أوكرانيون يتعايشون مع الموت في الجبهة الشرقية

TT

أوكرانيون يتعايشون مع الموت في الجبهة الشرقية

تعتقد المزارعة الأوكرانية تيتيانا بارشيفسكا أن ظهور علامات تقدم السن بشكل واضح على ملامح جيرانها مرده الخوف، منذ أن رأتهم آخر مرة عندما خرجوا في يوم التسوق قبل أسبوع عند الجبهة الشرقية.
اقترب الروس كثيرا من بلدتها سوليدار منذ نصبت بارشيفسكا كشكها آخر مرة على الشارع في الطرف المقابل لمتجر بقالة مدمر. دمر جزء من منجم الملح في البلدة جراء سقوط صاروخ، بينما طالت نيران المدفعية الطريق الرئيسي، حيث كانت الحافلات تتوقف. لكن بارشيفسكا بدت قلقة بشكل خاص على مصير بقراتها مع دخول الغزو الروسي شهره الرابع. وقالت المزارعة البالغة 47 عاما من خلف طاولة وضعت عليها شرائح اللحم وعبوات الكريمة الحامضة: «استثمرت كل ما أملكه فيها. كرست كل عملي للمزرعة»، حسبما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير أمس.
في الأثناء، تتبادل مجموعة من النساء المسنات والرجال قصصاً مروعة عن الليالي التي قضوها من دون نوم وحوادث نجوا منها. تراقب بارشيفسكا عن قرب أصدقاءها لتعود بعد ذلك إلى طاولتها المليئة باللحوم. وقالت بينما توقف القتال لفترة وجيزة على ثلاثة محاور في أطراف بلدتها: «انتبهت اليوم إلى أي حد تقدم الجميع في السن خلال الأسبوع الفائت (...) إنه الخوف. الأمر واضح في عيونهم. تبدو عيونهم هرمة أكثر».
- «فليقتلني»
ويثير خندق عميق جديد جنوب سوليدار قلق السكان. فقد زحف الروس باتجاه مركز استخراج الملح التاريخي في أوكرانيا بطريقة الكماشة. وينتهي الطريق المؤدي إلى الشمال الشرقي، والذي تسيطر عليه القوات الروسية، في مدينتين صناعيتين محاصرتين ومهجورتين ترفض أوكرانيا التخلي عنهما رسمياً. ووصل الجنود الروس إلى منطقة على بعد ثلاثة كيلومترات من الطرف الشرقي لبلدة باخموت المجاورة لسوليدار. وقطع هؤلاء الطريق المؤدي إلى الشمال الغربي بهدف السيطرة على مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك اللتين تحملان أهمية رمزية. لكن التعزيزات الأوكرانية التي تتحرك على طول هذه الطرق السريعة المعرضة للقصف تعد قليلة للغاية.
وتدل الخنادق جنوبا على أن أوكرانيا تستعد لاتخاذ موقع دفاعي جديد يترك وراءه مناطق مثل سوليدار. ويتحدث السكان المتجمعون في سوق البلدة الصغيرة عن الموت بشكل متزايد. وقال المتقاعد فولوديمير سيليفيورستوف عن القصف الذي قد يطال كشكه في أي لحظة: «إذا قتلني فليقتلني... قتلت بقرة جاري المرة الماضية بشظية واضطررت لسحبها حتى لا تصدر رائحة كريهة (...) أنتظر أن تقتل بقرتَي اليوم أو ربما غدا. هكذا نعيش».
- أين المفر؟
كانت باخموت مركزا على الخطوط الأمامية حيث كانت تتمركز مجموعات الإغاثة الغربية. واليوم، باتت طرقها مليئة بركام المباني الحكومية والمستودعات التي يقصفها الروس يومياً بالصواريخ والقذائف. وترد وحدات أوكرانية متحركة على القصف من مواقع عدة داخل البلدة التي باتت خالية من السكان أو في محيطها. ثم تحاول التحرك قبل أن يتمكن الروس من تحديد مواقعها والرد. ترهق لعبة القط والفأر المميتة هذه أعصاب المصرفية المتقاعدة من باخموت، فالنتينا بافلينكو.
تجر السيدة البالغة 69 عاما عربة أمام ما تبقى من مدرسة يقول السكان إنها كانت لفترة ما مقرا لوحدة عسكرية أوكرانية. وتتساءل «أين يمكنني أن أهرب؟ إنهم يطلقون النار في كل مكان، أين يمكنك الهرب؟». وتضيف «إذا انفجر شيء ما أمامي فأمنيتي الوحيدة ألا أصبح معوقة. لا أريد أن أكون طريحة الفراش. إذا ضربني شيء ما، فأريد أن ينتهي كل شيء بسرعة».
- لا استسلام للخوف
بدوره، يصر عامل المصنع دينيس أليكساندروف على عدم الاستسلام للخوف. خسر الرجل البالغ 42 عاما وظيفته قبل أسابيع جراء القصف وبات اليوم يساعد في تنظيف رؤوس البطاطس عند أحد أكشاك سوق سوليدار. بدا مستسلما لفكرة الموت فورا على غرار معظم جيرانه. لكنه مل في الوقت نفسه من ترك الخوف يلاحقه على الدوام. تساءل وهو ينظف رؤوس البطاطس «لم الاختباء؟ إذا وصلت القذيفة فستضرب أي مكان بغض النظر عن المكان الذي اخترت الاختباء فيه». وبدا مرتاحا بعض الشيء لعثوره على عمل يلهيه في أوقات الحرب. وقال: «تختبئ في قبو كالأحمق وتدور أفكار مجنونة في رأسك». وأضاف «هنا يمكنك التحدث إلى الناس. نعرف بعضنا البعض الآن وبات الوضع أسهل بعض الشيء».


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».