أميركا تهتز بمقتل 19 طفلاً بالرصاص في مدرسة بتكساس

اهتزت الولايات المتحدة بقوة خلال الساعات الـ48 الماضية، وسارعت دول العالم إلى مواساة الأميركيين بالتعبير عن الحزن والغضب لمقتل 19 طفلاً وشخصين بالغين برصاص شاب عمره 18 عاماً، فتح النار على التلاميذ داخل صفوفهم بمدرسة ابتدائية بولاية تكساس، في واحدة من أكثر عمليات القتل الجماعي دموية في تاريخ الولايات المتحدة، ما دفع الرئيس جو بايدن إلى اتخاذ قرار بتنكيس الأعلام لخمسة أيام حداداً، وشد أزر المطالبين بوضع حد لانتشار «آفة» السلاح، رغم التعديل الثاني من الدستور الأميركي الذي يكفل حق حمل الأسلحة النارية.
وأعاد هذا الهجوم إلى الأذهان أسوأ عملية إطلاق نار داخل مدرسة في تاريخ الولايات المتحدة، وتعود إلى ديسمبر (كانون الأول) 2012، عندما فتح مسلح النار في ابتدائية «ساندي هوك» بمدينة نيوتاون في ولاية كونيتيكيت، ما أدى إلى مقتل 20 تلميذاً و6 من البالغين. ولم ينجح الرئيس الأميركي سابقاً باراك أوباما ونائبه بايدن عامذاك في التغلب على اعتراضات لوبيات الأسلحة، وأكثرها نفوذاً جمعية «البندقية الوطنية» المعروفة اختصاراً بـ«إن آر إيه».
وتمكنت الشرطة من قتل المسلح، واسمه سلفادور راموس، بعدما راح يطلق النار بُعيد ظهر الثلاثاء بالتوقيت المحلي، وهو ينتقل من صف دراسي إلى آخر في مدرسة «روب» الابتدائية ببلدة يوفالدي ذات الكثافة اللاتينية، ما أضاف إلى السلسلة المروعة المتواصلة منذ سنوات كثيرة من عمليات القتل الجماعي التي شملت مدارس وجامعات ودور عبادة ومتاجر وأماكن عامة.
وبينما قال الحاكم الجمهوري لتكساس غريغ أبوت، إن أحد البالغين اللذين قتلا كان مدرساً، لم يتضح على الفور عدد الجرحى في يوفالدي؛ لكن قائد شرطة يوفالدي بيت أريدوندو قال إن هناك «إصابات عدة».
ومع ورود الأنباء في ساعات الليل، بدا الهجوم أحدث لحظة قاتمة لبلد يعاني سلسلة من المذابح، ويأتي بعد 10 أيام فقط من هياج عنصري مميت في «سوبر ماركت» بمدينة بافالو بنيويورك. وبدا أن احتمالات أي إصلاح لقواعد الأسلحة في البلاد قاتمة، إن لم تكن باهتة، مما كانت عليه في أعقاب هجوم «ساندي هوك».
لكن الرئيس جو بايدن بدا مستعداً للقتال، فدعا إلى فرض قيود جديدة على الأسلحة، في خطاب وجهه إلى الأمة بعد ساعات قليلة من الهجوم. وقال: «كأمة علينا أن نتساءل باسم الله: متى سنقف في وجه لوبي الأسلحة؟ متى سنفعل باسم الله ما يجب علينا فعله؟». وأضاف: «لماذا نحن على استعداد للعيش مع هذه المذبحة؟». وإذ ذكَّر بالهجوم الذي وقع في «ساندي هوك» قبل 10 سنين، لفت إلى أنه منذ ذلك الحين شهدت الولايات المتحدة 900 هجوم بالأسلحة النارية خلال السنين العشر الماضية.
ووقع إطلاق النار هذا قبل أيام فقط من موعد انعقاد المؤتمر السنوي لجمعية «البندقية الوطنية» في هيوستن. وكان مقرراً أن يلقي الحاكم أبوت وسيناتورا الولاية الجمهوريان كلمات في هذا المنتدى غداً الجمعة.
وفشلت محاولات عدة في مجلسي النواب والشيوخ لإقرار تشريعات تحد من بيع الأسلحة النارية واقتنائها في الولايات المتحدة.
- الأطفال الضحايا... وذووهم
وبعد ساعات من الهجوم، كان ذوو التلاميذ ينتظرون أي أخبار عن أطفالهم. وتجمع بعضهم في مركز الدفاع المدني في المدينة؛ حيث كان الصمت ينكسر مراراً بالصراخ والنحيب. وقال رئيس المنطقة التعليمية هال هاريل، إن «قلبي محطم اليوم»، مضيفاً: «نحن مجتمع صغير، وسنحتاج إلى صلواتكم لتجاوز هذا الأمر».
وكان مصلح المكيفات أدولفو كروز (69 عاماً) لا يزال خارج المدرسة عند الغروب، باحثاً عن إفادة عن حفيدته إيليا كروز توريس، البالغة من العمر 10 أعوام. وقد قاد سيارته إلى مكان الحادث بعد تلقيه مكالمة مرعبة من ابنته بعيد ظهور التقارير الأولى عن إطلاق النار. وقال إن أقارب آخرين كانوا في المستشفى ومركز الدفاع المدني. وأكد أن هذا الانتظار كان أثقل لحظة في حياته. وقال: «أتمنى أن تكون على قيد الحياة».
وشوهد الموظفون في المنطقة والأقارب المنكوبون للضحايا وهم يبكون أثناء خروجهم من مستشفى يوفالدي التذكاري، الذي أعلن أن 13 طفلاً نُقلوا إلى هناك. وأفاد مستشفى آخر بأن امرأة تبلغ من العمر 66 عاماً كانت في حالة حرجة.
ولم يكشف المسؤولون على الفور عن دافع المهاجم سلفادور راموس، وهو من سكان منطقة تبعد 85 ميلاً (135 كيلومتراً) غرب مدينة سان أنطونيو. وقال مسؤولو إنفاذ القانون إنه تصرف بمفرده.
وتقع مدينة يوفالدي التي يقطنها حوالي 16 ألف شخص، على مسافة 75 ميلاً (120 كيلومتراً) من الحدود مع المكسيك. ابتدائية «روب» التي تضم ما يقرب من 600 طالب في الصفوف الثاني والثالث والرابع، تقع في حي سكني منازله متواضعة.
- يوم الملابس الجميلة!
ووقع الهجوم بينما كانت المدرسة تقوم بالعد التنازلي لآخر أيام العام الدراسي. كان من المقرر أن يكون الثلاثاء هو «فوتلوس أند فانسي» الذي يرتدي فيه التلاميذ ملابس جميلة.
وكان راموس قد لمَّح على وسائل التواصل الاجتماعي إلى احتمال وقوع هجوم، وفقاً للسيناتور رولان غوتيريز الذي قال إنه تلقى إحاطة من شرطة الولاية. وأشار إلى أن المسلح «اقترح على الأطفال أن ينتبهوا»، وأنه اشترى «سلاحين هجوميين» بعد بلوغه 18 عاماً.
وقال غوتيريز، قبل التوجه إلى المدرسة، إن راموس أطلق النار على جدته. وأفاد مسؤولون آخرون بأن الجدة نجت وتتلقى العلاج، رغم عدم معرفة حالتها.
ويعتقد المحققون أن راموس نشر صوراً على «إنستغرام» لبندقيتين استخدمهما في إطلاق النار، وكانوا يفحصون ما إذا كان قد أدلى بتصريحات على الإنترنت في الساعات التي سبقت الهجوم. وقال مسؤول أمني إن ضباطاً نفذوا الثلاثاء أوامر تفتيش متعددة، وهم يجمعون سجلات هاتفية وسجلات أخرى. كان المحققون يحاولون أيضاً الاتصال بأقارب راموس ويتعقبون الأسلحة النارية.
وأفاد مسؤول آخر بأن الهجوم بدأ قرابة الساعة 11:30 قبل الظهر، عندما حطّم المسلح سيارته خارج المدرسة واصطدم بالمبنى، وفقاً لما ذكره ترافيس كونسيدين، الناطق باسم إدارة السلامة العامة في تكساس. اتصل أحد السكان الذي سمع التحطم برقم 911، وتبادل ضابطان محليان إطلاق النار مع مطلق النار. وكشف أن عنصراً من حرس الحدود يعمل في مكان قريب أطلق النار وقتل المسلح الذي كان وراء حاجز. وأكد أن رجل الأمن أصيب؛ لكنه تمكن من الخروج من المدرسة.
- مواساة عالمية
وعلى الأثر، تدفقت التعازي من زعماء العالم. وأكد البابا فرنسيس أن الوقت قد حان لقول: «كفى للتجارة العشوائية للأسلحة!».
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة، أن بلاده تشارك «الشعب الأميركي الصدمة والألم»، و«الغضب» كذلك من أولئك الذين يعارضون انتشار الأسلحة النارية في الولايات المتحدة.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على «تويتر»: «يجب أن نضع حداً لهذا الرعب اليومي في الولايات المتحدة».
وأعرب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير عن صدمته حيال حادث إطلاق النار العشوائي. كما أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن حزنه على ضحايا «هذه المذبحة التي لا يمكن تصورها».
من جانبه، قدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تعازيه في الضحايا، وأعرب عن أسفه لوقوع «ضحايا إطلاق نار في زمن السلم».
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الذي تخوض بلاده حرباً مع روسيا، إن بلاده تعرف أيضاً «ألم فقدان أرواح الشباب الأبرياء».