في بعض الأحيان، يشعر الشرطي الأوكراني الذي يجلب الخبز إلى سكان قرية نوفوميكولايفكا على الجبهة الشرقية، أنه في أرض أعداء.
يُخرج فلاديسلاف كوباتسكي (24 عاماً) البقالة من صندوق سيارته ويلقي نظرة سريعة على الأفق بحثاً عن آثار دخان يمكن أن يدل على سقوط صواريخ روسية. ثم ينطلق لتوزيع المساعدات الإنسانية في القرية. لكنه يلقى استقبالاً فاتراً في أحسن الحالات.
ويحظى الروس بتأييد عدد كبير من السكان الذين بقوا في نوفوميكولايفكا بالقرب من كراماتورسك رغم القتال العنيف وأوامر الإخلاء من السلطات الأوكرانية. والأكبر سناً الذين نشأوا في الحقبة السوفياتية ينظرون بارتياب إلى سلطات كييف.
ويوضح كوباتسكي أن عدداً من السكان اعتُقلوا للاشتباه في أنهم أبلغوا الروس بإحداثيات للقواعد الخلفية الأوكرانية. ويقول وهو يخرج من ملجأ أعد على عجل تحت الأرض أمضت فيه أسرة الأيام الثلاثة الأخيرة تحت القصف الروسي «لسوء الحظ، هذا يحدث».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1525062044071841793
ويضيف أنه «يحاول التحدث» مع السكان الموالين لروسيا، لكن «من الصعب إقناع من نشأوا في الحقبة السوفياتية... يتمسكون بوجهة نظرهم ولا يتزحزحون».
ووجهة النظر هذه تغذيها دعاية الكرملين التي تصور الأوكرانيين على أنهم «نازيون جدد» يتحركون بأوامر من واشنطن. وهذا في الواقع يجعل كوباتسكي هدفاً محتملاً في قرى المواجهة هذه.
ويقدر الجنود الأوكرانيون الذين هم على اتصال بالسكان أن ما بين ثلاثين و45 في المائة منهم يؤيدون الروس.
وقال جندي يلقبونه «زاستافا» خلال استراحة قصيرة بعد خمسة أيام في الجبهة «إنهم يسلمون إحداثياتنا للروس، هذا أمر مؤكد!». وأضاف: «أتذكر أن رجلاً عجوزاً جاء إلينا وتعرضنا للقصف على الفور بعد ذلك». وتابع أن «السكان الأكبر سناً لا يريدون أن يدعمونا».
ويشكل الناطقون باللغة الروسية أغلبية سكان حوض دونباس. وتعود جذورهم في المنطقة إلى فترة إرسال عمال روس إليها بعد الحرب العالمية الثانية.
وهذا التاريخ صنع هوية دونباس التي أبقت على روابط اقتصادية وثقافية قوية مع روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا.
وقال زاستافا ملخصاً الوضع، «هناك قرى مجاورة ولا تدعم المعسكر نفسه».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1522685131940524033
ويرى أندري أولينيك (48 عاماً) المولود في نوفوميكولايفكا، أن دروس التاريخ لم تُجد. فقد أمضى الرجل الذي يتنقل على كرسي متحرك الأسبوع الماضي، وهو يسمع هدير طائرات حربية تحلق في السماء ليلاً وقذائف تنفجر في مزارع قريبة. وقد أصيب منزله الخشبي. منذ ذلك الحين يشعر بالغضب حيال كييف وموسكو لعدم سعيهما إلى السلام.
ويسود جو مثقل في منزله. فمصاريع النوافذ مغلفة منذ أسابيع للحد من خطر تناثر الزجاج. وقال «انسحب الروس من كييف، لذلك يبدو أن الحرب انتهت بالنسبة للناس هناك... لو كان سكان كييف ما زالوا يعيشون ما نعيشه نحن هنا، لكان كل شيء هنا مختلفاً». وأكد الرجل: «ألوم الحكومتين... الجانبان مسؤولان... نحن لا أهمية لنا بالنسبة لهما».
وجزء من الاستياء من كييف أيضاً نابع من الوضع الاقتصادي في المنطقة الذي تضرر بشدة بسبب تراجع التصنيع قبل بدء الحرب مع الانفصاليين الموالين لروسيا في 2014.
وحاول أندري وزوجته يلينا الرحيل في الأيام القليلة الماضية مع أبنائهما إلى قرية مجاورة بعد جمع مدخراتهما وشراء سيارة جارهم القديمة. لكن هذه القرية تعرضت بدورها لقصف جوي بعد أربعة أيام من وصولهم. وقالت يلينا «لذلك عدنا»، مؤكدة أن «بيتنا يبقى بيتنا».
مشكلة أخرى مهمة هي نقص المحروقات الذي يحد من إمكانيات التنقل بعد أن قررت محطات الوقود القليلة التي لا تزال تعمل في المنطقة الحد من المبيعات بعشرة لترات أو عشرين لتراً للسيارة.
وتساءل أندري «إلى أين نذهب؟». وأضاف: «وضعنا 20 لتراً في السيارة، وهذا سيسمح لنا بالسفر من 100 إلى 150 كيلومتراً... لكن الحرب في كل المنطقة».
ويحبس رجل شرطة في المنطقة دموعه بصعوبة وهو يرى العائلات تعود مع أمتعتها رغم القصف. وقال طالباً عدم الكشف عن هويته، «إنهم يعودون إلى هذا الجحيم لأنه ليس لديهم مكان يذهبون إليه... يقولون: إذا كُتب لي الموت فسأموت».
الأوكرانيون الباقون في دونباس يشعرون أن كييف وموسكو «لا تكترثان بهم»
الأوكرانيون الباقون في دونباس يشعرون أن كييف وموسكو «لا تكترثان بهم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة