رزان الصوص... من الصيدلة إلى تصنيع الجبن

لاجئة سورية «تتحدى قبرص» بصنع الحلومي في شمال إنجلترا

أثناء زيارة الاميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية الى معمل رزان
أثناء زيارة الاميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية الى معمل رزان
TT

رزان الصوص... من الصيدلة إلى تصنيع الجبن

أثناء زيارة الاميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية الى معمل رزان
أثناء زيارة الاميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية الى معمل رزان

من أكثر القراءات التي تشدني هي قصص النجاح، لا سيما العربية منها، إنها قصص تتحول إلى مادة دسمة تتهافت عليها وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
ومن القصص الرائعة المرصعة بالإبداع قصة رزان الصوص اللاجئة السورية التي هربت مع زوجها وأبنائها الثلاثة من الحرب الأهلية في وطنها لتستقر في يوركشير شمالي إنجلترا، ولكن قصة اللاجئة السورية الشابة رزان تعد من بين أجمل قصص النجاح لأنها مبنيّة على العزيمة والإرادة والإبداع وتحدي اليأس الذي يتعرض له كل لاجئ خسر كل شيء ووجد نفسه يشق حياته من جديد ويبدأها في بلاد غريبة وفي وظرف قاهرة لا يفهمها إل ا من عاشها.
رزان الصوص تصدرت الكثير من العناوين بعدما حصل الجبن الذي تصنعه على الجائزة البرونزية، متحديةً بذلك قبرص مصنِّعة جبن الحلوم، واللافت أنها كانت متخصصة في مجال الصيدلة ولا تملك أي خبرة في مجال تصنيع الأجبان، شاء القدر أن تستقر مع عائلتها في يوركشير لتكون قريبة من أحد أفراد العائلة الذي انتقل للعيش هناك منذ زمن طويل.

مجموعة من أصناف أجبان داما لرزان الصوص

وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع رزان الصوص عبر الهاتف للتعرف أكثر إلى تلك المرأة والأم الناجحة التي دفعتها المعاناة التي يمر بها كل لاجئ إلى خلق فرصة جديدة تعيل من خلالها عائلتها الصغيرة.
رزان درست الصيدلة ولكنها لم تستطع العمل بهذا المجال بعد وصولها إلى إنجلترا نظراً إلى التعقيدات التي ترافق الشهادات العلمية وصعوبة تعديلها والسماح بالعمل بها.
استهلت رزان حديثها بالقول إن ظروفها المادية حالت دون متابعتها دراستها في إنجلترا لأن الأقساط الجامعية باهظة الثمن وكانت في أمسّ الحاجة للعمل ومساعدة زوجها، قدمت على الكثير من الأشغال من بينها وظائف في مجال التسويق ولكنها وللأسف لم تفلح في الحصول على وظيفة، فكرت ملياً في الخطوة التي يجب عليها اتخاذها لتغيير مسار حياتها فلفتها وهي في إحدى زياراتها للسوبرماركت أن هناك نقصاً في وجود أنواع الجبن الأبيض الذي يشبه النوع الذي تجده على مائدة الشرق أوسطيين وتحديداً في البلدان الشامية، المعروف عنهم حبهم للأجبان وإتقان تصنيعها.
افتقدت رزان جبن الحلوم الذي يُنسب تصنيعه في بريطانيا وأوروبا لقبرص فقط، فقررت أن تقوم ببعض الاختبارات المنزلية لتصنيع الجبن على طريقتها، أخرجت الوصفات من درج ذكرياتها في سوريا وقررت أن تقوم بتصنيع الجبن وتحسين الوصفات إلى أن تحصل على أفضل مذاق، وعندما توصلت إلى الوصفة السحرية التي تخولها خوض معركة السوق واجهتها مشكلة قانون تصنيع المنتجات الذي تدخل فيها الألبان في مطبخ منزلي، فكان لا بد أن تجد حلاً لتعقيدات القوانين الخاصة بتصنيع المواد الغذائية في بريطانيا، فاستعانت رزان بمطبخ مطعم أحد الأقرباء الذي يملك مطعماً لبيع الدجاج ولكنه اضطر لإقفاله بسبب شح العمل، فوافق أن يعير مطبخه ليكون مصنعاً صغيراً لتصنيع جبن الحلوم.
ورداً على سؤال «الشرق الأوسط» عن سبب توجه رزان لتصنيع الجبن في وقت لا تملك فيه أي خبرة في هذا المجال، ومن أين أتتها هذه الفكرة؟ ردت الصوص: «أعيش في مدينة تتوفر فيها الألبان بجودة عالية وبوفرة كبيرة، وأملك الخبرة في مجال العمل في المختبرات فقررت أن أستخدم خبرتي ومعرفتي العلمية في مجال قد يبدو مختلفاً ولكنه في الواقع يتشابه كثيراً».
وهكذا حصل، وبعد عمل دؤوب بمساعدة زوجها استطاعت رزان أن تطلق علامة «داما» للأجبان، وتفادياً لتسمية الجبن بالحلوم بسبب الملاحقة القضائية من قبرص التي تملك الحق الحصري لتصنيع الحلوم، فكرت رزان باسم آخر تصف فيه الجبن دون ذكر اسم «حلوم»، فأطلقت عليها اسم «داما ذا سكويكي تشيز» وهذا التعبير معترف به في بريطانيا ويطلق على الأجبان التي تطلق صوتاً عند أكلها يُعرف بالعامية بالـ«زيزقة»، وبعد أربعة أشهر من بيع الجبن في المزارع المحلية والمحلات التي تبيع المواد الغذائية الراقية المعروفة باسم الـ«ديليز» أرادت رزان خوض المنافسة في مسابقة لاختيار أفضل أنواع الجبن وحصلت على الجائزة البرونزية في مسابقة شارك فيها أكثر من 2000 نوع من الأجبان في قاعة أوليمبيا بلندن، واليوم حصلت علامتها التجارية على 33 جائزة وتعمل حالياً على بيع أجبانها في سلسلة محلات غذائية معروفة في بريطانيا.

ابتكرت رزان الصوص نكهات عديدة في أجبانها فأدخلت حبة البركة والاعشاب اليها

بعد التكلم إلى رزان أدركت أن سبب نجاحها يعود إلى طريقة تفكيرها العلمية المدعومة بدراستها في هذا المجال، فعندما سألتها عن سر نجاح الجبن الذي تصنعه كان ردها علمياً مائة في المائة، فاختصرت الموضوع بالقول إن الحلوم من أنواع الأجبان عالية الانصهار ولا تحتوي على مواد حافظة وتعتمد على الحليب الطازج وعلى أسلوب التعامل مع البكتيريا والمحافظة على الجودة والنوعية في كل مرة.
استطاعت رزان أن توصل اسمها إلى البرلمان البريطاني بحيث تمت مناقشة قضيتها بعدما تلقت رسالة من محامٍ كبير في لندن بالنيابة عن جهات رسمية في قبرص تمنعها من تسمية جبنها بالحلوم، وهنا أبهرتني الصوص باجتهادها والبحث الموسع الذي قامت به لتثبت أن الحلوم ليس حكراً على القبارصة، لا بل إن أصل الجبن عربي و«ألوم» في نهاية الكلمة كان يستعملها الفراعنة لتسمية الجبن، وأضافت بأنها لم تكن تملك المال لتوكيل محامٍ يدافع عنها مما اضطرها للقيام بالبحث والمدافعة عن عملها بنفسها.
ومن الأصناف التي ابتكرتها رزان في مصنعها الذي يعمل فيه حالياً عشرة أشخاص جبن الحلوم مع إكليل الجبل، وصنف آخر مدخن، بالإضافة إلى تشكيلة أطلقت عليها اسم «أرابيكا» تعتمد على النكهات العربية مثل الزعتر وحبة البركة، وابتكرت هذه الأصناف نزولاً على رغبة الأميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية فترة زيارتها يوركشير بحيث طلبت من الجهات المنظمة لزيارتها التعرف إلى رزان وتذوق أجبانها ذائعة الصيت.
قصة رزان الصوص تحمل في باطنها مغزى أبعد من نجاح أصناف أجبانها ونكهاتها التي تعبق بذكرياتها في سوريا قبل التهجير، إنما هي ترجمة حرفية للصبر والجهد وعدم اليأس، فهي ثابرت وأخذت على عاتقها مسؤولية معنوية ومادية بعدما قدمت على قرض مالي بقيمة 2500 جنيه إسترليني فتح لها باب التوسع والنجاح والاستمرارية، وبذكائها اللافت حوّلت ماكينة التبريد التي تستخدم في تصنيع البوظة إلى ماكينة لتسخين الحليب، كما استطاعت تقليص كلفة الماكينات اللازمة في مصنعها من خلال تطوير ماكينة لدى الحداد لكبس الجبن بدلاً من شراء واحدة غالية الثمن خاصة بذلك وحولت أيضاً معدات تسخين الطعام على طريقة البوفيه لقولبة الجبن.
ورداً على سؤالنا حول المعاملة التي لاقتها في شمال إنجلترا كونها عربية مسلمة محجبة، فقالت إنها لاقت كل الدعم من سكان منطقتها ومن الكوادر السياسية فيها التي شجعتها على التطور والعمل.


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

فطور مصري (إنستغرام)
فطور مصري (إنستغرام)
TT

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

فطور مصري (إنستغرام)
فطور مصري (إنستغرام)

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق لعدة أسباب؛ على رأسها الشغف والحب والسخاء.

شوربة الفطر (الشرق الأوسط)

ألذ الأطباق المصرية تجدها في «ألذ» المطعم المصري الجديد الذي فتح أبوابه أمام الذواقة العرب والأجانب في منطقة «تشيزيك» غرب لندن.

نمط المطعم يمزج ما بين المطعم والمقهى، عندما تدخله سيكون التمثال الفرعوني والكراسي الملكية بالنقوش والتصاميم الفرعونية بانتظارك، والأهم ابتسامة عبير عبد الغني، الطاهية والشريكة في المشروع، وهي تستقبلك بحفاوة ودفء الشعب المصري.

شوربة العدس مع الخضراوات (الشرق الأوسط)

على طاولة ليست بعيدة من الركن الذي جلسنا فيه كانت تجلس عائلة عبير، وهذا المشهد يشوقك لتذوق الطعام من يد أمهم التي قدمت لنا لائحة الطعام، وبدت علامات الفخر واضحة على وجهها في كل مرة سألناها عن طبق تقليدي ما.

لحم الضأن مع الأرز المصري (الشرق الأوسط)

المميز في المطعم بساطته وتركيزه على الأكل التقليدي وكل ما فيه يذكرك بمصر، شاشة عملاقة تشاهد عليها فيديوهات لعالم الآثار والمؤرخ المصري زاهي حواس الذي يعدُّ من بين أحد أبرز الشخصيات في مجال علم المصريات والآثار على مستوى العالم، وهناك واجهة مخصصة لعرض الحلوى المصرية وجلسات مريحة وصوت «كوب الشرق» أم كلثوم يصدح في أرجاء المطعم فتنسى للحظة أنك بمنطقة «تشيزيك» بلندن، وتظن لوهلة أنك في مقهى مصري شهير في قلب «أم الدنيا».

كبدة إسكندراني (الشرق الأوسط)

مهرجان الطعام بدأ بشوربة العدس وشوربة «لسان العصفور» وشوربة «الفطر»، وهنا لا يمكن أن نتخطى شوربة العدس دون شرح مذاقها الرائع، وقالت عبير: «هذا الطبق من بين أشهر الأطباق في المطعم، وأضيف على الوصفة لمساتي الخاصة وأضع كثيراً من الخضراوات الأخرى إلى جانب العدس لتعطيها قواماً متجانساً ونكهة إضافية». تقدم الشوربة مع الخبز المقرمش والليمون، المذاق هو فعلاً «تحفة» كما يقول إخواننا المصريون.

الممبار مع الكبة وكفتة الأرز والبطاطس (الشرق الأوسط)

وبعدها جاء دور الممبار (نقانق على الطريقة المصرية) والكبة والـ«سمبوسة» و«كفتة الأرز» كلها لذيذة، ولكن الألذ هو طبق المحاشي على الطريقة المصرية، وهو عبارة عن تشكيلة من محشي الباذنجان، والكرنب والكوسة والفليفلة وورق العنب أو الـ«دولما»، ميزتها نكهة البهارات التي استخدمت بمعيار معتدل جداً.

محشي الباذنجان والكرنب وورق العنب (الشرق الأوسط)

أما الملوخية، فحدث ولا حرج، فهي فعلاً لذيذة وتقدم مع الأرز الأبيض. ولا يمكن أن تزور مطعماً مصرياً دون أن تتذوق طبق الكشري، وبعدها جربنا لحم الضأن بالصلصة والأرز، ومسقعة الباذنجان التي تقدم في طبق من الفخار تطبخ فيه.

الملوخية على الطريقة المصرية (الشرق الأوسط)

وبعد كل هذه الأطباق اللذيذة كان لا بد من ترك مساحة لـ«أم علي»، فهي فعلاً تستحق السعرات الحرارية التي فيها، إنها لذيذة جداً وأنصح بتذوقها.

لائحة الحلويات طويلة، ولكننا اكتفينا بالطبق المذكور والأرز بالحليب.

أم علي وأرز بالحليب (الشرق الأوسط)

يقدم «ألذ» أيضاً العصير الطبيعي وجربنا عصير المانجو والليمونادة مع النعناع. ويفتح المطعم أبوابه صباحاً ليقدم الفطور المصري، وهو تشكيلة من الأطباق التقليدية التي يتناولها المصريون في الصباح مثل البيض والجبن والفول، مع كأس من الشاي على الطريقة المصرية.

المعروف عن المطبخ المصري أنه غني بالأطباق التي تعكس التراث الثقافي والحضاري لمصر، وهذا ما استطاع مطعم «ألذ» تحقيقه، فهو مزج بين البساطة والمكونات الطبيعية واستخدم المكونات المحلية مثل البقوليات والأرز المصري.

كشري «ألذ» (الشرق الأوسط)

وعن زبائن المطعم تقول عبير إن الغالبية منهم أجانب بحكم جغرافية المنطقة، ولكنهم يواظبون على الزيارة وتذوق الأطباق المصرية التقليدية، وتضيف أن الملوخية والكشري وشوربة العدس من بين الأطباق المحببة لديهم.

وتضيف عبير أن المطعم يقدّم خدمة التوصيل إلى المكاتب والبيوت، كما يقوم بتنظيم حفلات الطعام على طريقة الـCatering للشركات والحفلات العائلية والمناسبات كافة.