ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية على مدى عامين مدفوعة باضطرابات «كوفيد 19» وويلات الطقس. وجعلتها صدمات إمداد الحبوب والزيوت تسجل رقماً قياسياً في فبراير (شباط) بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومرة أخرى في مارس (آذار). وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن الغذاء يمثل أكبر فئة في سلال التضخم، في اختيار السلع المستخدمة لحساب تكلفة المعيشة، في كثير من الدول النامية، وأنه يمثل نحو النصف في دول مثل الهند أو باكستان، وفي المتوسط نحو 40 في المائة في البلدان منخفضة الدخل. وأصبح منتجو المواد الغذائية أكثر تحوطاً. فقد أعلنت الهند مطلع الأسبوع فرض حظر على صادرات القمح، بينما أوقفت إندونيسيا صادرات زيت النخيل للسيطرة على الأسعار المرتفعة في الداخل في أواخر أبريل (نيسان). وقال مارسيلو كارفالو، رئيس أبحاث الأسواق الناشئة العالمية، في بنك «بي إن بي باريبا» لـ«رويترز»، إن تضخم الغذاء قد يكون أطول أمداً، كون الحرب في أوكرانيا لا تؤدي إلى تعطيل إمدادات الغذاء فحسب، لكن إمدادات الأسمدة أيضاً. وأضاف كارفالو: «هذا موجود ليبقى. الغذاء واضح جداً، عندما يكون هناك تغيير في أسعار المواد الغذائية يتم تضخيم التصور حول التضخم الذي يغذي توقعات التضخم التي لا يتم كبحها بسهولة». وقالت مصادر تجارية لـ«رويترز» إن مستوردي القمح في آسيا سعوا جاهدين الاثنين لإيجاد مصادر جديدة للإمداد، بعد أن حظرت الهند تصدير القمح مطلع هذا الأسبوع في محاولة للحدّ من ارتفاع أسعاره محلياً. واعتمد المستوردون، وخصوصاً في آسيا، على القمح من الهند، ثاني أكبر منتج في العالم، بعد تراجع الصادرات من منطقة البحر الأسود في أعقاب الحرب الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير. وتستحوذ روسيا وأوكرانيا معاً على نحو 30 في المائة من صادرات القمح العالمية.
وتتعرض صادرات أوكرانيا لتباطؤ شديد، لأن الحرب أجبرتها على إغلاق موانئها، بينما تضررت الصادرات الروسية جراء العقوبات الغربية. وفي إحدى شركات التجارة العالمية، قال تاجر قمح مقيم في أوروبا: «من المرجح أن يكون المستوردون الآسيويون في ورطة شديدة. كانت الهند هي البديل لأوكرانيا وروسيا، وخصوصاً فيما يتعلق بالقمح الذي يستخدم كعلف. (هم) يبحثون بالفعل عن بدائل اليوم». وأضاف أن المستوردين في آسيا يتطلعون لشراء مزيد من القمح الروسي، على الرغم من مشكلات السداد المرتبطة بالعقوبات المفروضة على البنوك الروسية وارتفاع أقساط التأمين على الشحن. وقال تاجر قمح آخر من أوروبا: «لقد بدأت (الخسائر) بالفعل هذا الصباح. اضطر التجار (الذين ليست لديهم خطابات اعتماد) إلى إعلان إلغاء العقود. أعتقد أنه اعتباراً من منتصف يونيو (حزيران) لن يكون هناك مزيد من الشحنات (الهندية)». وحظرت الهند صادرات القمح بسبب موجة الحر القائظ التي قلصت فرص الحصاد ودفعت الأسعار المحلية للارتفاع إلى مستوى قياسي. وجاء ذلك أيضاً وسط مشكلات إنتاج في مراكز التصدير التقليدية في كندا وأوروبا وأستراليا.
ويقول التجار إن الحظر قد يرفع الأسعار العالمية إلى مستويات قياسية جديدة، ما يضر بشدة بالمستهلكين الفقراء في آسيا وأفريقيا. وتتضمن الوجهات الرئيسية للصادرات الهندية؛ بنغلاديش وإندونيسيا ونيبال وتركيا. ووافقت مصر في الآونة الأخيرة على شراء القمح الهندي لأول مرة على الإطلاق. ولا تزال هذه الصفقة مطروحة رسمياً، إذ قالت الهند إنها ستظل تسمح بالتصدير إلى الدول التي تطلب الإمدادات «لتلبية احتياجات الأمن الغذائي» لديها، لكن خبراء السوق متشككون. وقال كارلوس ميرا، محلل السلع الزراعية لدى بنك رابو: «هناك عدم يقين بشأن الكمية التي سيتم تصديرها إلى الدول التي ترى الهند أن لديها احتياجات للأمن الغذائي. ربما يصدّرون إلى دول مجاورة صديقة فحسب». ويخشى الاقتصاديون أن تواجه الاقتصادات الناشئة موجة جديدة من الاضطرابات، على خلفية الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية. وقالت بياتا جافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن شمال أفريقيا؛ حيث كان تضخم أسعار الغذاء أحد أسباب ثورات الربيع العربي قبل نحو عقد من الزمن، بدا معرضاً للخطر بشكل خاص. وأضافت: «المفارقة في هذه الحرب هي أنه بينما توقع الجميع أن تشهد روسيا أزمة، فإن دول شمال أفريقيا هي في الواقع الأقرب إلى مواجهة حالة طوارئ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية». لكن من المتوقع أن تمتد الضغوط أكثر. فقد قالت شركة استشارات المخاطر «فيريسك مابلكروفت» الأسبوع الماضي إن 3 أرباع الدول التي يُتوقع أن تكون معرضة لخطر مرتفع أو خطر شديد بحدوث اضطرابات أهلية بحلول الربع الرابع من عام 2022 هي دول متوسطة الدخل.
وقالت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الاثنين، إن بلادها تدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإعادة الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق الدولية رغم استمرار الحرب.
وأضافت السفيرة للصحافيين: «تحدث إلينا بشأن خططه ومناقشاته مع الأوكرانيين والروس حيال هذه القضية». وبعد زيارته لموسكو وكييف في أواخر الشهر الماضي، قال غوتيريش إنه مصمم على المساعدة في إعادة الإنتاج الزراعي لأوكرانيا وإنتاج الأغذية والأسمدة في روسيا وروسيا البيضاء إلى الأسواق العالمية رغم استمرار الحرب. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، اليوم (الاثنين)، أن غوتيريش طلب من روسيا السماح بشحن بعض الحبوب الأوكرانية مقابل تحركات للمساعدة في تسهيل صادرات روسيا وروسيا البيضاء من أسمدة البوتاس. وأشارت السفيرة الأميركية إلى عدم وجود عقوبات أميركية على المنتجات الزراعية الروسية.
الحرب الأوكرانية تعطل إمدادات الأسمدة أيضاً
«يونيسيف» تحذّر من أزمة سوء تغذية «كارثية» للأطفال بسببها
الحرب الأوكرانية تعطل إمدادات الأسمدة أيضاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة