{جدري القردة}... مرض فيروسي ينتشر عالمياً

ينتقل عبر الإفرازات الجسدية

{جدري القردة}... مرض فيروسي ينتشر عالمياً
TT

{جدري القردة}... مرض فيروسي ينتشر عالمياً

{جدري القردة}... مرض فيروسي ينتشر عالمياً

جدري القردة (Monkeypox) مرض فيروسي حيواني المنشأ (zoonotic)، يُمكن انتقال فيروسه من الحيوان إلى الإنسان، يسببه فيروس «جدري القرود» الذي ينتمي إلى عائلة orthopoxvirus. يتم الانتقال عن طريق التلامس والتعرض لقطراته الكبيرة عبر الزفير. وتماثل أعراضه في الإنسان تلك التي كانت تظهر في الماضي على مرضى الجدري، ولكنها أقل شدّة.
ومع أن الجدري كان قد استُؤصِل في عام 1980، فإن جدري القردة لا يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء من غرب ووسط أفريقيا. ويعد جدري القردة مرضاً ذا أهمية للصحة العامة العالمية؛ لأنه لا يؤثر فقط على بلدان غرب ووسط أفريقيا، بل يؤثر على بقية العالم. ولا يوجد أي علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض رغم أنّ التطعيم السابق ضدّ الجدري أثبت نجاعة عالية في الوقاية أيضاً من جدري القردة.
- نصف قرن من الوباء
في عام 1970، كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة بين البشر بجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير) لدى صبي في منطقة استُؤصِل منها الجدري في عام 1968. ومنذ ذلك الحين أصبح متوطناً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ضمن 11 دولة أفريقية أخرى.
وفي 1996 - 1997، تم اندلاع تفشٍ كبير في جمهورية الكونغو الديمقراطية مع نسبة إماتة أقل للحالات ومعدل هجوم أعلى من المعتاد. تم العثور على تفشٍ متزامن لجدري الماء chickenpox (الناجم عن فيروس آخر varicella virus غير فيروس جدري القردة) وجدري القردة؛ مما قد يفسر التغيرات الحقيقية أو الظاهرة في ديناميكيات الانتقال في هذه الحالة.
وفي عام 2003، رُصد أول انتشار لجدري القردة خارج أفريقيا في الولايات المتحدة الأميركية، وكان مرتبطاً بالاتصال بكلاب البراري الأليفة المصابة.
وفي عام 2005، اندلع تفشٍ لجدري القردة في السودان وأُبلغ عن وقوع حالات متفرقة في أجزاء أخرى من أفريقيا.
وفي عام 2009، قامت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو بتحديد وتأكيد حالتين للإصابة بجدري القردة. وفي أواخر عام 2016، جرى احتواء 26 حالة ووفاتين في تفشٍ آخر بجمهورية أفريقيا الوسطى.
ومنذ عام 2017، شهدت نيجيريا تفشياً كبيراً، مع أكثر من 500 حالة مشتبه بها وأكثر من 200 حالة مؤكدة ونسبة إماتة قاربت 3 في المائة. ويستمر الإبلاغ عن الحالات حتى اليوم. وفي سبتمبر (أيلول) 2018، تم الإبلاغ عن جدري القرود في مسافرين من نيجيريا إلى إسرائيل، ثم في سبتمبر 2018، وديسمبر (كانون الأول) 2019. ومايو (أيار) 2021 ومايو 2022، وصل إلى المملكة المتحدة. وفي مايو 2019، إلى سنغافورة. وفي يوليو (تموز) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إلى الولايات المتحدة الأميركية.
> في مايو 2022، تم تحديد حالات متعددة من جدري القردة في العديد من البلدان غير الموبوءة. وتؤكد منظمة الصحة العالمية، أن الدراسات لا تزال جارية لفهم علم الأوبئة ومصادر العدوى وأنماط الانتقال لعدوى جدري القردة.

انتقال المرض

قد لا يتم اكتشاف الحالات الخفيفة منه؛ لذ فإنها تمثل خطراً لانتقال العدوى من شخص إلى آخر. ومن المحتمل أن يكتسب الذين يسافرون ويتعرضون للمرض القليلَ من المناعة ضد العدوى. وأهم طرق العدوى:
- المخالطة المباشرة لدماء الحيوانات المصابة أو لسوائل أجسامها أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية.
- الانتقال من إنسان إلى آخر، بالتعرض المباشر والطويل لإفرازات الجهاز التنفسي للمصاب أو لآفاته الجلدية.
- ملامسة أشياء لُوِّثت مؤخراً بسوائل المريض أو بمواد تسبب الآفات.
- الانتقال عبر المشيمة من الأم إلى الجنين (جدري القرود الخلقي) أو أثناء الاتصال الوثيق أثناء الولادة وبعدها.
- الاتصال الجسدي (الانتقال الجنسي) هو عامل خطر يحتاج إلى دراسات لفهمه بشكل أفضل.

العلامات والأعراض

تتراوح فترة حضانة جدري القردة (من الإصابة بالعدوى حتى ظهور الأعراض) بين 6 أيام و16 يوماً، وقد تصل إلى 21 يوماً. وتقسم مرحلة العدوى إلى فترتين كالتالي:
> فترة الغزو (صفر يوم و5 أيام): حمى وصداع مبرح وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر والعضلات ووهن شديد.
> فترة ظهور الطفح الجلدي (يوم واحد و3 أيام عقب الحمى): طفح على الوجه (في 95 في المائة من الحالات)، على راحتي اليدين وأخمص القدمين (75 في المائة)، يتطوّر في نحو 10 أيام من بقع ذات قواعد مسطّحة إلى حويصلات صغيرة مملوءة بسائل وبثرات وجلبات قد يلزمها ثلاثة أسابيع لتختفي تماماً. تُعد الآفات بالآلاف، تصيب أغشية الفم المخاطية (في 70 في المائة من الحالات) والأعضاء التناسلية (30 في المائة) وملتحمة العين (20 في المائة)، فضلاً عن قرنيتها (مقلة العين). يسبق ظهور الطفح تضخّم وخيم في العقد اللمفاوية، وهي سمة تميّز جدري القردة عن سائر الأمراض المماثلة.
وعادة ما يكون جدري القردة مرضاً محدوداً ذاتياً، تستمر أعراضه من 2 - 4 أسابيع. ويُصاب الأطفال بحالاته الشديدة على نحو أكثر شيوعاً بحسب التعرض لفيروسه والوضع الصحي للمريض وشدة المضاعفات الناجمة عنه. يليهم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 - 50 عاماً بسبب وقف حملات التطعيم ضد الجدري على مستوى العالم بعد القضاء عليه. سابقاً، شهد معدل الإماتة (fatality ratio) في الحالات الموثقة تبايناً كبيراً بين الأوبئة (3 - 10 في المائة) معظمها بين الأطفال. وحاليا، نسبة الوفيات بين الحالات نحو (3 – 6في المائة).

التشخيص والعلاج

- أولاً: استبعاد التشخيصات المشابهة المسببة للطفح، مثل الجدري المائي، الحصبة، التهابات الجلد البكتيرية، الجرب، الزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية. تضخّم العقد اللمفاوية، خلال مرحلة ظهور بوادر المرض، يعدّ سمة سريرية تميزه عن الجدري.
- ثانياً: فحوص مختبرية، لتأكيد التشخيص النهائي، وأهمها فحص مقايسة تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لعيّنة من إفرازات وقشور الجلد المصاب.
أما بالنسبة للعلاج، فلا توجد أي أدوية أو لقاحات مُحدّدة متاحة لمكافحة عدوى جدري القردة، ولكن يمكن مكافحة تفشيه. وقد ثبت في الماضي أن التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85 في المائة في الوقاية من جدري القردة، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أُوقِف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من العالم. ورغم ذلك، فإن من المُرجّح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ المرض مساراً أخف وطأة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

الوقاية

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه في ظل غياب علاج أو لقاح محدّد لمكافحة المرض، فإن الطريقة الوحيدة للحد من إصابة الناس بعدواه هي إذكاء الوعي بعوامل الخطر المرتبطة به وتثقيف الناس بشأن التدابير التي يمكنهم اتخاذها من أجل الحد من معدل التعرّض له. وينبغي أن نركزّ على التالي:
- الحد من خطر انتقال العدوى من إنسان إلى آخر. ينبغي تجنّب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بعدوى جدري القردة، ولا بد من ارتداء قفازات ومعدات حماية عند الاعتناء بالمرضى، كما ينبغي الحرص على غسل اليدين بانتظام عقب الاعتناء بهم أو زيارتهم.
- الحد من خطر انتقال المرض من الحيوانات إلى البشر. ينبغي الوقاية من انتقال الفيروس في البلدان التي استوطن المرض لها على طهي كل المنتجات الحيوانية (الدم واللحوم) بشكل جيّد قبل أكلها، كما ينبغي ارتداء قفازات وغيرها من ملابس الحماية المناسبة عند مناولة الحيوانات المريضة أو أنسجتها الحاملة للعدوى وأثناء ممارسات ذبحها.
- لا غنى عن تدابير الترصد والإسراع في تشخيص الحالات الجديدة من أجل احتواء التفشي.
- مكافحة العدوى في مرافق الرعاية الصحية. ينبغي أن يطبّق العاملون الصحيون التحوطات المعيارية في مجال مكافحة العدوى عندما يعتنون بمرضى مصابين بعدوى يُشتبه فيها أو مؤكدة من فيروس جدري القردة، أو يناولون عيّنات تُجمع من أولئك المرضى.
ولا بد أن ينظر العاملون الصحيون والمعنيون بعلاج المرضى المصابين بجدري القردة أو الأفراد الذين يتعرّضون لهم أو لعيّنات تُجمع منهم، في إمكانية حصولهم على تطعيم ضدّ الجدري من سلطاتهم الصحية الوطنية، على أنه ينبغي ألا تُعطى لقاحات الجدري القديمة لمن يعانون من ضعف في أجهزتهم المناعية.
وينبغي أن يتولى موظفون مدرّبون يعملون في مختبرات مجهّزة بالمعدات المناسبة عملية مناولة العيّنات التي تُجمع من أشخاص يُشتبه في إصابتهم بعدوى فيروس جدري القردة ومن حيوانات يُشتبه في إصابتها بها.

تقييم مخاطر وفادة «جدري القردة» للمملكة العربية السعودية

> أكدت وزارة الصحة السعودية، أنّه لا توجد أي حالات إصابة أو مشتبه بإصابتها بفيروس «جدري القردة»، الذي انتشر في عدد من الدول الأوروبية وشمال أميركا، بعد أن كان مستوطناً في بعض الدول الأفريقية لأكثر من 50 عاماً، وتشير إلى جاهزيتها التامة للرصد والتقصي والتعامل في حال ظهور أي حالة.
وأشارت إلى قدرة المملكة على رصد واكتشاف حالات الاشتباه بـ«جدري القردة» ومكافحة العدوى كبيرة، سواء طرق الرصد أو التشخيص في مختبرات المملكة.
بالإضافة إلى أن لدى وزارة الصحة السعودية خطة وقائية وعلاجية متكاملة للتعامل مع مثل هذه الحالات في حال ظهورها، وتشمل تعريف الحالات المشتبه بها والمؤكدة، والتعامل معها والتقصي الوبائي للمخالطين.
كما وإن برنامج اللوائح الصحية الدولية بالمملكة على تواصل دائم مع منظمة الصحة العالمية لمعرفة تفاصيل أي مستجدات حول المرض أو رصد أي حالات في جميع أنحاء العالم للتأكد من عدم وجود مخالطين لأي حالات ترصد في المملكة.
وحثت الوزارة الجميع على الحرص باتباع السلوكيات الصحية، والإرشادات التوعوية التي تصدر عنها وعن هيئة الصحة العامة (وقاية)، كذلك في حالة السفر إلى خارج المملكة التعرف على الإجراءات الوقائية اللازمة، خصوصاً في الدول التي تم رصد المرض فيها.
إن احتمالية انتقال المرض إلى المملكة العربية السعودية منخفضة جداً، ولكنها واردة بسبب وضع المملكة الجغرافي وعودة الرحلات الدولية، كما وإن الوضع الوبائي للتفشي في دول مثل نيجيريا يعدّ نشطاً حالياً ومستمراً منذ عام 2017 حتى الآن؛ مما يجعله أحد مصادر دخول العدوى المحتمل.
وعليه، فإن من أهم التوصيات هنا، بشكل عام، ما يلي:
- توعية الكوادر الصحية بما يخص المرض وطرق انتقاله.
- وجوب الإبلاغ عند ظهور حالات مشتبه فيها.
- التأكيد على المنشآت الصحية باتخاذ تدابير مكافحة العدوى، مثل عزل الحالات في غرف سالبة الضغط واستخدام أدوات الحماية المناسبة للعزل التنفسي من الأقنعة عالية الكفاءة إضافة للإجراءات الأخرى.
- إرسال عينات الحالات المشتبهة إلى مختبر الصحة العامة لعمل التأكيد المخبري لها.
- التوصية بتوعية المواطنين المسافرين للدول التي تم تسجيل حالات بها بهذا المرض، وأهمية السرعة في مراجعة الطبيب وإبلاغه بتاريخ السفر لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
- ومما يتم توجيهه للمواطنين أثناء السفر إلى الخارج الابتعاد عن الأماكن المزدحمة قدر الإمكان والتزام ارتداء الكمامة وتعقيم الأيدي بشكل مستمر.
- وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية وتقييم المخاطر، فإنه لا يُقترح عمل أي إجراءات احترازية في الوضع الحالي للقادمين من الدول التي سجلت بها حالات مؤكدة.


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور
TT

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور

تُختتم في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر (كانون الأول)، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية بعنوان «المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي ودوره في مستقبل الرعاية الصحية»، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة، وذلك بعد 3 أيام حافلة بالمناقشات العلمية العميقة وعروض الدراسات المبتكرة، التي تركزت جميعها على دور الطب التقليدي والتكميلي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة.

جائزة الشيخ زايد العالمية

في حفل بهيج ومتميز وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، تم توزيع جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي (TCAM)، التي جاءت كإشادة بالجهود العالمية المتميزة في هذا المجال، مسلطة الضوء على إنجازات الأفراد والمؤسسات التي ساهمت في تطوير الطب التقليدي والتكميلي ودمجه مع الممارسات الصحية الحديثة.

تُعد هذه الجائزة منصة عالمية تهدف إلى تعزيز أهمية الطب التقليدي والتكميلي ودوره المستقبلي في النظم الصحية. تم توزيع الجوائز على الفائزين في 5 فئات رئيسية، وهي:

- الباحثون: تكريم للأبحاث التي أحدثت فرقاً ملموساً في تطوير العلاجات التقليدية والتكميلية.

- الأكاديميون: الذين ساهموا في تعليم وتطوير الطب التقليدي والتكميلي عبر برامج تدريبية مبتكرة.

- الممارسون المرخصون: تقديراً لجهودهم في تقديم رعاية طبية آمنة وفعّالة.

- الشركات المصنعة: التي ساهمت في تطوير منتجات عشبية ومكملات غذائية مستدامة وآمنة.

- الهيئات الإعلامية: التي ساهمت في نشر الوعي الصحي بأسلوب فعال ملهم ومؤثر.

أكدت الجائزة على أهمية الابتكار والبحث العلمي في تعزيز التكامل بين الطب التقليدي والحديث، مما يعكس رؤية القيادة في تحقيق مستقبل صحي أكثر استدامة.

جانب من الحضور

أبرز الدراسات في المؤتمر

في إطار التطور العالمي المتسارع في الطب التقليدي والتكميلي، تبرز الدراسات العلمية كأداة رئيسية لفهم أثر هذا المجال في تحسين الرعاية الصحية. يعكس هذا الاهتمام الدولي أهمية الطب التقليدي والتكميلي كجزء من النظم الصحية المتكاملة.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من الدراسات العلمية المتنوعة التي نوقشت في المؤتمر والتي تقدم رؤى عميقة حول التطبيقات السريرية والفوائد الصحية للطب التقليدي والتكميلي:

* تقنية النانو في تحسين الأدوية الطبيعية. استعرض الأستاذ الدكتور شاكر موسى، وهو زميل الكلية الأميركية لأمراض القلب والكيمياء الحيوية وزميل الأكاديمية الوطنية للمخترعين، في دراسته التي قدمها في المؤتمر، الدور الرائد لتقنية النانو في تحسين فاعلية الأدوية الطبيعية وتطوير المستحضرات الصيدلانية. أوضح أن خصائص تقنية النانو في الطب تتمثل في تصميم جزيئات دقيقة جداً (تتراوح بين 1-100 نانومتر)، مما يمنحها خصائص فريدة، مثل:

- القدرة على استهداف المناطق المصابة بدقة: بفضل صغر حجم الجسيمات النانوية، يمكنها التغلغل بسهولة في الخلايا والأوعية الدقيقة.

- التفاعل الحيوي العالي: تمتاز الجسيمات النانوية بقدرتها على تحسين امتصاص الأدوية الطبيعية في الجسم، مما يزيد من فاعليتها.

- التخصيص الدقيق: تتيح هذه التقنية تصميم مستحضرات طبية يمكنها التفاعل مع مستقبلات محددة على سطح الخلايا المريضة فقط.

أوضح الدكتور موسى كيف يمكن لتقنية النانو تعزيز كفاءة الأدوية الطبيعية من خلال:

- زيادة الامتصاص الحيوي: تعمل الجسيمات النانوية على تحسين امتصاص المركبات الطبيعية مثل الكركمين والبوليفينول، والتي عادةً ما يتم امتصاصها بصعوبة في الجهاز الهضمي.

- تقليل الجرعات العلاجية: من خلال إيصال الدواء مباشرة إلى الأنسجة المستهدفة، يمكن تقليل الجرعات المستخدمة، وبالتالي تقليل السمية والآثار الجانبية.

- تعزيز فاعلية الأدوية المضادة للأمراض المزمنة: أظهرت الدراسة أن تقنية النانو قادرة على تحسين العلاجات الطبيعية المستخدمة لمكافحة السرطان وأمراض القلب، مما يتيح تأثيراً أكبر بجرعات أقل.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد أهم فوائد تقنية النانو، الحد من الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة أثناء العلاج. على سبيل المثال:

- في العلاج الكيميائي التقليدي، يعاني المرضى عادة من تأثير الأدوية على الخلايا السليمة.

- باستخدام تقنية النانو، يمكن تصميم جزيئات تستهدف فقط الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من راحة المرضى.

واختتم الدكتور موسى محاضرته بتوصيات هامة:

- زيادة الاستثمار: دعا إلى تعزيز الاستثمار في أبحاث تقنية النانو وتطوير مختبرات متخصصة.

- التعاون الدولي: أشار إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتسريع تطوير العلاجات الطبيعية المعتمدة على تقنية النانو.

- التنظيم والتشريعات: شدد على ضرورة وضع لوائح تنظيمية واضحة لضمان سلامة وفاعلية الأدوية المعتمدة على تقنية النانو.

علاج الغرغرينا السكرية بالأعشاب

* علاج الغرغرينا السكرية بالأدوية العشبية وباستخدام العلق الطبي. استعرض البروفيسور س. م. عارف زيدي تجربة سريرية مبتكرة لعلاج الغرغرينا السكرية، وهي حالة شائعة لدى مرضى السكري تتطلب في كثير من الأحيان بتر الأطراف. ركزت الدراسة على استخدام مستخلصات عشبية مثل النيم، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، مع العلاج بالعلق الطبي، وهو أسلوب يستخدم العلق لتحسين الدورة الدموية بفضل اللعاب الخاص الذي يحتوي على مضادات تخثر وإنزيمات تساعد في تنظيف الجروح وتحفيز الشفاء. أظهرت النتائج شفاءً كاملاً لمريضة خلال 3 أشهر، مع تحسن ملحوظ في الحالة الصحية العامة وتقليل الألم والالتهابات. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للعمليات الجراحية، ويوفر حلاً منخفض التكلفة مقارنة بالإجراءات التقليدية.

الرياضة والتدليك

* تمارين رياضية لتقوية عضلات قاع الحوض لعلاج سلس البول. استعرضت الدكتورة عائشة بروين فاعلية تمارين تقوية عضلات قاع الحوض كعلاج طبيعي لسلس البول لدى النساء. ركزت الدراسة على مجموعة من التمارين المستهدفة التي تهدف إلى تحسين مرونة وقوة العضلات الداعمة للمثانة. أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي التزمن بالتمارين سجلن تحسناً ملحوظاً في تقليل تسرُّب البول وتحسين جودة حياتهن. كما أكدت أن هذه التمارين تعد خياراً آمناً وغير جراحي، يناسب النساء من مختلف الأعمار. وأوصت الدراسة بتطوير برامج تدريبية على مستوى المراكز الصحية لتوعية النساء بفاعلية هذه التمارين، مع توفير الإرشادات اللازمة لضمان تطبيقها بطريقة صحيحة.

* تقنيات العلاج التدبيري للاضطرابات العضلية الهيكلية. قدم الدكتور محمد أنور دراسة حول استخدام الحجامة والتدليك في علاج الاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل التهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر. تضمنت الدراسة تحليلاً لنتائج المرضى الذين تلقوا العلاج بالحجامة والتدليك إلى جانب العلاج الطبيعي الحديث. أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في مستويات الألم وتحسناً في حركة المفاصل، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المسكنة التي قد تسبب آثاراً جانبية طويلة الأمد. وأوصى الدكتور أنور بدمج هذه العلاجات التقليدية مع الأساليب الحديثة، مشيراً إلى أن مثل هذا التكامل يمكن أن يحقق فوائد علاجية أكبر ويعزز من راحة المرضى ويقلل من تكلفة الرعاية الصحية.

العجوة غذاء ودواء

* القيمة الغذائية والدوائية لتمر العجوة. قدمت الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني دراسة متعمقة حول الخصائص الغذائية والطبية لتمر العجوة، أحد أبرز أنواع التمور في العالم الإسلامي. ركزت الدراسة على التحليل الكيميائي لمكونات العجوة التي تشمل نسباً عالية من الفيتامينات مثل B1 وB2، والمعادن كالبوتاسيوم والمغنسيوم، والألياف الغذائية التي تعزز صحة الجهاز الهضمي. أوضحت الدكتورة سعاد الجاعوني أن تمر العجوة يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات، التي تعمل على مكافحة الجذور الحرة، مما يحمي الخلايا من التلف ويقلل من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما سلطت الدراسة الضوء على فاعلية العجوة في تعزيز صحة الكبد؛ حيث أظهرت التجارب المخبرية أن مستخلصات التمر تعمل على تخفيف التهابات الكبد وتقليل تراكم الدهون عليه. وأوصت باستخدام تمر العجوة في الصناعات الغذائية والدوائية لتطوير مكملات غذائية ومستحضرات علاجية طبيعية تهدف إلى تعزيز المناعة وتحسين الصحة العامة.

* دمج المعرفة التقليدية مع الممارسات الحديثة. قدمت الدكتورة آمي ستيل نموذجاً مبتكراً لدمج المعرفة التقليدية مع الطب الحديث. ركزت على تطوير إطار عمل يعتمد على استخدام النصوص والممارسات التقليدية كأساس لتصميم بروتوكولات علاجية حديثة. أظهرت الدراسة أن تكامل الطب التقليدي مع الطب الحديث يمكن أن يعزز فاعلية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية، مع التركيز على أهمية التوثيق العلمي للمعرفة التقليدية لتصبح مقبولةً في الأوساط الطبية العالمية. وأوصت الباحثة بتشجيع التعاون بين ممارسي الطب التقليدي والحديث، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة لاستكشاف الفوائد العلاجية لممارسات الطب التقليدي.

* مخاطر الغش في المنتجات العشبية. حذّر الأستاذ الدكتور محمد كامل من المخاطر الصحية الناجمة عن الغش في المنتجات العشبية؛ حيث يتم أحياناً إضافة مركبات دوائية غير معلن عنها مثل السيلدينافيل، المستخدم في علاج ضعف الانتصاب، والفلوكستين، المستخدم كمضاد للاكتئاب، إلى بعض المنتجات العشبية. سلطت الدراسة الضوء على الآثار الجانبية الخطيرة لهذه الإضافات، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الجهاز العصبي، خاصة عند تناولها دون وصفة طبية. وأوصى الدكتور كامل بضرورة تعزيز آليات الرقابة على المنتجات العشبية، وإلزام الشركات المصنعة بالإفصاح الكامل عن جميع المكونات لضمان سلامة المستهلكين، مع زيادة الوعي بين الأفراد حول شراء المنتجات من مصادر موثوقة.

تحديات وفرص الطب التقليدي والتكميلي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الطب التقليدي والتكميلي، يواجه هذا المجال تحديات كبيرة، مثل:

نقص الأدلة السريرية: الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوثيق الفوائد والآثار الجانبية.

التشريعات الموحدة: لضمان سلامة وجودة المنتجات العشبية.

التكامل مع الطب الحديث: تعزيز التعاون بين الممارسين والعلماء من مختلف الأنظمة الطبية.

واختتم المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي أعماله بعد رحلة علمية مميزة أثرت النقاشات العالمية حول هذا المجال الواعد. من خلال الأبحاث والعروض التقديمية. وتم تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة للطب التقليدي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة.

تُبرز هذه الفعالية أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير التشريعات والبحوث لضمان استفادة البشرية من هذا التراث الطبي الغني، مما يمهد الطريق لمستقبل صحي أكثر استدامة.