«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (8): وودي آلن لـ «الشرق الأوسط»: لا أعتبر نفسي ممثلا مثل دستين هوفمن

السينمائي الشهير قال إنه يحاول تقديم فن يكشف فيه للناس لماذا الحياة تستحق أن تُعاش

وودي آلن  -  واكيم فينكس وإيما ستون في لقطة من الفيلم
وودي آلن - واكيم فينكس وإيما ستون في لقطة من الفيلم
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (8): وودي آلن لـ «الشرق الأوسط»: لا أعتبر نفسي ممثلا مثل دستين هوفمن

وودي آلن  -  واكيم فينكس وإيما ستون في لقطة من الفيلم
وودي آلن - واكيم فينكس وإيما ستون في لقطة من الفيلم

*من أقوال وودي آلن المأثورة أنه يفتح درج مكتبه ويستعرض الأفكار التي كان خطّها على ورق، ثم يأخذ واحدة ويكتب لها السيناريو. لا يحتاج إلى بيع مسبق ولا إلى إقناع شركات توزيع. فشركة الإنتاج النيويوركية التي يتعامل معها (اسمها «Gravier») هي ذاتها من عام 2002 عندما حقق «نهاية هوليوودية».
هناك ما يؤكد هذا القول في حالة فيلمه الجديد «رجل غير منطقي»، الذي يعرضه المهرجان في عروض رسمية خارج المسابقة. فهو بدأ كتابته قبل سنة واحدة. وما إن انتهى حتى كانت بدأت اتصالاته. في الثامن من يوليو (تمّوز) من العام الماضي دخل التصوير، وفي 24 من الشهر اللاحق (أغسطس/ آب) انتهى تصويره ودلف به إلى الاستوديو لعمليات ما بعد التصوير.
إنها نعمة كبيرة أن يصوّر السينمائي أفلامه بميزانيات صغيرة. فاتورة فيلم مثل «رجل منطقي» لا تزيد عن فاتورة أسبوع عمل على أي فيلم ضخم تدشّنه هوليوود. هذا إلى جانب أن آلن، مثل حفنة من المخرجين المستقلين عن عجلة الصناعة ذاتها، لا يوجد من يضع له شروطا أو طلبات حول كيف يجب أن يأتي الفيلم عليه. لا اجتماعات مع رجال ببذلات وربطات عنق يجلسون في غرفة اجتماعات وكل يدلي بدلوه في الفيلم الذي يريدون من المخرج أن يحققه كما تجري العادة.
هذه الاستقلالية التامة مرجعها ما نجح ألن في تأسيسه من مكانة كبيرة بين فناني السينما. بعد سنوات البداية من عام 1966 (بفيلم «ما الجديد.. تايغر ليلي؟»)، وحتى أول فيلم جاد له سنة 1975 («حب وموت»)، خط طريقه على نحو ناضج موفّرا لمن تحلّق حول أفلامه منهجه في الكوميديا وتجاربه في الدراما من حين لآخر.
«رجل غير منطقي» بدوره ينتمي إلى الدراما بطريقة ألن ذاتها التي قدّم فيها «بلو جاسمين» قبل عامين: يسبر غور الشخصية الرئيسة بين يديه، ويعمد إلى تحليل مكانتها الاجتماعية والعاطفية من دون جهد. كيت بلانشيت في ذلك الفيلم لم تعرف طعم الحب منذ أن اكتشفت خيانة زوجها.. وواكيم فينكس، في هذا الفيلم، لم يذق طعم الحب منذ سنة. أستاذ فلسفة يصل إلى حيث سيحاضر وحيث يلتقي بامرأتين: باركر بوسي، الأكبر منه سنّا، وإيما ستون التي تصغره بنحو خمس عشرة سنة. سيحاول إقامة علاقة مع الأولى، لكنه سيحب الثانية التي تسعى إلى تغييره قبل أن ينفذ تهديده بالانتحار. صيته كعاشق سبقه كذلك صيته كرجل فقد السبب الوجيه للحياة. انطلق، باعترافه، برغبة جامحة لتغيير العالم.. «لكني أصبحت مجرد مثقف جنسيا غير فاعل»، كما يقول.
أول ما يثير الإعجاب في هذا الفيلم هو السيناريو كقصّة كما كحوار، ولو أن كليهما له جذور في أفلام آلن السابقة. ثاني مصادر الإعجاب هو ذلك التصوير الغني بألوانه من داريوش خوندجي. تستطيع أن تقارنه بمعظم ما عرض على شاشة «كان» هذه السنة فتتبدّى لك الفروقات بين المعرفة والهواية.
في طيات ذلك، فإن الفيلم في بعض أوجهه يدور حول تلك النقطة في الحياة التي يندفع فيه المرء لاتخاذ قرار يعرف أنه غير منطقي.
وحول هذا الفيلم كان لنا هذا الحوار مع المخرج..

*يمرر الفيلم فكرة مفادها أننا جميعا نواجه اختيارات صعبة.. نريد ذلك لكننا نحب شيئا آخر، وهو أمر تردد كثيرا في أفلامك.. ما هو مصدر هذه الفكرة؟
- هناك مرات كثيرة في الحياة، في حياة أي منا في الواقع، نواجه فيها ضرورة أن نختار. أحيانا ننجح في الاختيار وأحيانا أخرى نفشل. هذا الفشل قد يكون ناتجا عن التفكير غير المنطقي، لكن درجة فشله تعتمد كثيرا على نوعه. في بعض الأحيان تتخذ قرارا غير منطقي لتجد أنك تستطيع تحمّل تبعاته على الرغم من أن أحدا سواك لا يرى احتمال ذلك.
*لكن في الكثير من أفلامك تتدافع الشخصيات لكي تنقض ما كانت اختارته سابقا. من «آني هول» إذا كنت مصيبا هناك شخصيات كانت التقت مع شخصيات أحبّتها لتكتشف أنها تحب شخصيات أخرى..
- نعم. هذه هي الاختيارات التي تواجهنا. معظم أبطالي يختارون ما هو في الواقع اختيارا غير منطقي. ليس عليه أن يكون كبيرا. زاوية اختلافه تنطلق صغيرة لكنها تؤدي إلى نتائج مختلفة. أعتقد أن بعض ذلك يعود إلى أنني لا أرى أن هناك اختيارا صائبا في كل وجوهه. عليك أن تبحث.
*تتجه مؤخرا إلى أفلام أكثر جديّة مما عودت متابعيك.. هل هذا تطوّر منطقي للكوميدي؟
- ليس في حالتي على الأقل. دائما ما نظرت إلى أعمالي نظرة جادّة. دائما ما رغبت أن أُعتبر مخرجا جادا. هذه كانت رغبتي.
*لكن أفلامك الأولى كانت كوميدية بقدر ما كانت أفلام شارلي تشابلن أو بستر كيتون كوميدية.. طبعا مع أفكار مختلفة.
- هذا صحيح، لكن السبب في ذلك هو أن أحدا لم يكن سيموّل أفلامي لو أنني لم أنتهج الكوميديا. لقد انطلقت كوميديًا ونجحت في هذا اللون، وبات صعبا بعد ذلك أن أستدير صوب الدراما. رحلتي كان عليها أن تقطع مسافة طويلة قبل أن يتغير استقبال الناس لي. لكني دائما ما أردت أن أكون دراميًا.
*أبطالك دوما في حالة نزاع داخلي. لا أحد منهم راض عما هو عليه. هنا الفيلسوف غير راض عن حال العالم أساسا. هل هذا توجه جديد في نظرك صوب طرح مشاكل غير شخصية أساسا؟
- لا أدري. هذه نقطة مثيرة للاهتمام، لأن آب (فينكس) في الوقت الذي يعتبر نفسه فيه قد فشل على أكثر من مستوى لا يزال مستعدا لدخول تجارب جديدة. بالتالي أزمته مع نفسه لم تنته بعد. لكن ما ذكرته لجهة أزمته مع العالم صحيح أيضا.
*هل تستخدم الأزمات الداخلية لشخصياتك لتثير قدرا من البحث حول الأفراد أم حول الحياة؟
- إذا استطعت إثارة الاهتمام بالناحيتين معا أكون وصلت إلى ما أبتغيه من تعميم الحالة. سألوني في المؤتمر الصحافي عن الشخصيات التي أقدمها ومصدر أزماتها، وقلت إن العالم يشهد اليوم ما شهده دائما من نزاعات ومشاكل. كله ورد في التراجيديات الإغريقية وصولا إلى شكسبير ودستويفسكي وإلى اليوم.
*هل ساعدتك السينما على أن تكتشف الحياة أو تواجه معضلاتها الكبيرة؟
- كل ما تستطيع فعله كفنان أن تصنع فنا تكشف فيه للناس لماذا الحياة تستحق أن تُعاش. لماذا هي عزيزة وجديرة بأن نحياها. عدا ذلك لا يهم ما الذي تعتقده فيها ولا تهم وجهة نظرك حولها، ستمر بك وبي وبكل الأحياء وتمضي.
*ماذا تستنج شخصيا من كل فيلم تقوم به.. هل ما زال كل فيلم حديث يدفعك لتحقيق فيلم آخر ينطلق من الفيلم السابق لفتح معالم جديدة أو طرح أفكار جديدة؟
- لا. ليس هذا ما يحدث معي. ولا أعتقد أنه يجب أن يحدث، وإلا فإن كل فيلم قد يلغي الآخر من جهة أن ما سبق هو تكوين خاطئ لاعتقاد ما وتريد الآن تصحيحه. هذا لن يؤدي إلى سياق سينمائي واحد ومتواصل وصحيح في بنيته. لا أستطيع أن أنتقل من وضع ثم أفكر به بعد التنفيذ لأكتب لاحقا وضعا مخالفا. ليس لديّ هذا المنهج. وبصراحة لا أشاهد أي فيلم من أفلامي بعد انتهائي منه.
*لماذا؟
- لأنني في هذه الحالة سأكتشف عيوبا وسأريد تصليحها قبل خروج الفيلم إلى الجمهور. هذا ليس ممكنا. أنت تكتب وتستطيع أن تعيد كتابة المقال الذي تكتبه في أي وقت قبل أن تبعث به إلى الناشر. السينمائي ليست لديه القدرة المادية ولا الفنية أو الإنتاجية على أن يراجع الفيلم بعد انتهائه ليدخل تعديلات عليه. لذلك لا أرى أفلامي حتى لا أشعر بأنني كنت أستطيع أن أفعل كذا أو كذا بها.
*هل اكتفيت من التمثيل لذلك لا تظهر كثيرا الآن؟
- لا أعتبر نفسي ممثلا كما شارلتون هستون أو روبرت ردفورد أو دستين هوفمن. أولئك يستطيعون تمثيل شخصيات متعددة. هذا هو الممثل الفعلي. هو القادر على لعب الأدوار المختلفة كما هو حال واكيم فينكس أيضا. أنا أمثل فقط. التمثيل مرتبط بشخصيّتي دائما. وبالنسبة لهذا الفيلم يحمل موضوعا ونبرة جادين، لذلك لو ظهرت فيه لتوقع الناس عملا مختلفا. لظنوا أن الفيلم كوميدي، وربما اعتقدوا أنني أخفقت في إضحاكهم هذه المرّة.
*ذات مرّة سألك زميل لي عن موقفك من الموت، وقلت إنك ما زلت ضده..
- (يضحك).. لم أغير موقفي السياسي منه بعد. وأعتقد أنني لن أفعل.
*أعود في النهاية إلى «رجل غير منطقي».. شخصية أستاذ الفلسفة مفاجئة من حيث إن المرء يعتقد أن دارس الفلسفة لا بد وجد مناعة حيال خيبات الأمل.. إيمانا ما يجعله قادرا على تجاوز الإخفاقات. لكن هذه ليست حالة واكيم في الفيلم..
- ما تقوله قد يكون صائبا على نحو واحد هو الإيمان. بصرف النظر عما تؤمن به فإن الإيمان يجعلك أكثر تحملا للإخفاقات. هذا في اعتقادي صحيح، حتى وإن كان ما تؤمن به في الحياة، لنقل نظامًا سياسيًا أو دينًا أو فكرة مثالية، صحيحا أم خطأ. هذا لا يهم. لكن ما تقوله لا يعني أن من يحمل ذلك الإيمان لا يداخله الشك أو لن يخسر إيمانه ليجد نفسه أقرب إلى خسارة حياته وكل شيء آخر.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.