صراعات الأجنحة الحوثية تهدد مسارات التسوية في اليمن

منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
TT

صراعات الأجنحة الحوثية تهدد مسارات التسوية في اليمن

منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)

أفادت مصادر سياسية يمنية مطلعة بأن الهدنة الأممية الأخيرة كانت على وشك الانهيار، ولهذا طُلب من وسطاء إقليميين التدخل لدى عبد الملك الحوثي لتغيير ممثليه في المحادثات الخاصة بتشغيل الرحلات التجارية من مطار صنعاء وبقية الملفات التي نصّت عليها الهدنة، وهو ما حدث وكان سبباً في صمود الهدنة وتحقيق تقدم كبير في بنودها.
وحسب المصادر، فإن كواليس الجولة قبل الأخيرة من المحادثات التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن عكست جانباً من التحديات التي تواجه التسوية بفعل صراع الأجنحة داخل قيادة الحوثيين وحجم المصالح التي تشكّلت وأصبحت تتحكم في الموقف من السلام.
المصادر السياسية التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» أوضحت أنه في أثناء المحادثات الخاصة بالهدنة اتُّفق على أن تطبَّق على الرحلات التجارية المتوجهة من مطار صنعاء إلى الأردن ومصر نفس الإجراءات المتَّبَعة في المطارات التي تديرها الحكومة، ولكن عشية الموعد المحدد لانطلاق أول رحلة إلى الأردن فوجئت الحكومة اليمنية بوجود 46 راكباً يحملون وثائق سفر صادرة عن سلطة ميليشيات الحوثي، وهو ما تسبب في تأجيل انطلاق تلك الرحلة.
ووفق المصادر، دخلت الأمم المتحدة في سباق مع الزمن لتجاوز هذه الإشكالية والتي كان من شأنها أن تنسف الهدنة وكل الجهود التي بُذلت للتوافق عليها، غير أن تلك الجهود، وفق ما أكده مصدران مطلعان على المحادثات، اصطدمت بتعنت كبير المفاوضين الحوثيين عبد السلام فليتة، ما اضطر الوسطاء إلى أن يطلبوا من زعيم الميليشيات اختيار شخص آخر لاستكمال معالجة بنود الهدنة حيث تم اختيار حسين العزي نائب وزير خارجية الميليشيات، وتم خلال تلك الاتصالات التوصل إلى اتفاق قدمت خلاله الحكومة تنازلاً مهماً، سمحت بموجبه للمسافرين بحمل وثائق سفر صادرة عن سلطة الميليشيات، ولكنها أخلت مسؤوليتها من أي اختراقات أمنية أو تسلل مطلوبين إلى الخارج عبر تلك الرحلات.
لكنّ محمد العمراني وهو عضو الفريق الحكومي المفاوض يرى أنه لا يوجد غير جناح إيران المسيطر على المشهد وهذا يجعل شكل الانسجام واضحاً بين الإيقاع الإيراني والحوثي، حيث لوحظ أن إيران عندما تكون في لحظة قابلة للسلام تمضي الأمور مع الحوثيين في أكثر من موقف، ولكن عندما تكون إيران غير راضية لا يحصل مثل هذا التقدم.
ويضيف العمراني لـ«الشرق الأوسط»: «في تقديري لا توجد صقور وحمائم في الجماعة، ولكن شبكات مصالح مع عملية السلام وهم مجموعة قليلة في قيادة الحوثيين ممن لديهم مصالح تجارية ويعتقدون أن عملية السلام سوف تخدم مصالحهم مع أن ازدهار السوق السوداء يؤثر على ذلك».
وحسب العمراني فإنه لا يوجد تقسيم بالشكل المعروف، ولكن هناك سيطرة وعسكرة للمشهد، بمعنى أن شبكة العسكر التي أصبحت الحرب لديهم وسيلة للإثراء يعتقدون أن إيقاف الحرب سيكون على حسابهم ولهذا لا يريدون سلاماً.
ويرى أحد المستشارين المحليين الذي عمل لسنوات مع الأمم المتحدة، أنه كلما طال أمد الصراع تشكلت مصالح أكبر ومراكز نفوذ يصعب السيطرة عليها، ويشير إلى أن بقاء قوات عبد الله الرزامي وسط صنعاء منذ سحق الانتفاضة التي قادها الرئيس السابق علي عبد الله صالح نهاية عام 2017 تأكيدٌ على أن الرجل يبحث عن نصيبه من أي صفقة.
فإلى جانب أن ابن الرزامي -حسب المستشار- «يتولى مهمة الاستيلاء على الأراضي والمباني الفخمة في الأحياء الراقية من العاصمة فإنه يترأس اليوم الفريق الحوثي في محادثات فتح الطرق إلى تعز وبقية المحافظات، كما أن بقاء فليتة على رأس الفريق المفاوض في الملفات السياسية رغم ما ظهر من مواقف تهدف إلى إفشال جهود السلام يشير إلى أننا مقبلون على مرحلة من المواجهات الداخلية وسيكون لها تأثير واضح على مسار التسوية ونجاحها من عدمه».
ويؤكد المستشار، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه لا يزال يعمل ضمن الجهات المساعدة للأمم المتحدة، أن قادة الأجنحة الحوثية توزعوا الغنائم بشكل جليّ في مناطق سيطرتهم.
لكنّ وزيراً سابقاً في الحكومة اليمنية يقول لـ«الشرق الأوسط» إن ما حدث يعكس جانباً بسيطاً من التحديات التي تواجه عملية التسوية، بسبب تعدد الأجنحة داخل قيادة الميليشيات، وحجم مصالحها حيث يقيّم كل جناح أي اتفاق بمدى تضرر مصالحه منه.
وأعاد الوزير اليمني السابق التذكير بمحادثات الكويت منتصف عام 2016 حيث تم الاتفاق على جميع بنود السلام وإيقاف الحرب ومعالجة موضوع الأسلحة والجماعات المسلحة، وعززت باتفاق ظهران الجنوب الذي وقِّع عن الجانب الحكومي والحوثيين ولكن في اللحظات الأخيرة يتلقى ممثل الميليشيات توجيهات بعدم التوقيع على مسودة اتفاق الكويت، وأعقب ذلك إزاحة القيادي الحوثي حمزة الحوثي من فريق المفاوضين، وتعيينه مسؤولاً عن مراقبة من تصفهم الجماعة بـ«الطابور الخامس» وغاب عن المشهد تماماً منذ عدة سنوات.
ويضيف: «يعرف جميع السياسيين والإعلاميين في صنعاء أن أحمد حامد مدير مكتب رئيس مجلس الحكم الحوثي، هو من يدير الجناح الأساسي المسيطر على الوظائف الحكومية وعائدات الدولة والعلاقات مع التجار والجبايات ويضم هذا الجناح رئيس فريق المفاوضين الذي يترأس شبكة القنوات الفضائية ويدير أخوه شركتين لاستيراد النفط والغاز ومعه صالح مسفر الشاعر رئيس ما تسمى هيئة الدعم اللوجيستي، وهو في الأساس تاجر سلاح أُوكلت إليه مهمة إدارة الشركات والأموال التي تم الاستيلاء عليها من المعارضين».
ووفق ما ذكره الوزير الذي فضّل حجب اسمه، فإن عبد الكريم الحوثي وهو عم زعيم الميليشيات، استولى على مجموعة من ممتلكات المسؤولين السابقين، وتجار يعارضون الانقلاب، إلى جانب استيلائه على موازنة وزارة داخلية الانقلاب التي عُيّن فيها، وكذا جهاز المخابرات الذي يشرف عليه، ويحصل على نصيبه من الجبايات التي تؤخذ من التجار في مناطق التّماس، حيث استحدث منافذ جمركية على الحدود مع مناطق سيطرة الحكومة.
والأمر كذلك -وفقاً لحديث الوزير- فإن محمد علي الحوثي والذي حاول طوال أربع سنوات تقديم نفسه كزعيم لجناح الاعتدال أصبح منهمكاً الآن بملف الأراضي سواء المملوكة للدولة أو تلك التي يريد انتزاعها من ملاكها وتحكمه المطلق بعملية بيع وشراء العقارات في مناطق سيطرة الميليشيات عبر ما تسمى المنظومة العدلية.
ويرى مراقبون سياسيون أن إقدام الميليشيات على تحويل جزء من سواحل مدينة الحديدة إلى منطقة عسكرية، ومنع الصيادين من العمل في مسافة تزيد على 17 كلم هو انعكاس لهذا الصراع المتنامي بين أجنحة الميليشيات، حيث أدت هذه الخطوة إلى حرمان الصيادين من العمل وضيّقت عليهم فرص العيش، في وقت لا تشهد المحافظة أي مواجهات، وهناك فريق مراقبة يتبع الأمم المتحدة يتولى متابعة وقف إطلاق النار حيث يتعرض الصيادون لإطلاق النار مباشرةً أو يتم جرهم إلى السجون.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
TT

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

يواصل «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» تقديم المشاريع والمبادرات التنموية في التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب والمجتمعات، والاستثمار في رأس المال البشري، ودعم سبل العيش والمعيشة.

وذكر تقرير حديث عن البرنامج أن البرامج والمبادرات التنموية التي يقدمها البرنامج السعودي ركزت في المساهمة على بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد، من خلال برنامج «بناء المستقبل للشباب اليمني» الذي يساهم في ربط الشباب اليمني بسوق العمل عبر تدريبهم وتمكينهم بالأدوات والممكنات المهارية.

ويساعد البرنامج الشباب اليمنيين على خلق مشاريع تتلاءم مع الاحتياجات، ويركّز على طلاب الجامعات في سنواتهم الدراسية الأخيرة، ورواد الأعمال الطموحين، وكان من أبرز مخرجاته تخريج 678 شاباً وشابةً في عدد من التخصصات المهنية، وربط المستفيدين بفرص العمل، وتمكينهم من البدء بمشاريعهم الخاصة.

وشملت المشاريع والمبادرات برامج التمكين الاقتصادي للسيدات، بهدف تعزيز دور المرأة اليمنية وتمكينها اقتصادياً.

تدريبات مهنية متنوعة لإعداد الشباب اليمني لسوق العمل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وأشار التقرير إلى أن برنامج «سبأ» للتمكين الاقتصادي للسيدات، الذي أسهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب، وإكساب 60 سيدة للمهارات اللازمة لإطلاق مشاريعهن، وإطلاق 35 مشروعاً لتأهيل وتدريب قطاع الأعمال ودعم 35 مشروعاً عبر التمويل وبناء القدرات والخدمات الاستشارية، مع استفادة خمسة آلاف طالبة من الحملات التوعوية التي تم تنظيمها.

وإلى جانب ذلك تم تنظيم مبادرة «معمل حرفة» في محافظة سقطرى لدعم النساء في مجال الحرف اليدوية والخياطة، وتسخير الظروف والموارد المناسبة لتمكين المرأة اليمنية اقتصادياً.

وقدم «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» مشروع الوصول إلى التعليم في الريف، الذي يهدف إلى حصول 150 فتاة على شهادة الدبلوم العالي وتأهيلهن للتدريس في مدارس التعليم العام، في أربع محافظات يمنية هي: لحج، شبوة، حضرموت، والمهرة، بما يسهم في الحد من تسرب الفتيات في الريف من التعليم وزيادة معدل التحاقهن بالتعليم العام في المناطق المستهدفة.

وقدّم البرنامج مشروع «دعم سبل العيش للمجتمعات المتضررة»، الموجه للفئات المتضررة عبر طُرق مبتكرة لاستعادة سبل المعيشة الريفية وتعزيز صمود المجتمعات المحلية من خلال دعم قطاعات الأمن الغذائي، مثل الزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية، لأهمية القطاعات الأكثر حساسية للصدمات البيئية والاقتصادية، موفراً أكثر من 13 ألف فرصة عمل للمستفيدين من المشروع.

البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يساهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وضمن البرامج والمبادرات التنموية المستدامة، جاء مشروع استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن، بهدف توفير المياه باستخدام منظومات الطاقة الشمسية، وتوفير منظومات الري الزراعي بالطاقة المتجددة، وتوفير الطاقة للمرافق التعليمية والصحية، والمساهمة في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.

كما يهدف المشروع إلى حماية البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير مصدر مستدام للطاقة، محققاً استفادة لأكثر من 62 ألف مستفيد في 5 محافظات يمنية.

وفي مساعيه لتعزيز الموارد المائية واستدامتها، أطلق البرنامج مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في محافظتي عدن وحضرموت، لتحسين مستوى خدمات المياه والعمل على بناء قدرات العاملين في الحقول على استخدام وتشغيل منظومات الطاقة الشمسية.

تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

ومن خلال مشروع المسكن الملائم، يسعى البرنامج إلى المساهمة في تعزيز التنمية الحضرية وإيجاد حل مستدام للأسر ذات الدخل المحدود في المديريات ذات الأولوية في محافظة عدن من خلال إعادة تأهيل المساكن المتضررة، وقد ساهم المشروع في إعادة تأهيل 650 وحدة سكنية في عدن.

وتركّز البرامج التنموية على المساهمة في بناء قدرات الكوادر في القطاعات المختلفة، وقد صممت عدد من المبادرات في هذا الجانب، ومن ذلك مبادرات تدريب الكوادر في المطارات مركزة على رفع قدراتهم في استخدام وصيانة عربات الإطفاء، ورفع درجة الجاهزية للتجاوب مع حالات الطوارئ، والاستجابة السريعة في المطارات اليمنية، إضافة إلى ورش العمل للمساهمة في الارتقاء بمستوى الأداء وتذليل المعوقات أمام الكوادر العاملة في قطاعات المقاولات والزراعة.