قوات الأمن الإيرانية تطلق الرصاص الحي على المحتجين

أطلقت قوات الأمن الإيرانية الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين مناهضين للحكومة في عدة أقاليم، أمس، بحسب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تتواصل الاحتجاجات على ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وانطلقت الاحتجاجات المعيشية في بداية الشهر الحالي بمحافظة الأحواز، جنوب غربي البلاد، على إثر قرار الحكومة رفع أسعار الطحين (الدقيق)، ما رفع أسعار الخبز إلى 10 أضعاف. واتسع نطاق الاحتجاجات بعد تنفيذ قرار حكومي بخفض دعم سلع أساسية، مثل زيت الطهي ومنتجات الألبان، ووصفت الحكومة قرارها بأنه «إعادة توزيع عادلة» للدعم على أصحاب الدخل المنخفض، وأعلن قائد «الحرس الثوري» عن دعمه ما وصفه بـ«الجراحة الاقتصادية»... وسرعان ما اكتسبت الاحتجاجات منحى سياسياً، إذ وسّع المحتجون مطالبهم، منادين بمزيد من الحريات السياسية وإنهاء نظام «ولاية الفقيه» وسقوط قادته، بحسب شهود ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، في تكرار للاحتجاجات التي وقعت عام 2019 وانطلقت شرارتها بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
وأظهرت لقطات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، اشتباكات عنيفة في مدن، من بينها فارسان بوسط إيران حيث أطلقت شرطة مكافحة الشغب الذخيرة الحية على المتظاهرين. وفي شهركرد وهفشجان استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق محتجين. وشوهد المحتجون في مدينة دزفول، شمال محافظة الأحواز، وهم يهتفون في مقطع فيديو: «لا تخف، لا تخف، نحن في هذا معاً».
كما نشر حساب «1500 صورة» المعنيّ بتغطية الاحتجاجات على شبكات التواصل، معلومات عن قطع الإنترنت في عدة مدن بمحافظة الأحواز. ويظهر أحد مقاطع الفيديو تجهيز قذائف مولوتوف في بلدة بضواحي دزفول، وذلك بعدما تدوولت فيديوهات لدخول مجموعة كبيرة من الدراجات النارية.
وذكرت «رويترز» أمس أن لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مقتل 6 على الأقل، وإصابة العشرات في الأيام الماضية. ولم يصدر أي تعليق رسمي بشأن سقوط قتلى. ونقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) شبه الرسمية عن قاسم رضائي، المسؤول الكبير في الشرطة، أمس، تحذيره من أنه «لن يكون هناك تهاون مع التجمعات غير القانونية، وستتم مواجهتها».
- سيناريو 2019
أقرت الحكومة الأسبوع الماضي بخروج احتجاجات، لكنها وصفتها بالتجمعات الصغيرة. وأفادت وسائل إعلام رسمية الأسبوع الماضي باعتقال «عشرات المشاغبين والمحرضين» حسب «رويترز».
ويخشى حكام إيران تكرار احتجاجات عام 2019. وهي الأكثر دموية في تاريخ إيران، على الرغم من أن السلطات رفضت تقارير عن عدد القتلى في تلك الاحتجاجات، ومنها تقرير لمنظمة العفو الدولية عن سقوط أكثر من 300 قتيل، وما نقلته «رويترز» عن مسؤولين إيرانيين بشأن سقوط 1500 قتيل.
وأظهرت لقطات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أمس، متظاهرين يحرقون صور المرشد الإيراني علي خامنئي، ويهتفون: «لا نريد حكم رجال الدين»، وطالبوا بعودة رضا بهلوي، النجل المنفي لشاه إيران المعزول.
ودعا رضا بهلوي في رسالة مصورة عبر حسابه على «تويتر» إلى الوحدة بين الإيرانيين «من أجل إيران حرة»، وعبّر عن مواساته لأسر «من قتلوا خلال الاضطرابات».
وقال بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد إن خدمات الإنترنت تشهد انقطاعات منذ الأسبوع الماضي، وهو ما يُنظر إليه على أنه محاولة من قبل السلطات لوقف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم التجمعات ونشر مقاطع الفيديو. ونفى مسؤولون حدوث انقطاع في الإنترنت.
وبحسب أرقام رسمية، يعيش زهاء نصف سكان إيران، البالغ عددهم 85 مليون نسمة، تحت خط الفقر. وفاقمت العقوبات الأميركية، إلى جانب ارتفاع التضخم والبطالة وتراجع العملة الوطنية والفساد الحكومي، الوضع الاقتصادي المتردي.
وسحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران و6 قوى كبرى، وأعاد فرض العقوبات على طهران. وتعثرت المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ مارس (آذار).
في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت تقارير أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ووزارة الأمن، عقدتا اجتماعين منفصلين مع مسؤولي وسائل الإعلام لتحديد إطار تغطية الاحتجاجات.
ونشرت وكالات تابعة لـ«الحرس الثوري» تسجيل فيديو، في محاولة لتبرير قرار الحكومة برفع الأسعار. وأثار تقطيع تعليقات المواطنين جدلاً بين الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي. وقارنت وسائل إعلام في خارج إيران بين التسجيل المذكور وتسجيل نشرته وسائل إعلام «الحرس الثوري» بعدما أسقطت تلك القوات طائرة ركاب مدنية في جنوب طهران، مطلع العام 2020.
- حملة اعتقالات
في شأن متصل، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الإعلام الرسمي الإيراني، أمس، أن السلطات أعادت صحافياً وناشطة إلى السجن للاشتباه بممارستهما نشاطات تمسّ «الأمن القومي» خلال فترة الإفراج المشروط عنهما.
وأعلنت وكالة «مهر» الحكومية أن الصحافي والناشط كيوان صميمي أعيد «إلى السجن مع نهاية إجازته الطبية، لاستئنافه نشاطاته ضد الأمن القومي، وتواصله مع مجموعات معادية للثورة في الخارج» خلال فترة إطلاق سراحه.
ويعد صميمي البالغ 73 عاماً من الناشطين المخضرمين في إيران، وارتبط بعلاقات مع مجموعات معارضة قومية ودينية التوجه. كذلك، أمضى فترات في السجن خلال عهد الشاه، وبعد ثورة 1979.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020 أودع السجن في سمنان، شرق طهران، بموجب حكم بحبسه 3 أعوام، لإدانته بتهمة «التآمر ضد الأمن القومي». ووفق وسائل إعلام محلية، خرج صميمي من السجن في فبراير (شباط) 2022 بناء على إطلاق سراح مشروط لأسباب طبية بعد معاناته مشكلات صحية. وأشارت «مهر» إلى أن طبيباً أفاد بأن الوضع الصحي لصميمي يجيز إعادته إلى السجن، بناء على فحص طبي خضع له.
إلى ذلك، أفادت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» أمس عن إعادة توقيف الناشطة في مجال حقوق النساء والنقابات العمالية نرجس منصوري. وأوقفت في أغسطس (آب) 2019. ونالت إطلاق سراح مشروط في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية عن «إرنا» بأن منصوري هي من العناصر «المعادية للثورة»، وأجرت لقاءات مع وسائل إعلام مناهضة لسلطات الجمهورية الإسلامية خارج إيران، وذلك بهدف «إثارة الشغب» في البلاد.
وأوضحت أن منصوري «ارتكبت نشاطات تمسّ الأمن القومي خلال عامين ونصف عام من الإفراج المشروط عنها»، وأن توقيفها تم «أثناء محاولتها مغادرة البلاد (...) بعدما علمت أن السلطة القضائية تتجه نحو إعادتها إلى السجن».
وتأتي إعادة الناشطَين إلى السجن بعد أيام من توقيف باحث إخصائي في «الحركات الاجتماعية» للاشتباه بقيامه بأفعال «تمسّ الأمن القومي». وأفادت وكالة «مهر»، الاثنين، أن أستاذ علم الاجتماع في جامعة «طباطبایی» بطهران سعيد مدني قهفرخي (61 عاماً) أوقف للاشتباه «بإقامته روابط مع دول أجنبية، وارتكابه أفعالاً تهدد أمن البلاد»، من دون تفاصيل إضافية.
واعتقلت الباحث قوات «الحرس الثوري» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أثناء مغادرة مطار الخميني إلى الولايات المتحدة، تلبية لدعوة جامعة ييل. وكان حساب «1500 صورة» قد أفاد، الثلاثاء، أن السلطات أعادت اعتقال موقوفين في احتجاجات نوفمبر 2019.