أعطت الحكومة البريطانية الضوء الأخضر لإتمام عملية الاستحواذ على نادي تشيلسي لكرة القدم لصالح المجموعة التي يقودها رجل الأعمال الأميركي تود بوهلي، ووضع نهاية لحقبة الروسي رومان أبراموفيتش الناجحة.
وطرح المالك الحالي أبراموفيتش، الذي تفرض عليه الحكومة البريطانية عقوبات، النادي اللندني للبيع في أوائل مارس (آذار) الماضي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي وصفته موسكو بأنه «عملية عسكرية خاصة»، لكن رغم أن عرض المجموعة التي يقودها بوهلي تبدو مغرية فإن جماهير النادي اللندني تشك في إمكانية تحقيقها النجاحات التي تحققت تحت ولاية الملياردير الروسي.
ويسدل بيع بطل دوري أبطال أوروبا للموسم الماضي الستار على 19 عاماً من نجاح غير مسبوق خلال حقبة أبراموفيتش البالغ 55 عاماً التي شهدت تتويجه بلقب الدوري الإنجليزي خمس مرات ودوري أبطال أوروبا مرتين (2012 و2021).
وبعد عملية مزايدة طويلة شملت العديد من المجموعات، اختير بوهلي وشركاؤه المستثمرون، من قبل مجموعة راين، مصرف نيويورك الذي يشرف على عملية البيع. وتضم مجموعة بوهلي، زميلاً مشاركاً في ملكية نادي دودجرز الأميركي للبيسبول، ومارك وولتر، بالإضافة إلى الملياردير السويسري هانزيورغ فيس وشركة الاستثمار الأميركية كليرلايك كابيتال.
وقالت وزيرة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية نادين دوريس في بيان أمس (الأربعاء): «أصدرت الحكومة ترخيصاً يسمح ببيع نادي تشيلسي لكرة القدم... نظراً للعقوبات التي فرضناها على الأشخاص المرتبطين بـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين والغزو لأوكرانيا، لا يمكن تأمين مستقبل النادي على المدى الطويل سوى من خلال مالك جديد، يحل بدلاً من الروسي رومان أبراموفيتش الذي قرر بيع النادي بعد 19 عاماً على شرائه».
بوهلي مطالب بالمحافظة على إرث أبراموفيتش الناجح (أ.ف.ب)
وأضافت دوريس: «نحن مقتنعون بأن عائدات البيع لن تفيد أبراموفيتش أو غيره من الأفراد الخاضعين للعقوبات لارتباطهم بالرئيس الروسي (فلاديمير) بوتين والغزو الروسي لأوكرانيا، لا يمكن تأمين مستقبل النادي على المدى الطويل إلا في ظل مالك جديد».
ويأتي قرار الحكومة البريطانية غداة موافقة مجلس إدارة رابطة الدوري الممتاز لكرة القدم على انتقال ملكية النادي اللندني إلى مجموعة تود بوهلي التي توصلت في السابع من مايو (أيار) الحالي لاتفاق، من أجل شراء بطل دوري أبطال أوروبا للموسم الماضي مقابل 4.25 مليار جنيه إسترليني (5.3 مليار دولار).
وقال بيان رابطة الدوري الممتاز: «وافق مجلس إدارة الدوري الإنجليزي الممتاز اليوم على الاستحواذ المقترح على نادي تشيلسي لكرة القدم من قبل تود بوهلي - كليرلايك كونسورتيوم».
لكن البيان أضاف: «يبقى الشراء خاضعاً لإصدار الحكومة (البريطانية) لرخصة البيع المطلوبة والإكمال المرضي للمراحل النهائية من الصفقة».
وكان أبراموفيتش الذي اشترى تشيلسي عام 2003 وأحرز معه خمسة ألقاب في الدوري المحلي ولقبين في دوري أبطال أوروبا، طرح النادي اللندني للبيع مطلع مارس، قبل أيام فقط من عقوبات فرضتها عليه الحكومة البريطانية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن البيع استغرق وقتاً طويلاً بسبب مخاوف الحكومة من إمكانية دخول ربح من العملية إلى خزينة أبراموفيتش.
وكانت هناك مخاوف من انهيار عملية الاستحواذ بسبب الديون البالغة 1.5 مليار جنيه إسترليني المستحقة على الشركة الأم لتشيلسي «فوردستام ليميتد»، لصالح «كامبرلي إنترناشونال إينفستمنتس»، وهي شركة مقرّها جيرسي يشتبه بأنها على صلات بأبراموفيتش.
إلا أن وزيرة الرياضة طمأنت الجماهير وقالت: «إننا على ثقة بأن عائدات البيع لن تفيد رومان أبراموفيتش أو غيره من الأشخاص الخاضعين للعقوبات»، متوجهة بـ«الشكر للجميع، لا سيما المسؤولين الذين عملوا بلا كلل كي يتمكن النادي من مواصلة اللعب وإتمام هذا البيع وحماية الجماهير والمجتمع الأوسع لكرة القدم».
لكن الإرث الذي تركه رجل الأعمال الروسي معقد للغاية، ومن وجهة نظر كروية بحتة، قاد أبراموفيتش تشيلسي لتحقيق نجاحات كبيرة نقلت النادي من مجرد منافس عاد إلى قوة حقيقية بالدوري الإنجليزي والبطولات الأوروبية. هناك من قد يقول إن أبراموفيتش اشترى ناديا كان يحتل المركز الرابع في الدوري الإنجليزي الممتاز، وسوف يتركه الآن وهو يحتل المركز الثالث رغم إنفاق 1.5 مليار جنيه إسترليني، لكن الحقيقة أن تشيلسي الآن فريق مختلف تماماً عما كان عليه عندما اشتراه الرجل الروسي، فلم يعد ذلك النادي غير المستقر، لكنه تحول إلى ناد عملاق بشكل لا يمكن الجدال فيه على الإطلاق. وكان تشيلسي قد فاز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرة واحدة فقط قبل مجيء أبراموفيتش، لكنه الملياردير الروسي قاده للفوز بخمس بطولات أخرى للدوري، إلى جانب الفوز بدوري أبطال أوروبا مرتين، والفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي خمس مرات، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة ثلاث مرات. فهل كان من الممكن أن يحصل النادي على مزيد من البطولات لو كان أبراموفيتش استمر لفترة أطول؟ ربما بالطبع، لكن البطولات التي حصل عليها النادي بالفعل خلال تلك الفترة يُحسد عليها بكل تأكيد من العديد من الأندية الأخرى.
وعلاوة على ذلك، كان نجاح أبراموفيتش في تحويل تشيلسي لقوة من شأنه إحداث تغيير على شكل كرة القدم الإنجليزية تماماً. فخلال موسمه الأول مع النادي اللندني تم إنفاق حوالي 153 مليون جنيه إسترليني على التعاقد مع لاعبين جدد، ثم 150 مليون جنيه إسترليني في السنة الثانية - وهي مبالغ غير مسبوقة في ذلك الوقت – وعين أبراموفيتش البرتغالي جوزيه مورينيو على رأس القيادة الفنية للفريق عندما كان الأخير في أوج تألقه.
وإذا كان آرسنال قطب العاصمة لندن الأكثر جماهيرية قد بدأ مشروعه لبناء ملعبه الجديد بسعة تزيد على 50 في المائة عن ملعب هايبري القديم لأجل التنافس مع القوة المالية الهائلة لمانشستر يونايتد، فإن تشيلسي لم يكن بحاجة إلى ملعب كبير، فقد كان لديه أبراموفيتش. وفجأة، انفصلت قوة الإنفاق عن النجاح على أرض الملعب أو القدرة على تحقيق الإيرادات من خلال الأعداد الهائلة للجماهير. لقد نفى أبراموفيتش مرارا وتكرارا أن يكون شراؤه لتشيلسي لأي سبب آخر بخلاف حبه لكرة القدم. قد يكون هذا هو الحال بالفعل، لكن الشيء الصحيح بالتأكيد هو أنه مهد الطريق للمالكين الآخرين الذين أدت ثرواتهم الطائلة إلى تغيير واقع الكرة الإنجليزية والقوى التقليدية التي تسيطر عادة على المنافسات الكبرى.
ربما يكون تشيلسي قد توصل لحل باستبدال ملياردير بملياردير آخر، لكن لا بد من الاعتراف بأنه في حقبة أبراموفيتش وعلى مدار السنوات التسعة عشر الماضية حقق نجاحات كبيرة وأصبحت لديه قاعدة جماهيرية في جميع أنحاء العالم، سيكون على الملاك الجدد بذل كثير من الأموال والجهد للحفاظ عليها.