابع، المسمى (PHL7)، حقق نتائج في المختبر كانت أعلى بكثير من المتوسط.
وفي التجارب، أضاف الباحثون «البولي إيثيلين تيرفثالات» إلى حاويات تحتوي على محلول مائي يحتوي إما على إنزيم (PHL7) أو إنزيم (LCC)، ثم قاموا بقياس كمية البلاستيك التي تدهورت في فترة زمنية معينة، وقارنوا القيم بعضها مع بعض.
في غضون 16 ساعة، تسبب الإنزيم الجديد (PHL7) في تحلل «البولي إيثيلين تيرفثالات» بنسبة 90 في المائة، في الوقت نفسه، حقق الإنزيم المنافس (LCC) نسبة 45 في المائة فقط. يقول زونينديكر في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لـ«لايبزيغ» بالتزامن مع الدراسة: «الإنزيم الخاص بنا يكون نشطاً مرتين مثل المنافس، وعلى سبيل المثال، قام بتفكيك وعاء بلاستيكي، وهو النوع المستخدم لبيع العنب في محلات السوبر ماركت، في أقل من 24 ساعة».
وتتميز إعادة التدوير البيولوجي باستخدام الإنزيم الجديد ببعض المزايا، مقارنة بطرق إعادة التدوير التقليدية، والتي تعتمد بشكل أساسي على العمليات الحرارية؛ حيث تتم إذابة النفايات البلاستيكية في درجات حرارة عالية.
وهذه العمليات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وتسبب انخفاضاً في جودة البلاستيك مع كل دورة إعادة تدوير، ومن ناحية أخرى، تتطلب الإنزيمات بيئة مائية فقط ودرجة حرارة من 65 إلى 70 درجة مئوية لعملها.
وهناك ميزة أخرى وهي أنها تقوم بتفكيك «البولي إيثيلين تيرفثالات» إلى مكوناتها من حمض التريفثاليك والإيثيلين غلايكول، والتي يمكن إعادة استخدامها لإنتاج المادة نفسها من جديد، مما يؤدي إلى دورة مغلقة. وحتى الآن، لم يتم اختبار إعادة التدوير البيولوجي لـ«البولي إيثيلين تيرفثالات» إلا بواسطة مصنع تجريبي في فرنسا.
يقول البروفسور وولفجانغ زيمرمان الذي لعب دوراً رئيسياً في إنشاء نشاط بحثي في التقنيات القائمة على الإنزيم في لايبزيغ: «يمكن للإنزيم المكتشف في لايبزيغ أن يقدم مساهمة مهمة في إنشاء عمليات إعادة تدوير بلاستيكية بديلة موفرة للطاقة».
ونظراً للمشكلات الهائلة الناجمة عن العبء العالمي للنفايات البلاستيكية على البيئة، أصبح من المهم بشكل متزايد إيجاد طرق صديقة للبيئة لإعادة استخدام البلاستيك في اقتصاد دائري مستدام، وقد ثبت أن المحفز الحيوي الذي تم تطويره الآن في لايبزيغ فعال للغاية في التحلل السريع لأغلفة «البولي إيثيلين تيريفثالات» في عملية إعادة التدوير الصديقة للبيئة؛ حيث يمكن إنتاج بلاستيك جديد من منتجات التحلل.
ويأمل الباحثون من لايبزيغ أن يتمكن الإنزيم المكتشف حديثاً من تعزيز إعادة التدوير البيولوجي في الممارسة، ويبحثون عن شركاء صناعيين لهذا الغرض، فهم مقتنعون بأن السرعة الأعلى ستقلل بشكل كبير من تكاليف إعادة التدوير.
وعلى مدى السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة، يهدفون إلى إنشاء نموذج أولي يجعل من الممكن تحديد الفوائد الاقتصادية لعملية إعادة التدوير البيولوجي السريعة بشكل أكثر دقة.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً