شنغهاي تتجه نحو نهاية الإغلاق وبكين ترسل الآلاف إلى الحجر الصحي

مضت مدينة شنغهاي الصينية قدماً، بحذر، السبت، في خطط إعادة جزء من شبكة النقل الخاصة بالمركز المالي الصيني، في خطوة ضخمة نحو الخروج من إغلاق استمر أسابيع لمكافحة «كوفيد - 19»، في الوقت الذي واصلت فيه العاصمة بكين دفاعاتها في ظل تفشٍ مستمر للمرض منذ شهر.
ووجه إغلاق شنغهاي منذ بداية أبريل (نيسان) ضربة اقتصادية ثقيلة لأكثر مدن الصين سكاناً، وأثار جدلاً بشأن استمرار سياسة الصين بالقضاء تماماً على فيروس كورونا ومخاوف من عمليات الإغلاق والاضطرابات التي قد تحدث مستقبلاً، حسب «رويترز».
تشهد مدينة شنغهاي (شرق) إغلاقاً يشمل سكانها الـ25 مليوناً منذ بداية أبريل. ويشكو هؤلاء من مشكلات في التموين، ويخشون أن يُرسلوا إلى مراكز حجر، إذ سبق أن أرسل الآلاف إلى مراكز كهذه على بعد مئات الكيلومترات من أماكن سكنهم.
وسجلت الإصابات في شنغهاي، الجمعة، انخفاضاً كبيراً عن الذروة التي تم تسجيلها في عدد الإصابات اليومية الشهر الماضي. وأضافت السلطات الصحية أنه لم يتم تسجيل إصابات جديدة خارج مناطق الحجر الصحي بانخفاض عن ثلاث حالات في اليوم السابق.
وأعادت شنغهاي، التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، فتح مراكز التسوق والمتاجر وأسواق الجملة تدريجياً، وسمحت لعدد أكبر من الناس بالخروج من منازلهم. وقام العمال في شنغهاي بتطهير محطات مترو الأنفاق والقطارات قبل إعادة تشغيل أربعة خطوط للمترو غداً الأحد.
وقالت شركة طيران «دلتا إيرلاينز»، أمس الجمعة، إنها ستستأنف رحلة يومية واحدة من شنغهاي إلى ديترويت عبر سول يوم الأربعاء.
* بكين
على خلاف شنغهاي، استمر قلق بكين من فيروس كورونا، لكنها تتجنب حتى الآن فرض إغلاق تام، نظراً لعدم تسجيلها سوى عشرات الإصابات الجديدة يومياً مقابل عشرات الآلاف في شنغهاي في ذروتها.
ومع ذلك، فإن القيود والاختبارات الجماعية المتواصلة المفروضة على العاصمة الصينية زعزعت استقرار اقتصادها، وقلبت حياة سكانها رأساً على عقب.
وسجلت بكين 63 إصابة جديدة محلية بـ«كوفيد - 19» خلال 24 ساعة حتى الثالثة عصراً السبت بالتوقيت المحلي (07.00 بتوقيت غرينتش).
ورغم أن الخدمة ستكون لساعات محدودة إلا أنها ستسمح للسكان بالتنقل بين المناطق. كما سيتم إعادة تشغيل أكثر من 200 خط للحافلات.
*مراكز حجر قسري*
أُرسل الآلاف من سكان العاصمة الصينية بكين ليلاً إلى مراكز حجر صحي قسراً، بعد اكتشاف 26 إصابة بـ«كوفيد - 19» في مكان سكنهم، حسب صور وإشعارٍ رسمي متداول على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقل أكثر من 13 ألفاً من سكان مجمع نانكشينيوان السكني جنوب - شرق العاصمة، إلى فنادق مخصصة للعزل الصحي ليلاً، رغم أن نتائج فحوصات «كوفيد» خضعوا لها أتت سلبية. وهددتهم السلطات بعقوبات في حال قاوموا هذه الإجراءات.
وجاء في بيان رسمي للسلطات الصحية في مقاطعة تشاويانغ: «قرر الخبراء أن يخضع كل سكان نانكشينيوان للحجر الصحي ابتداءً من منتصف ليل 21 مايو (أيار) لسبعة أيام». وأضاف البيان: «يرجى التعاون تحت طائلة تحمل عواقب قانونية».
وقد عبر مستخدمون لموقع «ويبو»، السبت، عن استيائهم من انتهاج سياسة شبيهة بتلك المعتمدة في شنغهاي في بكين. وأظهرت صورٌ على مواقع التواصل مئات الأشخاص يقفون في طوابير حاملين أمتعتهم وسط الظلام بانتظار الصعود إلى الباصات. وشكا أحد السكان عبر موقع التدوينات الصيني «ويبو»، من أن «البعض محتجز منذ 23 أبريل رغم النتائج السلبية لفحوصاتهم، وكثيرون منهم مسنون أو لديهم أطفال». ووفق نقاشات على الموقع، طلبت السلطات من السكان حزم أمتعتهم، وأبلغتهم أن منازلهم ستُعقم.
وكتب أحدهم: «كما حصل في شنغهاي، يقطعون المياه والكهرباء أولاً، ثم يطلبون المفاتيح... ثم يعقمون المنازل ما يقضي على الأجهزة الإلكترونية والملابس والأثاث والأطعمة».
* حجر عثرة
ومع تزايد غضب السكان وتراجع المؤشرات الاقتصادية، تتحول استراتيجية «صفر كوفيد» الصينية التي لا تتزعزع، من نجاح صحي احتفت به وسائل الإعلام الرسمية إلى عائق سياسي بالنسبة للرئيس شي جينبينغ.
تتضافر القيود الكثيرة والحجر الصحي القسري والتقليص الشديد للرحلات الجوية الدولية، وعدم إصدار جوازات سفر جديدة للمواطنين الصينيين إلا لأسباب ضرورية واختبارات «كوفيد» المتكررة، لتجعل منها «سياسة محبطة» لروح الصينيين المعنوية وللاقتصاد، بعدما نجحت الدولة البالغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة في حصر عدد الوفيات ببضعة آلاف، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
على العكس من دول الغرب التي أصيبت بالشلل تقريباً بسبب الوباء على مدار العامين الماضيين، استعادت الصين حياة شبه طبيعية منذ ربيع عام 2020.
منذ ذلك الحين، أشيد بالسياسة الصحية في الصين باعتبارها ترمز للقيادة الحكيمة لشي جينبينغ، ولتفوق النظام الصيني على الديمقراطيات الليبرالية. لكن الرئيس المدافع القوي عن سياسة «صفر كوفيد» المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشخصه يطمح في عمر 68 عاماً للبقاء لولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي في نهاية عام 2022.
لكن الموجة الحالية التي تسببها المتحورة «أوميكرون» من فيروس كورونا في الصين، تسلط الضوء على التداعيات الضارة لهذه السياسة الصحية التي تلحق بدورها الضرر بصورة الرئيس.
فقد سُجلت مئات الوفيات جراء «كوفيد» في الأسابيع الأخيرة في شنغهاي التي ضاق سكانها ذرعاً بالحجر المفروض عليهم منذ ما يقرب من شهرين.
* «صفر كوفيد»
أما الاقتصاد، فيتعثر بسبب القيود المفروضة في جميع أنحاء البلاد، التي تمنع الكثير من الصينيين من السفر أو الاستهلاك أو حتى العمل، ناهيك عن اضطراب سلاسل التوريد.
فقد كشفت الصين، الاثنين، النقاب عن أسوأ أداء اقتصادي لها منذ عامين مع انخفاض الاستهلاك إلى أدنى مستوياته واقتراب معدل البطالة من أعلى مستوياته على الإطلاق.
تقول فيفيان شو، الأستاذة في جامعة أكسفورد لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الفشل في تخفيف سياسة «صفر كوفيد»، «قد يجعل الاستراتيجية الصينية تبدو عنيدة... وبعيدة عن الإبداع وغير حكيمة».
في المقابل، دعا شي جينبينغ، إلى الاستمرار في اتباع هذه السياسة «بثبات»، قائلاً إنه يريد أن يضع حياة مواطنيه فوق الاعتبارات الاقتصادية.
إذ إن العام 2022 حاسم بالنسبة له. فخلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي سيعقد في الخريف، يُتوقع أن يعيد القادة الشيوعيون، ما لم تحدث مفاجأة كبيرة، انتخابه لفترة ثالثة مدتها خمس سنوات كأمين عام للحزب.
في غضون ذلك، وفي محاولة لتحسين الأداء الاقتصادي، حاول رئيس الوزراء لي كه تشيانغ، هذا الأسبوع، لعب دور المحفز، داعياً إلى التحلي بما سماه «حس الطوارئ» لدى المجتمعات المحلية لإطلاق تدابير داعمة.
ولكن فيما يتعلق بالاستياء الاجتماعي، ليس لدى السياسيين المحليين سوى مساحة محدودة للمناورة.
يقول خبراء إن الرئيس وهو أقوى زعيم صيني منذ عقود، متمسك إلى حد كبير بسياسة «صفر كوفيد»، لدرجة أنه ليس لدى هؤلاء المسؤولين من خيار سوى تطبيق هذه الاستراتيجية بحماسة.
* انتحار سياسي
يقول ألفريد وو، الأستاذ المتخصص بشؤون الصين في جامعة سنغافورة الوطنية، «إن تحدي هذه السياسة يعني مواجهة الرئيس نفسه»، لأن «كوفيد - 19» يمكن أن يعلي شأن المسؤولين أو يسقطهم.
وبالفعل تعرض سياسيون للعزل لفشلهم في وقف تفشي الجائحة.
في شنغهاي، تثير الإدارة الفوضوية أحياناً للحجر الصحي أسئلة حول مستقبل رئيس البلدية ومسؤول الحزب الشيوعي الصيني لي تشيانغ.
لكن هذا المسؤول المقرب من الرئيس، الذي طُرح اسمه رئيس وزراء محتملاً، ما زالت لديه «فرصة جيدة» للارتقاء خلال مؤتمر اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، حسب تقديرات مكتب «سينو إنسايدر» الأميركي.
لكن، هل يواجه شي جينبينغ تحدياً في الداخل؟
يقول جوزيف توريجيان، المتخصص في الأنظمة الاستبدادية في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن «من الصعب معرفة ما إذا كانت نخب الحزب لديها رأي آخر» بشأن الوضع الصحي. وعلى أي حال، فإن «السياسة الصينية لا تعتمد على شعبية» القادة، وهو معيار غير حاسم للوصول إلى السلطة.
وقبل بضعة أشهر من مؤتمر الحزب، سيمثل التخلي عن سياسة «صفر كوفيد» مجازفة كبيرة بالنسبة لشي جينبينغ، وفق «سينو إنسايدر»، إذ سيكون الأمر في رأي المكتب الاستشاري بمثابة «انتحار سياسي اليوم أكثر من ذي قبل».