«الطعام الجزيئي»... تجربة لدمج المطبخين المصري والإيطالي

خبز بالريحان وحساء بالسبيط والفلفل الحار

الشيف سعيد سعد
الشيف سعيد سعد
TT

«الطعام الجزيئي»... تجربة لدمج المطبخين المصري والإيطالي

الشيف سعيد سعد
الشيف سعيد سعد

أصبحت الأطباق الجزيئية من بين الأصناف المفضلة في المطاعم الراقية، حيث يستطيع عشاق الطعام العصري الاستمتاع بروعة المذاق وأناقة الشكل.
جانب من هذه المتعة، كشف عن بعضها سعيد سعد الشيف التنفيذي لفندق «أتلانتك» ومطعم «لابسكريا» في بلدة ألاسيو الواقعة بمقاطعة سافونا في الساحل الغربي ليغوريا، الذي لم يكتف بذلك إنما عمل أيضاً على تطوير الطعام الجزيئي ليضيف إلى لائحة طعامه أطباقاً جديدة مبتكرة تجمع بين سحر المطبخ الشرقي وقوة مذاقه وأناقة الغربي وحداثته.
يعتمد سعيد في تجربته على تجربة تقديم الأطعمة بأسلوب متجدد ومختلف، مستنداً في ذلك إلى نهج علمي وتلاعب متميز بالحواس، انطلاقاً من أن «حاسة التذوق لا تكفي وحدها للاستمتاع بالطعام، وأنه من الضروري إشراك حواس أخرى كالشم والسمع، فما أروع سماع قرمشة الطعام»، حسب سعيد.
اجتذب الطعام الجزيئي الشيف المصري منذ نحو 15 عاماً حين لاحظ انتشاره بشكل واسع وتعدد أدواته وتفرد أساليبه ما بين النيتروجين السائل وأشعة الليزر، إضافة إلى أسلوب الخض، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «في مهنتنا نبحث عن تحسين المذاق والشكل العام للطعام مع توفير الوقت والجهد، وهو ما يحققه هذا النوع من الطهي».
ويضيف: «راقني الهدف الأساسي منه، وهو الخروج عن المألوف وابتكار طرق وأطباق غير اعتيادية»، متابعاً: «تعلقت به، وكنت أول شيف يعمل كورسات متخصصة فيه في الشرق الأوسط، وكان ذلك في الأقصر سنة 2014، بعد أن درست فنونه على يد أشهر شيف في هذا المجال وهو فيرن أدريا في إسبانيا».
ويشير سعيد، «يكمن مفهوم المطبخ الجزيئي في استخدام الكيمياء في المطبخ بهدف تحسين المنتجات الغذائية، ففي إطاره يتم تحويل المواد نفسها من حالة إلى أخرى باستخدام مكونات إضافية، سواء بهدف تغيير الشكل أو المذاق، أو الحفاظ على المنتج لمدة أطول أو تحسين قوامه.
على سبيل المثال يمكن تحويل المواد السائلة إلى بلورات من الجيلاتين، عبر تحويل الصوص العادي إلى كرات من الجيلاتين، أو الكافيار، لكن بنكهة الصوص الذي نريده، وكذلك يتم تحويل الزيوت إلى بودرة عن طريق مالتوديكسترين، وتقديم غراء اللحم وربط نوعين من اللحوم ببعضهما البعض».

لم يقتصر جهد سعيد على أطباق لذيذة من الطعام الجزيئي، إنما عمل على الابتكار ودمج الثقافات، يقول: «باعتباري ابن الحضارة المصرية التي عرفت الطعام الجزيئي منذ آلاف السنين كان لا بد أن أضع لمسات عليه بعبق التاريخ تليق بانتمائي لهذه الحضارة»، ويضيف: «من الثابت أن الفراعنة استخدموا الملح ومكونات وطرقاً عديدة لحفظ الأسماك واللحوم، وقاموا بعمليات كيمائية كالتخمير والتمليح والتكثيف بالملح، وحين انتقل إلى الغرب قاموا بتطويره بشكل احترافي مع استخدام مادة كيمائية مستخلصة من النشويات».
إذا كنت تجد سعادة دوماً في تجربة الأشياء الجديدة، فإن تناول طبق من المطبخ الجزيئي للشيف سعيد هي فكرة رائعة تقودك إلى دخول عالم جديد مليء بالإثارة، ففي قلب إيطاليا يقدم لك طبقاً من حساء العدس المعروف في المطبخ المصري، بعد أن أضاف إليها السبيط، وأدخل طريقة المطبخ الجزيئي عبر تكثيفه لعصير الفلفل الحار الأحمر.
الأكثر من ذلك أنه جعل الخبز المصري البلدي المحمص يتربع على عرش الطبق بثقة: «أقوم بخبز العيش البلدي الذي تربيت عليه في بلدي وعشقته، حيث كانت والدتي تخبزه هو والرقاق، وذلك مع إكساب الطبق النكهة المميزة للأسماك بالإسكندرية، حيث ولدت ونشأت، وهي تتكون في الأساس من الكمون والثوم، مع إضافة الريحان والأعشاب المحببة في أوروبا، وفوجئت بأنه حظي بإعجاب شديد من جانب زوار المطعم بل أصبح طبقاً رئيسياً في لائحة الطعام».
خطفت إيطاليا ومطبخها قلب الشيف الذي انتقل إليها منذ نحو 25 سنة، «أعشق الفنون وهي موطن الفنون، وفيها عشقت الطهي أيضاً، حيث رأيت طاهياً يبدع في تقديم لوحات فنية من الطعام، فقررت أن أصبح طاهياً مبتكراً مثله».
لكن برغم طغيان الأكل الجزيئي والحديث على معظم أطباقه، إلا أن سعيد يحرص على إيجاد مساحات من تراث البلدين بها، ومن ذلك تقديم السمك السنجاري والطحينة بالكمون مع أرز الصيادية على الطريقة السكندرية، كما أبتكر طبقاً من الأسماك الرول المضافة إليها أنواع من الكريمة بعضها من الفول وبعضها الآخر مستوحى من الطبق الشعبي المصري الشهير «البصارة»، التي يضعها «أرضية» تفرش بها الطبق، والأمر نفسه فعله في العديد من الأسماك مثل القاروص والبوري والمياس، حيث دمج فيها بين المكونات وطرق الطهي القادمة من الإرث الغذائي للمطبخين المنتميين إلى طعام البحر المتوسط.
المثير أنه حين فاز أخيراً بمسابقة الطبخ التراثي الإيطالي وبطولة المقاطعة الشمالية في تراث الطهي مانويل، استدعى أيضاً جانباً من تراث مصر ليضيفه بجرأة إلى طبق يتسابق فيه الإيطاليون على تحضير وصفة قادمة من غذاء أجدادهم، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «يتميز المطبخ الإيطالي بالعراقة، ويعد من السبعة مطابخ العالمية، وتعد المنافسات في أقسامه من المهام الصعبة جداً للإيطاليين نفسهم، خصوصاً عندما تكون في مجال الطبخ التراثي، ما يزيد نسبة الصعوبة والتحدي لكنني فزت وسط دهشة الجميع».
ويتابع: «في هذه المسابقة أقاموا ما يشبه السوق الذي يتضمن كل الخامات الغذائية المحلية مثل الزيتون والريحان والخرشوف والفول الأخضر والأسماك، وفي المسابقة الأخيرة اخترت سمك (Sgombro)، لأنه من الأنواع التي في متناول اليد، وهنا يكون التحدي أن نجعل من مكونات عادية رخيصة طبق يوضع على قائمة أطباق مطاعم فاخرة».
ويقول عضو المنتخب الإيطالي للطهي والحاصل على بطولة إيطاليا في عامي 2008 و2012، «أما المفاجأة الحقيقية فتكمن في إنني اعتمدت في ابتكار الطبق على خلطة سكندرية أصيلة تقوم على استخدام عنصري الكمون والليمون بشكل خاص».


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».