الذكرى العاشرة لرحيل وردة الجزائرية التي لا تُعوّض

غنّت الحب والوطن وتركت الروائع الخالدة

الذكرى العاشرة لرحيل وردة الجزائرية التي لا تُعوّض
TT

الذكرى العاشرة لرحيل وردة الجزائرية التي لا تُعوّض

الذكرى العاشرة لرحيل وردة الجزائرية التي لا تُعوّض

عشر سنوات على رحيل وردة الجزائرية، ذهبية الصوت. صمت قلبها في 17 مايو (أيار) 2012، ليخفق حضورها الأبدي في القلوب. عقد على الغياب، وهو في وضعية الكبار حكر على الأجساد، يُريحها، معلناً عجزه عن إطفاء الأثر. والفنانة المُصنّفة في مراتب "الأساطير" حين تذعن للفناء، كسائر الخلق، فإنها تستمر في الوجود بإرثها وصوتها. تترك أغنيات للخلود وحنجرة للجمال.

عام 1939 وُلدت وردة فتوكي في فرنسا. الأب جزائري والأم لبنانية، فتنقّلت بين الجزائر وباريس وبيروت قبل الاستقرار في القاهرة. لم تكن مصر محطة عابرة. كانت الأبواب العريضة والفرص المذهلة. فوردة تدندن لكبارها منذ بداياتها، وتغني بصوتها روائع أم كلثوم وعبد الحليم. أمام سواح عرب وأجانب، اعتادوا ارتياد مطعم والدها الباريسي، أطربت بأغنيات العمالقة، وعلى خشبته بدأت المشوار.

فرضت الظروف عودتها مع والدتها إلى بيروت لصدور حكم الإعدام بحقها في فرنسا. حين اندلعت الحرب الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، اتخذت من الحنجرة سلاح مواجهة، فغنت الغناء الثوري والحماسة الوطنية. الامتعاض الفرنسي جعل العائلة توضب حقائبها وتغادر، لتنشد وردة في العاصمة اللبنانية أغنيات الثورة: "أنا من الجزائر... أنا عربية".

بعض النوافذ يُشرّع باباً تلو الباب. ومصر، نافذة وردة ومفتاح أبوابها. وربما لم تعلم أنها ستتخذها موطناً ثانياً تلفظ فيه أنفاسها الأخيرة. حين دعاها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى "أم الدنيا" للمشاركة في أوبريت "الوطن الأكبر"، ألحان محمد عبد الوهاب، فتح أمامها الباب الواسع لإثبات الحضور وتكريس الشهرة. في دار الأوبرا الخديوية، لفتت الأنظار شابة تغني في الفقرة المخصصة لنضال الجزائر من أجل الاستقلال. الأسماء المشاركة في صناعة الحدث كبيرة: عبد الحليم حافظ، نجاة الصغيرة، صباح، شادية... ومن الجزائر، وردة التي بدأت تحفر اسمها بحروف من ذهب.

انتشرت شائعة تروّج لعلاقة ملتبسة بوزير الحربية المصري المشير عبد الحكيم عامر، فرُحّلت من مصر. القدر المتربّص بها حملها إلى موطنها ووضع في طريقها وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري جمال قصيري، فتزوجا وأنجبا رياض ووداد. تمّ الزواج بشرط اعتزالها الغناء، فأذعنت طويلاً ثم تقلّبت على جمر الشوق. لم تستطع نسيان أمجاد المسارح المشتعلة وعيون المعجبين بالأداء البديع. بعد الزواج والإنجاب، تدخّل القدر بنفسه هذه المرة. تأجج في داخلها حنين إلى وردة المغنية، وعندما سنحت الفرصة تركت وردة الزوجة ولحقت بها.

أراد الرئيس الثاني للجزائر المستقلة هواري بومدين أن تغني في عيد الاستقلال العاشر، فشكّل لقاؤها مع الموسيقار المصري بليغ حمدي، الموجود في الاحتفال، منعطفاً في حياتها وفنها. شاء خرق اعتزالها وإعادتها إلى جمهورها. وأول ما فعله هو إقناعها بالرجوع إلى مصر. كان عليها الاختيار، فغلب عشق الفن أي "واجب" آخر. الثمن مُتوقّع: الطلاق.

يُحكى عن حب جميل جمعها ببليغ حمدي، مطربة من الزمن الجميل بموسيقار خالد. تزوجا في العام 1972 وتطلقا في العام 1979. لم يدم الزواج، على عكس الود. فقد استمرا في التعاون الفني، ووردة في عزّها، يلحّن لها العظماء: محمد الموجي، محمد عبد الوهاب، وسيد مكاوي، الذي مهّدت لها "أوقاتي بتحلوّ"، من ألحانه، دخول صرح الكبار.

تقرّر أن تغنيها أم كلثوم، وبرحيلها قبعت سنوات في أدراج سيد مكاوي، لكأنها تنتظر وردة لتكون من نصيبها. ثم كرّت الروائع: "مالي وأنا مالي"، "وحشتوني"، "لولا الملامة"، "جرّبت أحبك"، "بتونس بيك"، و"عملت إيه فينا السنين"... فن لا يموت وأغنية متوهّجة.

وردة منذ الأغنية الأولى، إلى صدور أغنية "أيام" باللهجة اللبنانية بعد رحيلها، حالة فريدة في تاريخ الغناء العربي. فنها عبور إنساني نحو المعنى العميق في الكلمة والجمال الخلاب في اللحن. عطاء تخطى الخمسين عاماً، في الأغنية الراقية والتمثيل السينمائي والتلفزيوني. منذ أن رشّحها المخرج حلمي رفلة لفيلم "ألمظ وعبده الحامولي" وهي في مصر تجاور عظماءها. حلّ الرحيل، فعادت إلى ديارها والنعش ملفوف بالعلمين الجزائري والمصري. استراحتها في أرضها تعبق برائحة تراب المصريين وأرضهم الخيّرة.

رافقها المجد ممسكاً بيدها، ولم تفلت الغصة طرف ثوبها. عاشت وردة حياة يسلّم إليها المرء نفسه لكنه يخشى الوثوق بها. حياة مُباغتة، تعطي وتأخذ، ترفع من جهة وتجعل الثمن باهظاً من أخرى. لم تُوفّق بزواجين، لكنها أنجبت ولدين وعاينت عن قُرب نبل الأمومة. هالتها الكبيرة لم تردع عصف المرض. أقدم في اتجاهها بقسوته على الأجساد. ضربها في كبدها حيث لم تنفع طويلاً عملية زرع الكبد، ثم مسَّ قلبها وأسدل الستارة. كانت حينها بعمر الـ73. عشر سنوات على رحيل بدن يستريح بعد تعب.

شاءت وردة إلحاق أغنية "أيام" بألبومها الأخير "اللي ضاع من عمري" بعدما سجلتها في بيروت قبل رحيلها. ظلّت الرغبة معلّقة، وبهمّة ابنها تحققت بعد وفاتها. "أيام بنعدها لو فينا نردها، كنا ردينا أوقات صارت هلأ ذكريات... لكن يا خسارة الحياة تمرق ما فينا نردها". وردة لا تُعوّض.



«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
TT

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، وتستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على الفنون المعاصرة والحضور الشبابي، مع تقديم عدد من العروض في جامعة الفيوم.

وشهد حفل انطلاق المهرجان تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين، والمنتجة التونسية درة بو شوشة، إضافة إلى الممثل المصري حمزة العيلي، مع حضور عدد من الفنانين لدعم المهرجان، الذي استقبل ضيوفه على «سجادة خضراء»، مع اهتمامه وتركيزه على قضايا البيئة.

وتحدثت إلهام شاهين عن تصويرها أكثر من 15 عملاً، بين فيلم ومسلسل، في الفيوم خلال مسيرتها الفنية، مشيدة خلال تصريحات على هامش الافتتاح بإقامة مهرجان سينمائي متخصص في أفلام البيئة بموقع سياحي من الأماكن المتميزة في مصر.

وأبدى محافظ الفيوم، أحمد الأنصاري، سعادته بإطلاق الدورة الأولى من المهرجان، بوصفه حدثاً ثقافياً غير مسبوق بالمحافظة، مؤكداً -في كلمته خلال الافتتاح- أن «إقامة المهرجان تأتي في إطار وضع المحافظة على خريطة الإنتاج الثقافي السينمائي التي تهتم بالبيئة والفنون المعاصرة».

جانب من الحضور خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وبدأ المهرجان فعالياته الثلاثاء بندوات حول «السينما والبيئة»، ومناقشة التحديات البيئية بين السينما والواقع، عبر استعراض نماذج مصرية وعربية، إضافة إلى فعاليات رسم الفنانين على بحيرة قارون، ضمن حملة التوعية، في حين تتضمن الفعاليات جلسات تفاعلية مع الشباب بجانب فعاليات للحرف اليدوية، ومعرض للفنون البصرية.

ويشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين يُحتفى بفلسطين ضيف شرف للمهرجان، من خلال إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها فيلم «من المسافة صفر».

وقالت المديرة الفنية للمهرجان، الناقدة ناهد صلاح: «إن اختيارات الأفلام تضمنت مراعاة الأعمال الفنية التي تتطرق لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتباط القضايا البيئية بالجانب الاجتماعي»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» حرصهم في أن تراعي الاختيارات تيمة المهرجان، بجانب إقامة فعاليات مرتبطة بالفنون المعاصرة ضمن جدول المهرجان.

وأبدى عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الناقد السعودي خالد ربيع، حماسه للمشاركة في المهرجان بدورته الأولى، لتخصصه في القضايا البيئية واهتمامه بالفنون المعاصرة، وعَدّ «إدماجها في المهرجانات السينمائية أمراً جديراً بالتقدير، في ظل حرص القائمين على المهرجان على تحقيق أهداف ثقافية تنموية، وليس فقط مجرد عرض أفلام سينمائية».

إلهام شاهين تتوسط عدداً من الحضور في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيز المهرجان على تنمية قدرات الشباب الجامعي، وتنظيم ورش متنوعة لتمكين الشباب سينمائياً أمر يعكس إدراك المهرجان للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، التي ستُساعد في دعم المواهب الشبابية في الفيوم»، لافتاً إلى أن «اختيارات لجنة المشاهدة للأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان بمسابقاته الرسمية ستجعل هناك منافسة قوية، في ظل جودتها وتميز عناصرها».

يذكر أن 4 أفلام سعودية اختيرت للمنافسة في مسابقتي «الأفلام الطويلة» و«الأفلام القصيرة»؛ حيث يشارك فيلم «طريق الوادي» للمخرج السعودي خالد فهد في مسابقة «الأفلام الطويلة»، في حين تشارك أفلام «ترياق» للمخرج حسن سعيد، و«سليق» من إخراج أفنان باويان، و«حياة مشنية» للمخرج سعد طحيطح في مسابقة «الأفلام القصيرة».

وأكدت المديرة الفنية للمهرجان أن «اختيار الأفلام السعودية للمشاركة جاء لتميزها فنياً ومناسبتها لفكرة المهرجان»، لافتة إلى أن «كل عمل منها جرى اختياره لكونه يناقش قضية مختلفة، خصوصاً فيلم (طريق الوادي) الذي تميز بمستواه الفني المتقن في التنفيذ».